للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ أَمَّا مَا فِيهَا ثَلَاثُ مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ لِأَنَّهَا ثُلُثُهَا وَمَا فِيهَا مِفْصَلَانِ كَالْإِبْهَامِ فَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ لِأَنَّهُ نِصْفُهَا وَهُوَ نَظِيرُ انْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمَا فِيهَا ثَلَاثُ مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ وَنِصْفُهَا لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ، وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ أُذُنَ الرَّجُلِ خَطَأً فَأَثْبَتَهَا الْمَقْطُوعَةُ أُذُنُهُ فِي مَكَانِهَا فَثَبَتَتْ فَعَلَى الْقَاطِعِ أَرْشُ الْأُذُنِ كَامِلًا قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الطَّوَاوِيسِيُّ هَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْأُذُنَ لَا يُتَصَوَّرُ إثْبَاتُهَا بِالِاحْتِيَالِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِاتِّصَالِ الْعُرُوقِ، فَإِذَا ثَبَتَتْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتَّصَلَ الْعُرُوقُ وَزَالَتْ الْجِنَايَةُ فَيَزُولُ مُوجِبُهَا وَفِي الْكُبْرَى، وَإِنْ جَذَبَ أُذُنَهُ فَانْتَزَعَ شَحْمَتَهُ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ دُونَ الْقِصَاصِ لِتَعَذُّرِ مُرَاعَاةِ التَّسَاوِي فِي الْقِصَاصِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَطَعَ أُذُنَ عَبْدٍ أَوْ أَنْفَهُ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) يَعْنِي فِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَالْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ وَهِيَ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا لِأَنَّ الْكُلَّ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ سَوَاءٌ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ فِيهِ كَالْأَيْدِي وَالْأَصَابِعِ وَلَئِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ فَفِي الْآخَرِ زِيَادَةُ الْجَمَالِ فَاسْتَوَيَا فَزَادَتْ دِيَةُ هَذَا الطَّرَفِ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا عِشْرُونَ ضِرْسًا وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَأَرْبَعُ ثَنَايَا وَأَرْبَعُ ضَوَاحِكَ، فَإِذَا وَجَبَ فِي الْوَاحِدَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ يَجِبُ فِي الْكُلِّ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ هَذَا إذَا كَانَ خَطَأً، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. قَوْلُهُمْ: وَالْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَالُوا فِيهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ وَيُقَالُ وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِأَنَّ السِّنَّ اسْمُ جِنْسٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أَرْبَعٌ مِنْهَا ثَنَايَا وَهِيَ الْأَسْنَانُ الْمُتَقَدِّمَةُ اثْنَانِ فَوْقُ وَاثْنَانِ أَسْفَلُ وَمِثْلُهَا رُبَاعِيَّاتٌ وَهِيَ مَا يَلِي الثَّنَايَا وَمِثْلُهَا أَنْيَابٌ تَلِي الرَّبَاعِيَاتِ وَمِثْلُهَا ضَوَاحِكُ تَلِي الْأَنْيَابَ وَاثْنَيْ عَشَرَ سِنًّا تُسَمَّى بِالطَّوَاحِينِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثَلَاثٌ فَوْقُ وَثَلَاثٌ أَسْفَلُ وَبَعْدَهَا سِنٌّ وَهُوَ آخِرُ الْأَسْنَانِ يُسَمَّى ضِرْسَ الْحُلُمِ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقْتَ كَمَالِ الْعَقْلِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ لِعَوْدِهِ إلَى مَعْنَى أَنْ يُقَالَ الْأَسْنَانُ وَبَعْضُهَا سَوَاءٌ. اهـ.

أَقُولُ: فِي هَذَا النَّظَرِ مُبَالَغَةٌ مَرْدُودَةٌ حَيْثُ قِيلَ فِي أَوَّلِهِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ خَطَأٌ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ مَا فِي الْكِتَابِ مَعَ أَنَّ تَصْحِيحَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّمَامِ، فَإِنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ طَرِيقَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَدْ ذُكِرَتْ مُرَتَّبَةً فِي عِلْمِ الْبَلَاغَةِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ فِي التَّنْزِيلِ قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨] وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: ٩٨] فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ ذَلِكَ وَيَعُودُ حَاصِلُ مَعْنَاهُ إلَى أَنَّهُ يُقَالُ الْأَضْرَاسُ وَمَا عَدَاهَا مِنْ الْأَسْنَانِ سَوَاءٌ، فَإِنَّهُ إذَا عُطِفَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ يُرَادُ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَا عَدَا الْمَعْطُوفَ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُوفُ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ أَوْ يُقَالُ وَالْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ مِثْلُ مَا ذُكِرَ فِي الْإِيرَادِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ فَلَا مَعْنَى لَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَوَابًا دُونَ مَا فِي الْكِتَابِ نَعَمْ الْأَظْهَرُ فِي إفَادَةِ الْمُرَادِ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ لَفْظُ الْحَدِيثِ أَوْ أَنْ يُقَالَ فِي الْأَضْرَاسِ وَالثَّنَايَا كُلُّهَا سَوَاءٌ بِالْجَمْعِ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ عُضْوٍ ذَهَبَ مَنْفَعَتُهُ فَفِيهِ دِيَةٌ كَيَدٍ شُلَّتْ وَعَيْنٍ ذَهَبَ ضَوْءُهَا) أَيْ إذَا ضَرَبَ عُضْوًا فَذَهَبَ نَفْعُهُ بِضَرْبِهِ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَمَا إذَا ضَرَبَ يَدَهُ فَشُلَّتْ بِهِ أَوْ عَيْنُهُ فَذَهَبَ ضَوْءُهَا لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ يَتَعَلَّقُ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا زَالَتْ مَنْفَعَتُهُ كُلُّهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَرْشُ مُوجِبِهِ كُلِّهِ وَلَا عِبْرَةَ لِلصُّورَةِ بِدُونِ الْمَنْفَعَةِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فَلَا يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْأَرْشِ إلَّا إذَا تَجَرَّدَتْ عِنْدَ الْإِتْلَافِ بِأَنْ أَتْلَفَ عُضْوًا ذَهَبَ مَنْفَعَتُهُ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ جَمَالٌ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ أَوْ أَرْشُهُ كَامِلًا إنْ كَانَ فِيهِ جَمَالٌ كَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْجَمَالِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ اعْتِبَارُهُمَا مَعًا بَلْ يَكُونُ تَبَعًا لَهَا فَيَكُونُ الْمَنْظَرُ إلَيْهِ هِيَ الْمَنْفَعَةَ فَقَطْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَرْشٌ ثُمَّ إذَا انْفَرَدَ عِنْدَ الْإِتْلَافِ يَكُونُ لَهُ أَرْشٌ أَلَا تَرَى أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>