وُجُودِ الدَّمِ فِي الْعَشَرَةِ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْمُبَارَكِ لَا تُفِيدُ إلَّا اشْتِرَاطَ وُجُودِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ دَمًا وَلَوْ فِي طَرَفٍ وَاحِدٍ.
وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ نَقَصَ الطُّهْرُ عَنْ ثَلَاثَةٍ لَمْ يُفْصَلْ، وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةً فُصِّلَ كَيْفَمَا كَانَ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا يُجْعَلُ ذَلِكَ حَيْضًا كَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ، وَإِنَّمَا خَالَفَهُ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ غَلَبَةَ الدَّمِ وَلَا مُسَاوَاتَهُ بِالطُّهْرِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَرَّعَ عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْعَشَرَةُ الْأُولَى حَيْضٌ إنْ كَانَتْ عَادَتَهَا أَوْ مُبْتَدَأَةً؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ يُخْتَمُ بِالطُّهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فَعَادَتُهَا فَقَطْ لِمُجَاوَزَةِ الدَّمِ الْعَشَرَةَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ تَعَذُّرَ جَعْلَ الْعَشَرَةِ حَيْضًا لِاخْتِتَامِهَا بِالطُّهْرِ وَتَعَذُّرَ جَعْلُ مَا قَبْلَ الطُّهْرِ الثَّانِي حَيْضًا؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِيهِ لِلطُّهْرِ فَطَرَحْنَا الدَّمَ الْأَوَّلَ وَالطُّهْرَ الْأَوَّلَ فَبَقِيَ بَعْدَهُ يَوْمٌ دَمٌ وَيَوْمَانِ طُهْرٌ وَيَوْمٌ دَمٌ وَالطُّهْرُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَجَعَلْنَا الْأَرْبَعَةَ حَيْضًا. وَعِنْدَ زُفَرَ الثَّمَانِيَةُ حَيْضٌ لِاشْتِرَاطِهِ كَوْنَ الدَّمِ ثَلَاثَةً فِي الْعَشَرَةِ وَلَا يُخْتَمُ عِنْدَهُ بِالطُّهْرِ، وَقَدْ وُجِدَ أَرْبَعَةٌ دَمًا وَكَذَلِكَ هُوَ أَيْضًا رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِخُرُوجِ الدَّمِ الثَّانِي عَنْ الْعَشَرَةِ.
(فَرْعٌ آخَرُ)
عَادَتُهَا عَشَرَةٌ فَرَأَتْ ثَلَاثَةً وَطَهُرَتْ سِتَّةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ قُرْبَانُهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَهَّمَ بَعْدَهُ مِنْ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَالسِّتَّةُ أَغْلَبُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَيُجْعَلُ الدَّمُ الْأَوَّلُ فَقَطْ حَيْضًا بِخِلَافِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَتْ طَهُرَتْ خَمْسَةً وَعَادَتُهَا تِسْعَةٌ اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ قِيلَ لَا يُبَاحُ قُرْبَانُهَا لِاحْتِمَالِ الدَّمِ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ وَقِيلَ يُبَاحُ وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الزَّائِدَ مَوْهُومٌ؛ لِأَنَّهُ خَارِجَ الْعَادَةِ وَفِي نَظْمِ ابْنِ وَهْبَانَ إفَادَةُ أَنَّ الْمُجِيزَ لَلْقُرْبَانِ يَكْرَهُهُ. اهـ.
مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعِبَارَةِ النَّظْمِ هَذِهِ
وَلَوْ طُهِّرَتْ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَطَهُرَتْ ... وَعَادَتُهَا لَمْ تَمْضِ فَالْوَطْءُ يَذْكُرُ
كَرَاهَتَهُ بَعْضٌ وَيَنْفِيهِ بَعْضُهُمْ ... وَبِالصَّوْمِ تَأْتِي وَالصَّلَاةِ وَتَذْكُرُ
وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذِهِ الْإِفَادَةِ مِنْ النَّظْمِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ لَيْسَ هَذِهِ الصُّورَةَ بَلْ الِاغْتِسَالُ عَقِبَ الطُّهْرِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ أَنَّ الطُّهْرَ غَالِبٌ عَلَى الْحَيْضِ أَوْ لَا وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَهِيَ أَنَّ الدَّمَ إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ الْعَادَةِ هَلْ وَطْؤُهَا حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ فِيهِ خِلَافُ الْإِمَامَيْنِ وَلَمْ يُنْقَلْ فِيهَا الْجَوَازُ أَصْلًا وَنَقْلُ الْكَرَاهَةِ لَا يُفِيدُهُ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ بِمَعْنَى الْحِلِّ لَا يُجَامِعُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ بِخِلَافِهِ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ.
(قَوْلُهُ وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلِأَنَّهُ مُدَّةُ اللُّزُومِ فَصَارَ كَمُدَّةِ الْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ إلَّا عِنْدَ نَصْبِ الْعَادَةِ فِي زَمَنِ الِاسْتِمْرَارِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَدُّ إلَى سَنَةٍ وَإِلَى سَنَتَيْنِ، وَقَدْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ أَكْثَرِهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَشَمَلَ كَلَامُهُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ: الْأُولَى إذَا بَلَغَتْ مُسْتَحَاضَةً فَسَتَأْتِي أَنَّهُ يُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِعَشَرَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ وَالثَّانِيَةُ إذَا بَلَغَتْ بِرُؤْيَةِ عَشَرَةٍ مَثَلًا دَمًا وَسَنَةً
ــ
[منحة الخالق]
وَقَوْلُهُ فِي الْعَشَرَةِ صَوَابُهُ فِي طَرَفَيْ الْعَشَرَةِ وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ، وَأَمَّا مَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْهُ اعْتِبَارَ كَوْنِ الدَّمِ فِي الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةً فَقَطْ وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ وَجَعَلَهَا فِي التَّوْشِيحِ رِوَايَةً عَنْهُ فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْخَلَلِ وَمَنْشَؤُهُ نَفْيُ الْمُخَالَفَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ وُجِدَ أَرْبَعَةٌ دَمًا) كَذَا هُوَ فِي الْفَتْحِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ ثَلَاثَةٌ. (قَوْلُهُ: وَطُهِّرَتْ بِالتَّشْدِيدِ) أَيْ اغْتَسَلَتْ وَكَرَاهَتُهُ مَفْعُولٌ يُذْكَرُ فِي آخِرِ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَهُوَ تَضْمِينٌ عَدُّوهُ مِنْ عُيُوبِ الشِّعْرِ وَالضَّمِيرُ لِلْوَطْءِ وَضَمِيرُ يَنْفِيهِ لَهُ أَيْضًا وَتَأْتِي وَتَذْكُرُ لِمَنْ طَهُرَتْ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ تَبَعًا لِابْنِ الشِّحْنَةِ اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى صُورَتُهَا لَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَادَتُهَا تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَاغْتَسَلَتْ يُكْرَهُ لِزَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا وَطْؤُهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا احْتِيَاطًا وَبَعْضُهُمْ قَالَ لَا يُكْرَهُ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا، وَالثَّانِيَةُ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّهَا تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتَأْتِي بِجَمِيعِ مَا يَمْتَنِعُ فِعْلُهُ عَلَى الْحَائِضِ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهَا لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْعَوْدِ اهـ.
[أَقَلُّ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْض]
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ مِنْ اللُّزُومِ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالدُّرَرِ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ أَيْ لُزُومِ الْعِبَادَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَيَانُهُ أَنَّ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَازِمَةٌ وَالسَّفَرُ قَدْ يَحْدُثُ أَحْيَانًا وَكَذَا الطُّهْرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَيْضِ وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى كَوْنِ تِلْكَ الْمُدَّةِ مُعْتَبَرَةً فِي الشَّرْعِ تَوْقِيتًا لِمَا لَزِمَ وَنَظِيرُ هَذَا مَا يَجِيءُ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ وَبَابِ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ أَنَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ضُرِبَتْ لِإِيلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ وَالْمَدْيُونِ لِلْقَضَاءِ وَمَنْ فَسَّرَ هَذَا اللُّزُومَ بِلُزُومِ الْعِبَادَةِ فَقَدْ خَبَطَ خَبْطَ عَشْوَاءَ. اهـ.
وَمُرَادُهُ بِهِ الرَّدُّ عَلَى الْأَوَّلِ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ يَرْجِعُ إلَى اللُّزُومِ الْعَادِي، وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّرْعِيُّ وَأَنَّهُ مُرَادُ الْقَائِلِ الْأَوَّلِ وَوَجْهُهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مُدَّةُ الطُّهْرِ نَظِيرُ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُفِيدُ مَا كَانَ سَقَطَ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَلِكَ أَقَلُّ مُدَّةِ الطُّهْرِ وَلِهَذَا قَدَّرْنَا أَقَلَّ مُدَّةِ السَّفَرِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُؤَثِّرُ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالثَّانِيَةُ إذَا بَلَغَتْ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ