مِنْ الدَّاخِلِ فَيُوجَدُ الْهَتْكُ، وَالطَّرُّ الشَّقُّ وَذَكَرَ الشُّمُنِّيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصُّرَّةِ بَعْضُ الْكُمِّ الْمَشْدُودِ فِيهِ الدَّرَاهِمُ وَقَيَّدَ بِالطَّرِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَكَانَهُ حَلُّ الرِّبَاطِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ لِانْعِكَاسِ الْعِلَّةِ فَيُقْطَعُ إنْ كَانَ الرِّبَاطُ خَارِجَ الْكُمِّ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الدَّرَاهِمَ مِنْ دَاخِلِهِ وَلَا يُقْطَعُ إنْ كَانَ الرِّبَاطُ مِنْ دَاخِلِ الْكُمِّ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنْ خَارِجِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِمَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الطَّرِّ ظَهَرَ أَنَّ مَا يُطْلَقُ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الطَّرَّارَ يُقْطَعُ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُ قَالَ يُقْطَعُ الطَّرَّارُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. اهـ.
وَأَمَّا الرَّابِعَةُ وَهِيَ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ قِطَارٍ بَعِيرًا أَوْ حِمْلًا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُحْرَزٍ مَقْصُودًا فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ السَّائِقَ أَوْ الرَّاكِبَ يَقْصِدُ قَطْعَ الْمَسَافَةِ وَنَقْلَ الْأَمْتِعَةِ دُونَ الْحِفْظِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهَا مَنْ يَحْفَظُهَا يُقْطَعُ، وَالْقِطَارُ الْإِبِلُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ، وَالْجَمْعُ قُطُرٌ وَقَيَّدَ بِسَرِقَةِ الْحِمْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَقَّ الْجَوْلَقَ عَلَى الْجَمَلِ وَهُوَ يَسِيرُ وَأَخَذَ مَا فِيهِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ اعْتَمَدَ الْجَوَالِقَ فَكَانَ هَاتِكًا لِلْحِرْزِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَ الْجَوْلَقَ بِمَا فِيهِ وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ الْفُسْطَاطِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَوْ سَرَقَ نَفْسَ الْفُسْطَاطِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ إحْرَازِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْفُسْطَاطُ غَيْرَ مَنْصُوبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَلْفُوفٌ عِنْدَ مَنْ يَحْفَظُهُ أَوْ فِي فُسْطَاطٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَقَّ الْحِمْلَ فَسَرَقَ مِنْهُ أَوْ سَرَقَ جُوَالِقًا فِيهِ مَتَاعٌ وَرَبُّهُ يَحْفَظُهُ أَوْ نَائِمٌ عَلَيْهِ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ أَوْ جَيْبِ غَيْرِهِ أَوْ كُمِّهِ فَأَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ) لِوُجُودِ السَّرِقَةِ مِنْ الْحِرْزِ وَقَدَّمْنَا كُلَّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ) .
لَمَّا كَانَ الْقَطْعُ حُكْمَ السَّرِقَةِ ذَكَرَهُ عَقِبَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ (قَوْلُهُ وَتُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] ، وَالْمَعْنَى يَدَيْهِمَا وَحُكْمُ اللُّغَةِ أَنَّ مَا أُضِيفَ مِنْ الْخَلْقِ إلَى اثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ أَنْ يُجْمَعَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] ، وَقَدْ يُثَنَّى، وَالْأَفْصَحُ الْجَمْعُ، وَأَمَّا كَوْنُهَا الْيَمِينَ فَبِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فَكَانَ خَبَرًا مَشْهُورًا فَيُقَيَّدُ إطْلَاقُ النَّصِّ فَهَذَا مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ لَا مِنْ بَيَانِ الْمُجْمَلِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا إجْمَالَ فِي الْآيَةِ، وَقَدْ قَطَعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْيَمِينَ، وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الزَّنْدِ وَهُوَ مِفْصَلُ الرُّسْغِ وَيُقَالُ الْكُوعُ وَهُوَ مُذَكَّرٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ فَلِأَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ وَمِثْلُهُ لَا يُطْلَبُ لَهُ سَنَدٌ بِخُصُوصِهِ كَالْمُتَوَاتِرِ وَلَا يُبَالَى فِيهِ بِكُفْرِ النَّاقِلِينَ فَضْلًا عَنْ فِسْقِهِمْ أَوْ ضَعْفِهِمْ (قَوْلُهُ وَتُحْسَمُ) أَيْ تُكْوَى كَيْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَاقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ، وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ وَفِي الْمُغْرِبِ الْحَسْمُ أَنْ يُغْمَصَ فِي الدُّهْنِ الَّذِي أُغْلِيَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَثَمَنُ الزَّيْتِ وَكُلْفَةُ الْحَسْمِ عَلَى السَّارِقِ عِنْدَنَا، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ يُسَنُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَعِنْدَنَا ذَلِكَ مُطْلَقٌ لِلْإِمَامِ إنْ رَآهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي كُلِّ مَنْ قَطَعَهُ لِيَكُونَ سُنَّةً (قَوْلُهُ وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى إنْ عَادَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ نِهَايَةَ الْقَطْعِ مِنْ الرِّجْلِ؛ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ مِنْ الْكَعْبِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَفَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَالرَّوَافِضُ: يُقْطَعُ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ مِنْ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ وَيَدَعُ لَهُ عَقِبًا يَمْشِي عَلَيْهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ، فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ وَلَمْ يُقْطَعْ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ إنِّي لِأَسْتَحْيِيَ مِنْ اللَّهِ أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا وَرِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا فَلِهَذَا حَاجَّ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَجَمَعَهُمْ فَانْعَقَدَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّهُ إهْلَاكٌ مَعْنًى لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْحَدُّ زَاجِرٌ وَلِأَنَّهُ نَادِرُ الْوُجُودِ، وَالزَّجْرُ فِيمَا يَغْلِبُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَيُسْتَوْفَى مَا أَمْكَنَ جَبْرًا لِحَقِّهِ وَمَا وَرَدَ مِنْ الْحَدِيثِ مِنْ
ــ
[منحة الخالق]
[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَة وَإِثْبَاتِهِ]
فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute