مِنْ الْعَيْبِ هُنَا مَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ الْأُضْحِيَّةِ فَهُوَ كَهَلَاكِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَعِيبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ إلَى جِهَةٍ، وَقَدْ بَطَلَتْ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ، وَهَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَاجِبِ هُنَا مَا لَوْ نَذَرَ شَاةً مُعَيَّنَةً فَهَلَكَتْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ غَيْرُهَا أَوْ لَا لِكَوْنِ الْوَاجِبِ فِي الْعَيْنِ لَا فِي الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَطَوُّعًا نَحَرَهُ وَصَبَغَ نَعْلَهُ بِدَمِهِ وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَتَهُ، وَلَمْ يَأْكُلْهُ غَنِيٌّ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْطُوبُ أَوْ الْمُتَعَيِّبُ تَطَوُّعًا نَحَرَهُ وَصَبَغَ قِلَادَتَهُ بِدَمِهِ فَالْمُرَادُ مِنْ الْعَطْبِ هُنَا الْقُرْبُ مِنْ الْهَلَاكِ لَا الْهَلَاكُ، وَفَائِدَةُ هَذَا الْفِعْلِ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلَ مِنْهُ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي تَنَاوُلِهِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا إلَّا أَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَهُ لَحْمًا لِلسِّبَاعِ، وَفِيهِ نَوْعُ تَقَرُّبٍ وَالتَّقَرُّبُ هُوَ الْمَقْصُودُ.
(قَوْلُهُ: وَتَقَلَّدَ بَدَنَةَ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ، وَفِي التَّقْلِيدِ إظْهَارُهُ وَتَشْهِيرُهُ فَيَلِيقُ بِهِ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ فَقَطْ أَنَّهُ لَا يُقَلِّدُ دَمَ الْإِحْصَارِ، وَلَا دَمَ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ وَالسِّتْرُ أَلْيَقُ بِهَا وَدَمُ الْإِحْصَارِ جَابِرٌ فَيَلْحَقُ بِجِنْسِهَا، وَلَوْ قَلَّدَهُ لَا يَضُرُّهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَقَيَّدَ بِالْبَدَنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَقْلِيدُ الشَّاةِ، وَلَا تُقَلَّدُ عَادَةً وَدَخَلَ تَحْتَ التَّطَوُّعِ الْمَنْذُورُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ كَانَ تَطَوُّعًا أَيْ لَيْسَ بِإِيجَابِ الشَّارِعِ ابْتِدَاءً فَلِذَا ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يُقَلِّدُ دَمَ النَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ، وَعِبَادَةٍ فَإِنْ قُلْتُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَلَّدَ هَدَايَا الْإِحْصَارِ» قُلْتُ: جَوَابُهُ أَنَّهُ كَانَ قَلَّدَهَا لِلْمُتْعَةِ فَلَمَّا أُحْصِرَ بَقِيَتْ كَمَا كَانَتْ فَبُعِثَتْ إلَى مَكَّةَ عَلَى حَالِهَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَقْتَ التَّقْلِيدِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا فَإِنْ بَعَثَهُ يُقَلِّدُهُ مِنْ بَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَمِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ هُوَ السُّنَّةُ.
[مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]
(مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ) ثَابِتَةٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ دُونَ بَعْضٍ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُصَنَّفِينَ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ مَا شَذَّ وَنَدَرَ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الْأَبْوَابِ السَّالِفَةِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ وَيَقُولُونَ فِي أَوَّلِهِ مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ أَوْ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ أَوْ مَسَائِلُ شَتَّى أَوْ مَسَائِلُ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْأَبْوَابِ أَوْ فُرُوعٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ قَبْلَ يَوْمِهِ تُقْبَلُ وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ لَوْ شَهِدُوا بَعْدَمَا وَقَفَ النَّاسُ بِعَرَفَةَ أَنَّهُمْ وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ، وَقَفُوا يَوْمَ النَّحْرِ لَا تُقْبَلُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُجْزِئُهُمْ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ، وَمَكَانٍ فَلَا تَقَعُ عِبَادَةٌ دُونَهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ لِلِاسْتِحْسَانِ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلَ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِكَوْنِهَا عَلَى النَّفْيِ. الثَّانِيَ أَنَّهَا تُقْبَلُ لَكِنْ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ صِحَّةِ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الِاشْتِبَاهِ مِمَّا يَغْلِبُ، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلَوْ لَمْ يُحْكَمْ بِالْجَوَازِ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ لَزِمَ الْحَرَجُ الشَّدِيدُ الْمَنْفِيُّ شَرْعًا، وَهُوَ حِكْمَةُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «، وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تَعْرِفُونَ» أَيْ وَقْتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الْيَوْمُ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ عَنْ اجْتِهَادٍ وَرَأْيِ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ.
وَذَكَرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ هُوَ الْأَصَحُّ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِدَفْعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى الْإِثْبَاتِ حَقِيقَةً، وَهُوَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةٍ قَبْلَ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَلَيْسَتْ شَهَادَةً عَلَى النَّفْيِ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لَا يَثْبُتُ بِهَا عَدَمُ صِحَّةِ الْوُقُوفِ فَلَا فَائِدَةَ فِي سَمَاعِهَا لِلْإِمَامِ فَلَا يَسْمَعُهَا؛ لِأَنَّ سَمَاعَهَا يُشَهِّرُهَا بَيْنَ عَامَّةِ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَيَكْثُرُ الْقِيلُ وَالْقَالُ وَتَثُورُ الْفِتْنَةُ وَتَتَكَدَّرُ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّكِّ فِي صِحَّةِ حَجِّهِمْ بَعْدَ طُولِ عَنَائِهِمْ فَإِذَا جَاءُوا لِيَشْهَدُوا يَقُولُ لَهُمْ انْصَرَفُوا فَلَا تُسْمَعُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ قَدْ تَمَّ حَجُّ النَّاسِ، وَكَذَا حَجُّ الشُّهُودِ، وَلَوْ وَقَفُوا وَحْدَهُمْ لَمْ يُجْزِهِمْ، وَعَلَيْهِمْ إعَادَةُ الْوُقُوفِ مَعَ الْإِمَامِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَكَذَا إذَا أَخَّرَ الْإِمَامُ الْوُقُوفَ بِمَعْنًى يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ لَمْ يُجْزِ وُقُوفُ مَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ وَاسْتَشْكَلَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَصْوِيرَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ وُقُوفَهُمْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ عَلَى أَنَّهُ التَّاسِعُ لَا يُعَارِضُهُ شَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ أَنَّهُ الثَّامِنُ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الثَّامِنِ إنَّمَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ ثَبَتَ
ــ
[منحة الخالق]
مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute