عَلَى جَوَازِ الذَّبْحِ بِهِمَا مَا رُوِيَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ نَجِدُ الصَّيْدَ وَلَيْسَ مَعَنَا سِكِّينٌ إلَّا الْمَرْوَةَ وَشِقَّةَ الْعَصَا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْتَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالظُّفُرُ وَالسِّنُّ الْمَنْزُوعُ آلَةٌ جَارِحَةٌ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَنْزُوعِ لِأَنَّ الذَّبْحَ بِهِ يَكُونُ بِالثِّقْلِ لَا بِالْآلَةِ اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَنُدِبَ حَدُّ شَفْرَتِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُضْجِعَهَا، ثُمَّ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِمَنْ أَضْجَعَ الشَّاةَ وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَتَيْنِ هَلَّا حَدَدْتَهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا» الْحَدِيثَ، وَالْآلَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ قَاطِعَةٍ وَغَيْرِ قَاطِعَةٍ، وَالْقَاطِعَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ حَادَّةٍ وَكَلِيلَةٍ، فَالْحَادَّةُ اخْتِيَارِيَّةٌ وَضَرُورِيَّةٌ فَالْحَادَّةُ يَجُوزُ الذَّبْحُ بِهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَالْكَلِيلَةُ يَجُوزُ الذَّبْحُ بِهَا وَيُكْرَهُ لِمَا مَرَّ مِنْ الْإِبْطَاءِ فِي الْإِرَاقَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
[مَا يَكْرَه فِي الذَّبْح]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكُرِهَ النَّخْعُ وَقَطْعُ الرَّأْسِ وَالذَّبْحُ مِنْ الْقَفَاءِ) النَّخْعُ هُوَ أَنْ يَصِلَ النَّخَاعَ وَهُوَ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَهُوَ بِالْفَتْحِ، وَالضَّمُّ لُغَةٌ فِيهِ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَمَنْ قَالَ هُوَ عِرْقٌ أَبْيَضُ فَقَدْ سَهَا وَاعْتَرَضَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَنَّ مَنْ سَمَّى بِمَا ذُكِرَ لَمْ يَغْلَطْ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ ذَكَرُوهُ بِلَفْظِ الْخَيْطِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ أَنْ نَنْخَعَ الشَّاةَ إذَا ذُبِحَتْ» وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَا وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهَا حَتَّى يَظْهَرَ مَذْبَحُهَا وَقِيلَ أَنْ يَكْسِرَ رَقَبَتَهَا قَبْلَ أَنْ تَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَفِي قَطْعِ الرَّأْسِ زِيَادَةُ تَعْذِيبٍ فَيُكْرَهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُرَّ مَا يُرِيدُ ذَبْحَهُ وَأَنْ يَسْلُخَ قَبْلَ أَنْ يَبْرُدَ، وَيُؤْكَلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى زَائِدٍ وَهُوَ زِيَادَةُ الْأَلَمِ فَلَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَهَا مُوَجَّهَةً لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ فِي تَوْجِيهِهَا لِلْقِبْلَةِ وَتُؤْكَلُ، وَفِي الذَّبْحِ مِنْ الْقَفَا زِيَادَةُ أَلَمٍ فَيُكْرَهُ وَيَحِلُّ لِمَا ذَكَرْنَا إذَا بَقِيَتْ حَيَّةً حَتَّى يَقْطَعَ الْعُرُوقَ لِتَحَقُّقِ الْمَوْتِ بِالذَّكَاةِ، وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ لَا تُؤْكَلُ لِوُجُودِ الْمَوْتِ بِمَا لَيْسَ بِذَكَاةٍ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَذَبْحُ صَيْدٍ اسْتَأْنَسَ وَجَرْحِ نَعَمٍ تَوَحَّشَ أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ) الْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ " وَحَلَّ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ "، وَذَبْحِ صَيْدٍ يَعْنِي وَحَلَّ أَكْلُ صَيْدٍ اسْتَأْنَسَ بِالذَّبْحِ وَهُوَ الذَّكَاةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا وَحَلَّ أَكْلُ نَعَمٍ تَوَحَّشَ، أَوْ تَرَدَّى بِالْجَرْحِ لِعَجْزِهِ عَنْ الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ هَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الْجَرْحِ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ الْجَرْحِ لَمْ يُؤْكَلْ فَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ أُكِلَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْمَوْتُ بِهِ وَكَذَا الدَّجَاجَةُ إذَا تَعَلَّقَتْ عَلَى شَجَرَةٍ وَخَافَ مَوْتَهَا صَارَتْ ذَكَاتُهَا بِالْجَرْحِ، وَفِي الْكِتَابِ أَطْلَقَ فِيمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ وَكَذَا فِيمَا تَرَدَّى فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ وَالصَّحْرَاءِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّاةَ إذَا نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَا تَحِلُّ بِالْعَقْرِ، وَإِنْ نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ تَحِلُّ بِالْعَقْرِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ سَوَاءٌ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ، أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ فَتَحِلُّ بِالْعَقْرِ، وَالصَّائِلُ كَالنَّادِّ إذَا كَانَ لَا يُقْدَرُ عَلَى أَخْذِهِ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُرِيدُ ذَكَاتَهُ وَسَمَّى حَلَّ أَكْلُهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ فِي سَفَرٍ فَنَدَّ بَعِيرٌ مِنْ الْإِبِلِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حَبْلٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا فَعَلَ مِنْهَا فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَصَارَ إلَى الْبَدَلِ، وَفِي النَّوَازِلِ لَوْ أَنَّ بَقَرَةً تَعَسَّرَ عَلَيْهَا الْوِلَادَةُ فَأَدْخَلَ صَاحِبُهَا يَدَهُ وَذَبَحَ الْوَلَدَ حَلَّ أَكْلُهُ وَإِنْ جَرَحَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الذَّبْحِ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ يَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ لَا يَحِلُّ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ فَإِنْ أَصَابَ قَرْنَهُ، أَوْ ظُفُرَهُ، أَوْ حَافِرَهُ فَإِنْ أَدْمَاهُ وَوَصَلَ لِلَّحْمِ حَلَّ أَكْلُهُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الذَّكَاةَ تُصْرَفُ فِي مَحَلِّ الْحَيَاةِ، وَإِنْ أَبَانَ عَنْهُ غَيْرَ الرَّأْسِ فَمَاتَ يُؤْكَلُ كُلُّهُ إلَّا مَا أَبَانَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ حُكْمُ الذَّكَاةِ وَلَا كَذَلِكَ إذَا بَانَ الرَّأْسُ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ حَيَاةُ الْجَسَدِ مَعَ إبَانَةِ الرَّأْسِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ مِنْهُ جِلْدَةٌ فَإِنْ كَانَ يَلْتَئِمُ وَيَتَبَدَّلُ لَوْ تَرَكَهُ حَلَّ أَكْلُهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مُبَانٌ وَلَوْ قَطَعَ الصَّيْدَ نِصْفَيْنِ طُولًا وَعَرْضًا حَلَّ وَلَوْ أَبَانَ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ الْبَدَنَ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ لَا يَحِلُّ الْمُبَانُ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفَ يَحِلُّ كِلَاهُمَا اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَسُنَّ نَحْرُ الْإِبِلِ وَذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَكُرِهَ عَكْسُهُ وَحَلَّ) وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْفِعْلُ مَسْنُونًا لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧] وَقَالَ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] قَالُوا: الْمُرَادُ نَحْرُ الْجَزُورِ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ أَيْسَرُ، وَفِي الْإِبِلِ النَّحْرُ أَيْسَرُ، وَإِنَّمَا كُرِهَ الْعَكْسُ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَالنَّحْرُ قَطْعُ الْعُرُوقِ فِي أَسْفَلِ الْعُنُقِ عِنْدَ الصَّدْرِ وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْعُرُوقِ مِنْ أَعْلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute