للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ الشَّهَادَةُ وَقَدَّمْنَا حُكْمَ مَا إذَا تَحَمَّلَ شَهَادَةً ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا يَرْفَعُهَا مِنْ دَيْنٍ وَنِكَاحٍ وَقَتْلٍ أَوَّلَ الشَّهَادَاتِ وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَا

[شَهِدَا بِقَرْضِ أَلْفٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ]

(قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا بِقَرْضِ أَلْفٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ جَازَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَرْضِ) لِتَمَامِ الْحُجَّةِ فِي الْقَرْضِ وَعَدَمِهَا فِي الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ وَإِنْ عُلِمَ حُكْمُهَا مِمَّا قَبْلَهَا لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَإِنَّهَا فِي الْقَرْضِ وَمَا قَبْلَهَا فِي مُطْلَقِ أَلْفٍ وَهِيَ فِي انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِقَضَاءِ الْكُلِّ وَمَا قَبْلَهَا بِقَضَاءِ النِّصْفِ وَالْأُولَى مَسْأَلَةُ الْقُدُورِيِّ وَالثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الْقَبُولِ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ بِالْقَضَاءِ انْتَفَتْ شَهَادَتُهُ أَصْلًا فَحِينَ شَهِدَ كَانَتْ بَاطِلَةً بِخِلَافِ قَضَاءِ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: شَهِدْت لِبَقَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ وَشَهِدْت بِالْأَلْفِ أَوَّلًا كَمَا تَحَمَّلْت فَكَانَ الْأَدَاءُ وَاجِبًا عَلَيَّ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ بِقَضَاءِ الْكُلِّ فَإِنَّ الْأَدَاءَ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا فَذَكَرَهَا لِدَفْعِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ وَإِنَّمَا قُبِلَتْ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ الْقَرْضِ مُتَقَدِّمًا وَلَا يَنْظُرُ الْقَاضِي إلَى اعْتِقَادِهِ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى أَدَاءِ شَهَادَتِهِ.

كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتِلَافَ الشَّاهِدَيْنِ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ وَذَكَرَهُ فِي الْكَافِي فَقَالَ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي الْمَكَانِ أَوْ الزَّمَانِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالرَّهْنِ وَالدَّيْنِ وَالْقَرْضِ وَالْبَرَاءَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْقَذْفِ تُقْبَلُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجِنَايَةِ وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ وَالنِّكَاحِ لَا تُقْبَلُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إذَا كَانَ قَوْلًا كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِيهِ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْقَوْلَ مِمَّا يُعَادُ وَيُكَرَّرُ وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ فِعْلًا كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ أَوْ قَوْلًا لَكِنَّ الْفِعْلَ شَرْطُ صِحَّتِهِ كَالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ قَوْلٌ وَحُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ فِعْلٌ وَهُوَ شَرْطٌ فَاخْتِلَافُهُمَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ يَمْنَعُ الْقَبُولَ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان غَيْرُ الْفِعْلِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان آخَرَ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ ثُمَّ قَالَ: أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَذْفِ فِي مَكَان أَوْ زَمَانٍ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ قَوْلًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ كَانَ إنْشَاءً فَهُوَ غَيْرَانُ وَلَيْسَ عَلَى كُلِّ قَذْفٍ شَاهِدَانِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا إنْشَاءً وَالْآخَرُ إخْبَارًا فَهُمَا لَا يَتَّفِقَانِ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ أَنْ يَقُولَ: زَنَيْت أَوْ أَنْتَ زَانٍ وَالْإِخْبَارُ أَنْ يَقُولَ: قَذَفْتُك بِالزِّنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَمِعَ أَحَدُهُمَا الْإِنْشَاءَ وَالْآخَرُ الْإِخْبَارَ فَيَثْبُتُ عِنْدَهُمَا قَذْفُهُ فَشَهِدَا بِهِ اهـ.

وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الشَّهَادَةُ بِعَقْدٍ تَمَامُهُ بِالْفِعْلِ كَرَهْنٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ يُبْطِلُهَا الِاخْتِلَافُ فِي زَمَانٍ وَمَكَانٍ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ. اهـ.

فَعُلِمَ بِهِ أَنَّ مَا فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّ الرَّهْنَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ مِنْ قَبِيلِ الْبَيْعِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ بِخِلَافِهِ.

وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ لَا يَخْلُو مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان أَوْ إنْشَاءٍ أَوْ إقْرَارٍ وَكُلٌّ مِنْهَا لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا فِي الْفِعْلِ أَوْ فِي الْقَوْلِ أَوْ فِي فِعْلٍ مُلْحَقٍ بِالْقَوْلِ أَوْ عَكْسِهِ أَمَّا الْفِعْلُ فَيَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا الْقَوْلُ الْمَحْضُ كَبَيْعٍ وَرَهْنٍ فَلَا يَمْنَعُ مُطْلَقًا وَأَمَّا الْفِعْلُ الْمُلْحَقُ بِالْقَوْلِ وَهُوَ الْقَرْضُ فَلَا يَمْنَعُ وَأَمَّا عَكْسُهُ كَنِكَاحٍ فَيَمْنَعُ اهـ.

وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْكَافِي وَفَصَّلَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ بِأَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَبْضِ وَاخْتَلَفَا فِي الْأَيَّامِ وَالْبَلَدِ إنْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ فِي قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الرَّاهِنِ وَالْوَاهِبِ وَالْمُتَصَدِّقِ بِالْقَبْضِ جَازَتْ فِي قَوْلِهِمْ اهـ. وَفِي شَرْحِ ابْنِ وَهْبَانَ.

تَنْبِيهٌ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَكَانِ يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي الزَّمَانِ وَلَا عَكْسَ لِجَوَازِ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَكَان وَاحِدٍ اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الثِّيَابِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى الطَّالِبِ أَوْ الْمَطْلُوبِ أَوْ الْمَرْكَبِ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: كَانَ مَعَنَا فُلَانٌ وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ يَكُنْ مَعَنَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَا تَبْطُلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِهِمْ مِنْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الزَّمَانِ فِي الْأَقْوَالِ غَيْرُ مَانِعٍ شَامِلٌ لِمَا إذَا تَفَاحَشَ أَوْ لَا لِأَنَّهُمْ يُمَثِّلُونَهُ بِأَمْسٍ وَالْيَوْمِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَفَاحِشٍ وَفِي الْقُنْيَةِ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى الصُّلْحِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ إلَخْ) قَدْ أَوْضَحَ الْإِمَامُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ الشَّهَادَاتِ هَذَا الْمَقَامَ بِمَا يُزِيحُ الْأَوْهَامَ وَلَكِنْ رَأَيْت فِي صَدْرِ عِبَارَتِهِ تَحْرِيفًا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي فَمَنَعَنِي عَنْ نَقْلِهِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْقَوْلُ الْمَحْضُ كَبَيْعٍ وَرَهْنٍ فَلَا يُمْنَعُ مُطْلَقًا) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ فِي إصْلَاحِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يَقُولُ الْحَقِيرُ: عَدُّ الرَّهْنِ هُنَا مِنْ الْقَوْلِ الْمَحْضِ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ قَبْلَ أَسْطُرٍ نَقْلًا عَنْ (فقظ) أَنَّهُ فِعْلٌ مُلْحَقٌ بِالْقَوْلِ إذْ قَالَ: هُوَ عَقْدٌ تَمَامُهُ بِالْفِعْلِ وَلَعَلَّهُ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ إنَّ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ نَقْلًا عَنْ (ص) أَنَّ الْقَوْلَ الْمَحْضَ كَبَيْعٍ وَطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَإِقْرَارٍ وَإِبْرَاءٍ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ نَقْلًا عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَوَكَالَةٍ وَكَفَالَةٍ وَحَوَالَةٍ وَوِصَايَةٍ وَإِبْرَاءٍ وَرَهْنٍ وَدَيْنٍ. اهـ.

(ضك) أَلْحَقَ الْقَرْضَ بِالْفِعْلِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَقْرَضْتُك قَوْلٌ وَالتَّسْلِيمَ فِعْلٌ بَعْدَهُ يَتِمُّ بِهِ الْقَرْضُ فَأُلْحِقَ بِهِ حُكْمُهُ أَمَّا النِّكَاحُ فَقَوْلٌ مُلْحَقُ إحْضَارِ الشُّهُودِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الشُّهُودِ لِعَقْدِ النِّكَاحِ فَحُضُورُهُمْ فِعْلٌ يَقَعُ بَعْدَهُ النِّكَاحُ فَأُلْحِقَ بِفِعْلِ الْإِحْضَارِ بِلَا عَكْسٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ يُمَثِّلُونَهُ بِأَمْسِ وَالْيَوْمِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ النُّسْخَةَ إلَّا أَنَّهُمْ تَأَمَّلْ فَيَكُونُ اسْتِدْرَاكًا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ اسْتِدْرَاكٌ آخَرُ مُؤَيِّدٌ لِلِاسْتِدْرَاكِ الْأَوَّلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>