للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رِوَايَةٍ أَنَّ نَفَقَةَ الْكَبِيرِ تَجِبُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ أَثْلَاثًا بِاعْتِبَارِ الْإِرْثِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.

(قَوْلُهُ وَلِقَرِيبٍ مَحْرَمٍ فَقِيرٍ عَاجِزٍ عَنْ الْكَسْبِ بِقَدْرِ الْإِرْثِ لَوْ مُوسِرًا) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْقَرِيبِ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ الصِّلَةَ فِي الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَاجِبَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ وَالْفَاصِلُ أَنْ يَكُونَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] ، وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ قَيَّدَ بِالْقَرِيبِ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ الَّذِي لَيْسَ بِقَرِيبٍ كَالْأَخِ مِنْ الرَّضَاعِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ وَقَيَّدَ بِالْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ غَيْرَ الْمَحْرَمِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ كَابْنِ الْعَمِّ وَإِنْ كَانَ وَارِثًا وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَحْرَمِيَّةُ بِجِهَةِ الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَرِيبًا مَحْرَمًا لَا مِنْ جِهَتِهَا كَابْنِ الْعَمِّ إذَا كَانَ أَخًا مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهُ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.

فَلَوْ كَانَ لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْخَالِ لِمَحْرَمِيَّتِهِ لَا عَلَى ابْنِ الْعَمِّ وَإِنْ كَانَ وَارِثًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْوَارِثِ فِي الْآيَةِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْمِيرَاثِ لَا كَوْنُهُ وَارِثًا حَقِيقَةً إذْ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْخَالُ فِي الْجُمْلَةِ سَوَاءٌ كَانَ وَارِثًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ وَأَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ يُرَجَّحُ مَنْ كَانَ وَارِثًا حَقِيقَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى إذَا كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ وَيَتَرَجَّحُ الْعَمُّ عَلَى الْخَالِ لِكَوْنِهِ وَارِثًا حَقِيقَةً، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ عَمٌّ وَعَمَّةٌ وَخَالَةٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ لَا غَيْرُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا وَيُجْعَلُ الْعَمُّ كَالْمَيِّتِ وَفِي الْقُنْيَةِ يُجْبَرُ الْأَبْعَدُ إذَا غَابَ الْأَقْرَبُ وَقَيَّدَ بِالْفَقْرِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ نَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَقَيَّدْنَا بِالْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ وَهُوَ بِالْأُنُوثَةِ مُطْلَقًا وَبِالزَّمَانَةِ وَالْعَمَى وَنَحْوِهَا فِي الذَّكَرِ فَنَفَقَةُ الْمَرْأَةِ الصَّحِيحَةِ الْفَقِيرَةِ عَلَى مَحْرَمِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْأُنْثَى إلَّا الْفَقْرُ، وَأَمَّا الْبَالِغُ الْفَقِيرُ فَلَا بُدَّ مِنْ عَجْزِهِ بِزَمَانَةٍ أَوْ عَمًى أَوْ فَقْءِ الْعَيْنَيْنِ أَوْ شَلَلِ الْيَدَيْنِ أَوْ مَقْطُوعِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ مَعْتُوهٍ أَوْ مَفْلُوجٍ زَادَ فِي التَّبْيِينِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ يَلْحَقُهُ الْعَارُ مِنْ التَّكَسُّبِ أَوْ طَالِبَ عِلْمٍ لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ وَفِي الْمُجْتَبَى الْبَالِغُ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَهَكَذَا قَالُوا فِي طَالِبِ الْعِلْمِ إذَا كَانَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْكَسْبِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ عَنْ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الزَّمِنِ وَالْأُنْثَى اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَى أَبِي حَامِدٍ قَوْلُ السَّلَفِ بِوُجُوبِ نَفَقَةِ طَالِبِ الْعِلْمِ عَلَى الْأَبِ لَكِنْ أَفْتَى بِعَدَمِ وُجُوبِهَا لِفَسَادِ أَحْوَالِ أَكْثَرِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فَإِنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ حَسَنَ السَّيْرِ مُشْتَغِلًا بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ يُجْبَرُ الْآبَاءُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا يُطَالِبُهُمْ فُسَّاقُ الْمُبْتَدِعَةِ الَّذِينَ شَرُّهُمْ أَكْثَرُ مِنْ خَيْرِهِمْ يَحْضُرُونَ الدَّرْسَ سَاعَةً بِخِلَافِيَّاتٍ رَكِيكَةٍ ضَرَرُهَا فِي الدِّينِ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهَا، ثُمَّ يَشْتَغِلُونَ طُولَ النَّهَارِ بِالسُّخْرِيَةِ وَالْغِيبَةِ وَالْوُقُوعِ فِي النَّاسِ مِمَّا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَيَقْذِفُ اللَّهُ الْبُغْضَ فِي قُلُوبِ آبَائِهِمْ وَيَنْزِغُ عَنْهُمْ الشَّفَقَةَ فَلَا يُعْطُونَ مُنَاهُمْ فِي الْمَلَابِسِ وَالْمَطَاعِمِ فَيُطَالِبُونَهُمْ بِالنَّفَقَةِ وَيُؤْذُونَهُمْ مَعَ حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ، وَلَوْ عَلِمُوا بِسِيرَتِهِمْ السَّلَفُ لَحَرَّمُوا الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِمْ وَمَنْ كَانَ بِخِلَافِهِمْ نَادِرٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَلَا يُفْرَدُ بِالْحُكْمِ دَفْعًا لِحَرَجِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُصْلِحِ وَالْمُفْسِدِ قُلْتُ: لَكِنْ نَرَى طَلَبَةَ الْعِلْمِ بَعْدَ الْفِتْنَةِ الْعَامَّةِ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْفِقْهِ وَالْأَدَبِ اللَّذَيْنِ هُمَا قَوَاعِدُ الدِّينِ وَأُصُولُ كَلَامِ الْعَرَبِ وَالِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ يَمْنَعُهُمْ عَنْ التَّحْصِيلِ وَيُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْعِلْمِ وَالتَّعْطِيلِ فَكَانَ الْمُخْتَارُ الْآنَ قَوْلَ السَّلَفِ وَهَفَوَاتُ الْبَعْضِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ كَالْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ اهـ.

وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْمُعْسِرِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ هَذِهِ النَّفَقَةَ فَقِيلَ هُوَ الَّذِي تَحِلُّ لَهُ هَذِهِ الصَّدَقَةُ، وَقِيلَ هُوَ الْمُحْتَاجُ وَاَلَّذِي لَهُ مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ هَلْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ) أَيْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الشَّيْخِ قَاسِمٍ قَالَ: وَقَالَ الْمَحْبُوبِيُّ وَبِهِ يُفْتَى وَمَشَى عَلَيْهِ النَّسَفِيُّ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ بِالْأُنُوثَةِ مُطْلَقًا) أَيْ بِلَا قَيْدِ زَمَانَةٍ أَوْ عَمًى وَمِثْلُ الْأُنُوثَةِ الصِّغَرُ، وَقَدْ مَرَّ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ أَنَّ الْأَبَ الْغَنِيَّ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ الْكَسْبِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فَهُنَا بِالْأَوْلَى حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ يَكْفِيهِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْقَرِيبِ، وَكَذَا الْأُنْثَى عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ حَاشِيَةِ الرَّمْلِيُّ.

[النَّفَقَةُ لِلْقَرِيبِ]

(قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي لَهُ مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ كَانَ لِلْأَبِ مَسْكَنٌ أَوْ دَابَّةٌ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنْ تُفْرَضَ النَّفَقَةُ عَلَى الِابْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْكَنِ فَضْلٌ نَحْوُ أَنْ يَكْفِيَهُ أَنْ يَسْكُنَ نَاحِيَةً مِنْهُ فَيُؤْمَرُ الْأَبُ بِبَيْعِ الْفَضْلِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ تُفْرَضُ نَفَقَتُهُ عَلَى ابْنِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ دَابَّةٌ نَفِيسَةٌ يُؤْمَرُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ الْأَوْكَسَ وَيُنْفِقَ، ثُمَّ تُفْرَضُ عَلَى الِابْنِ وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الْوَالِدَانِ وَالْمَوْلُودُونَ وَسَائِرُ الْمَحَارِمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ اهـ.

لَكِنْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ لِغَيْرِ الْمُحْتَاجِ وَهَؤُلَاءِ غَيْرُ مُحْتَاجِينَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَدْنَى بِأَنْ يَبِيعَ الْمَنْزِلَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَيَكْتَرِيَ مَنْزِلًا أَوْ يَبِيعَ الْخَادِمَ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ بَيْعَ الْمَنْزِلِ لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا، وَكَذَا لَا يُمْكِنُ كُلَّ أَحَدٍ السُّكْنَى بِالْكِرَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>