عَلَى الْجَدِّ حَالَ عُسْرَةِ الْأَبِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الْأَبَ الْفَقِيرَ يُلْحَقُ بِالْمَيِّتِ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ عَلَى الْجَدِّ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ هَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ زَمِنًا قُضِيَ بِنَفَقَةِ الصِّغَارِ عَلَى الْجَدِّ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ بِالْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَبِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْجَدِّ فَكَذَا نَفَقَةُ الصِّغَارِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي صَغِيرٍ لَهُ وَالِدٌ مُحْتَاجٌ وَهُوَ زَمِنٌ فُرِضَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ وَكُلُّ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الْأَبِ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الْغُلَامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ قَضَيْت بِالنَّفَقَةِ عَلَى أَبِيهِ وَأَمَرْت قَرَابَةَ الْأُمِّ بِالْإِنْفَاقِ فَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ، وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ مَنْ يَكُونُ مَحْرَمًا لِلصَّغِيرِ وَيَكُونُ أَهْلًا لِلْإِرْثِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ فِي غَيْرِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ الْمَحْرَمِيَّةُ وَأَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ مَنْ كَانَ مَحْرَمًا لِلصَّغِيرِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْإِرْثِ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَيُلْحَقُ الْأَبُ الْمُعْسِرُ بِالْمَيِّتِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْأَبِ الْمُعْسِرِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَنْفَقَتْ الْأُمُّ الْمُوسِرَةُ وَإِلَّا فَالْأَبُ كَالْمَيِّتِ وَالْوُجُوبُ عَلَى غَيْرِهِ لَوْ كَانَ مَيِّتًا وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ الزَّمِنَ وَفِي
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرْنَا أَوَّلَ هَذَا الْفَصْلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُوَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ، وَقَوْلُهُ أَنَّ الْأَبَ إلَخْ لَا خَفَاءَ أَنَّ الْأُمَّ الْمُعْسِرَةَ كَذَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يُلْحَقُ بِالْمَيِّتِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ فِي حَقِّ الْجَدِّ حَتَّى لَا يَرْجِعَ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ فَلَا وَبِهِ يُفْهَمُ كَلَامُهُمْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَتَأَمَّلْ اهـ.
يَعْنِي: أَنَّهُ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ لَا يُلْحَقُ الْأَبُ الْمُعْسِرُ بِالْمَيِّتِ إذْ لَوْ أُلْحِقَ بِالْمَيِّتِ فِي حَقِّهَا لَزِمَ أَنْ لَا تَرْجِعَ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْجَدِّ أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ الْإِرْثِ أَصَالَةً لَا نِيَابَةً عَنْ الْأَبِ. (قَوْلُهُ: اهـ) أَيْ كَلَامُ الذَّخِيرَةِ.
(قَوْلُهُ: وَالْوُجُوبُ عَلَى غَيْرِهِ) الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ الْجَدُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصِّغَارِ أُمٌّ وَالْجَدُّ أَوْ غَيْرُهُ إذَا كَانَ الْأَبُ زَمِنًا أَيْ وَفَقِيرًا فَقَدْ شَارَكَ الْأَبَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى وَلَدِهِ غَيْرُهُ فَيَرِدُ عَلَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُتُونِ مُقَيَّدٌ بِالْيَسَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا حَاجَةَ لِإِصْلَاحِهَا؛ لِأَنَّهَا وَارِدَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَدْ اخْتَارَهَا أَهْلُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ فَأَثْبَتُوهَا فِي كُتُبِهِمْ مُقْتَصِرِينَ عَلَيْهَا. اهـ.
أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُخَالَفَةَ لِمَا فِي الْمُتُونِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ مَا إذَا كَانَ لِلْفَقِيرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَجَدٌّ مُوسِرٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ بِلَا رُجُوعٍ فِي الصَّحِيحِ عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَالثَّانِي مَا إذَا كَانَ الْأَبُ الْفَقِيرُ زَمِنًا فَهِيَ عَلَى الْجَدِّ أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ وَعَلَى مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ فَعَلَى كُلِّ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الْأَبِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَعَلَى مَحَارِمِ الصَّغِيرِ مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْمِيرَاثِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَهِيَ عَلَى أَبِي الصَّغِيرِ لَكِنْ يُؤْمَرُ قَرَابَةُ الْأُمِّ بِالِاتِّفَاقِ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ أَبُوهُ مُعْسِرًا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ الْمُوسِرِ تَارَةً، وَتَارَةً عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَقَارِبِ الْأَبِ وَتَارَةً عَلَى مَحَارِمِهِ مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ فَهَذَا كُلُّهُ يُخَالِفُ الْمُتُونَ فِي قَوْلِهِمْ لَا يُشَارِكُ الْأَبَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ أَحَدٌ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ أَبِي يُوسُفَ مَا يُفِيدُ أَنَّ قَرَابَةَ الْأَبِ كَالْأَبِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ جِهَتُهُ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ السَّابِقِ قَضَيْتُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى أَبِيهِ وَأَمَرْتُ قَرَابَةَ الْأُمِّ بِالْإِنْفَاقِ فَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ مَا نَصُّهُ: وَهَذَا لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمْ نَفَقَةُ الْوَلَدِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْأَبَ لَا يُشَارِكُ غَيْرَهُ فِي نَفَقَةِ الصَّغِيرِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ قَرَابَةٌ لَمْ يَبْقَ هُنَا وَجْهٌ سِوَى أَنْ يَقْضِيَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى قَرَابَةِ الْأُمِّ وَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ لِئَلَّا يُشَارِكَ الْأَبَ غَيْرُهُ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ فَأَمَّا قَرَابَةُ الْأَبِ مِمَّا يَلْزَمُهُمْ نَفَقَةُ الْأَبِ فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُمْ نَفَقَةُ الْغُلَامِ لِيَكُونَ نَفَقَةُ وَلَدِهِ جَارِيَةً مَجْرَى نَفَقَتِهِ هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ.
وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فَقَدْ ظَهَرَ لَك مِنْ هَذَا أَنَّ مَا وَجَبَ عَلَى الْجَدِّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ قَرَابَةِ الْأَبِ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يُشَارِكُ الْأَبَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ بِنَاءً عَلَى مَا قُلْنَا كَمَا هُوَ كَالصَّرِيحِ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ نَعَمْ يَرِدُ مَا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ مِنْ وُجُوبِهَا عَلَى مَحَارِمِهِ مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ، وَلَكِنْ بِنَاءً عَلَى مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْمُتُونِ جَارِيًا عَلَى خِلَافِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَالْأَظْهَرُ مَا أَجَابَ بِهِ الرَّمْلِيُّ مِنْ حَمْلِ مَا فِي الْمُتُونِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقُدُورِيِّ مِنْ أَنَّهَا لَا تُفْرَضُ عَلَى الْجَدِّ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْأَبَ لَا يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ مُطْلَقًا إلَّا إذَا كَانَ زَمِنًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ زَمِنًا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْجَدِّ.
وَكَذَا نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ بِالِاتِّفَاقِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَرَّقَ بَيْنَ الْأُمِّ الْمُوسِرَةِ وَغَيْرِهَا كَالْجَدِّ وَنَحْوِهِ فِي أَنَّ الْأَبَ لَا يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ، بَلْ تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَتُؤْمَرُ الْأُمُّ أَوْ الْجَدُّ أَوْ غَيْرُهُمَا بِأَدَائِهَا لِتَكُونَ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ فَيَكُونُ مَشْيُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اخْتِيَارًا مِنْهُمْ لَهَا عَلَى خِلَافِ مَا صَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَمَّمَ نَفَقَةَ الْيَسَارِ بِطُرُوِّهِ