للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا مَحَالَةَ شُبْهَةُ الْحِلِّ لَكِنَّ حِلَّهَا لَيْسَ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ وَثَبَتَ النَّسَبُ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ أَوْ لَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَهُمْ هُنَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِ الظَّنِّ لَا يَكْفُرُ، وَإِنَّمَا يَكْفُرُ إذَا اعْتَقَدَ الْحَرَامَ حَلَالًا لَا إذَا ظَنَّهُ حَلَالًا أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا فِي نِكَاحِ الْمَحْرَمِ لَوْ ظَنَّ الْحِلَّ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ بِالْإِجْمَاعِ وَيُعَزَّرُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ يَكْفُرُ وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّ ظَنَّ الْغَيْبِ جَائِزٌ كَظَنِّ الْمُنَجِّمِ، وَالرَّمَّالِ بِوُقُوعِ شَيْءٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِتَجْرِبَةِ أَمْرٍ عَادِيٍّ فَهُوَ ظَنٌّ صَادِقٌ، وَالْمَمْنُوعُ هُوَ ادِّعَاءُ عِلْمِ الْغَيْبِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ ادِّعَاءَ ظَنِّ الْغَيْبِ حَرَامٌ وَلَيْسَ بِكُفْرٍ بِخِلَافِ ادِّعَاءِ عِلْمِ الْغَيْبِ، فَإِنَّهُ كُفْرٌ وَسَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الرِّدَّةِ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ لِلزِّنَا لَوْ وَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالزِّنَا الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ وَقَالَا يُحَدُّ كَمَا سَيَأْتِي وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّمِ فَشَمِلَ الْمُحَرَّمَ نَسَبًا وَرَضَاعًا وَصِهْرِيَّةً وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ عَلَى مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ أَوْ مُعْتَدَّتِهِ أَوْ مُطَلَّقَتِهِ الثَّلَاثَ أَوْ أَمَةٍ عَلَى حُرَّةٍ أَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ أَمَةً بِلَا إذْنِ سَيِّدِهَا أَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ تَزَوَّجَ خَمْسًا فِي عُقْدَةٍ فَوَطِئَهُنَّ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدَةٍ فَوَطِئَهُمَا أَوْ الْأَخِيرَةَ لَوْ كَانَ مُتَعَاقِبًا بَعْدَ التَّزَوُّجِ، فَإِنَّهُ لَا حَدَّ بِالْوَطْءِ بِالْأَوْلَى وَهُوَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَظْهَرِ أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَنْتَفِي عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ وَقَيَّدَ بِنَفْيِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ وَاجِبٌ إنْ كَانَ عَالِمًا قَالُوا يَوْجَعُ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ أَشَدَّ مَا يَكُونُ مِنْ التَّعْزِيرِ سِيَاسَةً.

قَوْلُهُ (وَفِي أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ قُبُلٍ وَلِوَاطَةٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ فِي مَسْأَلَتَيْنِ أَيْضًا: الْأُولَى لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةَ فِي دُبُرِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ الثَّانِيَةَ لَوْ لَاطَ بِصَبِيٍّ فِي دُبُرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ وَطْءَ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا لِوَاطَةٌ أَيْضًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هُوَ كَالزِّنَا فَيُحَدُّ رَجْمًا إنْ كَانَ مُحْصَنًا أَوْ جَلْدًا إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ عَلَى وَجْهٍ تَمَحَّضَ حَرَامًا لِقَصْدِ

ــ

[منحة الخالق]

[وَطْءِ امْرَأَةِ مَحْرَمٍ لَهُ عُقِدَ عَلَيْهَا]

(قَوْلُهُ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ وَثَبَتَ النَّسَبُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ تِلْوَ هَذِهِ وَدُفِعَ بِأَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ الْتَزَمَ ذَلِكَ وَعَلَى التَّسْلِيمِ فَثُبُوتُ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ أَقَلُّ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ وُجُودُ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْمَحَارِمِ وَشُبْهَةُ الْحِلِّ لَيْسَ إلَّا بِثُبُوتِ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ، فَإِنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ فَلَا ثُبُوتَ لِمَالَهُ شُبْهَةُ الثُّبُوتِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَلْزَمَ عُقُوبَتَهُ بِأَشَدِّ مَا يَكُونُ.

وَإِنَّمَا لَمْ يُثْبِتْ عُقُوبَةً هِيَ الْحَدُّ فَعُرِفَ أَنَّهُ زِنًا مَحْضٌ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ اهـ.

قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا شُبْهَةُ عَقْدٍ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ لِشُبْهَةٍ حُكْمِيَّةٍ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْيَةِ اهـ.

وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْمَحَلِّ وَفِيهَا يَثْبُتُ النَّسَبُ عَلَى مَا مَرَّ اهـ.

مَا فِي النَّهْرِ وَنَقَلَ الرَّمْلِيُّ فِي بَابِ الْمَهْرِ عَنْ الْعَيْنِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَثْبُتُ النَّسَبُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا قَالَ وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى تَزَوَّجَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا وَهُمَا يَعْلَمَانِ بِفَسَادِ النِّكَاحِ فَوَلَدَتْ فِي الْحَاوِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عِنْدَهُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِمَحَارِمِهِ وَدَخَلَ بِهَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَظْهَرِ) هَذَا مَا حَرَّرَ الْمُحَقِّقُ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ قَوْلُ حَافِظِ الدِّينِ فِي الْكَافِي فِي تَعْلِيلِ سُقُوطِ الْحَدِّ فِي تَزَوُّجِ الْمَجُوسِيَّةِ وَمَا مَعَهَا؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَنْتَفِي عِنْدَهُمَا يَعْنِي حَتَّى يَجِبُ الْحَدُّ إذَا كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُحَدَّ عِنْدَهُمَا فِي تَزَوُّجِ مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَمَا مَعَهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ، فَإِنَّ حُرْمَتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِبَقَاءِ نِكَاحِهَا وَعِدَّتِهَا كَمَا أَنَّ حُرْمَةَ الْمَجُوسِيَّةِ مُغَيَّاةٌ بِتَمَجُّسِهَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَتْ حَلَّتْ كَمَا أَنَّ تِلْكَ لَوْ طَلُقَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ وَأَنَّهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَهُمَا إلَّا فِي الْمَحَارِمِ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي وَاَلَّذِينَ يُعْتَمَدُ عَلَى نَقْلِهِمْ وَتَحْرِيرِهِمْ مِثْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ كَذَلِكَ ذَكَرُوا فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمَا أَنَّهُ يُحَدُّ فِي ذَاتِ الْمَحْرَمِ وَلَا يُحَدُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ خَامِسَةً أَوْ مُعْتَدَّةً.

وَعِبَارَةُ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ تُفِيدُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَدَخَلَ بِهَا قَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَعَلَهُ عَلَى عِلْمٍ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَيَوْجَعُ عُقُوبَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فَعَمَّمَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَحِلُّ لَهُ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ خَصَّ مُخَالَفَتَهُمَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ فَاللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الرِّوَايَاتِ اهـ.

وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى مَا نَقَلَهُ حَافِظُ الدِّينِ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ وَمُعْتَدَّتُهُ وَمُطَلَّقَةُ الثَّلَاثِ بَعْدَ التَّزْوِيجِ كَالْمَحْرَمِ، وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَفِي النَّهْرِ هُنَا سَقْطٌ أَوْ إيجَازٌ مُخِلٌّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>