قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ مَهْرٌ) بِذَلِكَ قَضَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِالْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ الْحَدِّ أَوْ الْمَهْرِ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ فَتَعَيَّنَ الْمَهْرُ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ مِمَّا ذَكَرْنَا يَجِبُ فِيهِ الْمَهْرُ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي وَطْءِ جَارِيَةِ الِابْنِ وَقَدْ عَلِقَتْ مِنْهُ وَادَّعَى نَسَبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي وَطْءِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ذَكَرَهَا فِي الزِّيَادَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ بِوَطْءِ جَارِيَةِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَجِبُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى عَبْدِهِ وَلَوْ قِيلَ وَجَبَ ثُمَّ سَقَطَ فَمُسْتَقِيمٌ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِي تَزْوِيجِ الْمَوْلَى عَبْدَهُ بِجَارِيَتِهِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَلَا يَرِدُ مَا لَوْ زَنَى صَبِيٌّ بِامْرَأَةٍ بَالِغَةٍ مُطَاوَعَةً قَالُوا لَا حَدَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا حَيْثُ مَكَّنَتْهُ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ لَكِنَّهُ سَقَطَ لِمَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَخْلُ وَطْءٌ عَنْهُمَا وَفِي الْمُجْتَبَى مُرَاهِقٌ تَزَوَّجَ بَالِغَةً بِغَيْرِ إذْنِ أَبِيهِ وَوَطِئَهَا وَرَدَّ الْأَبُ النِّكَاحَ فَلَا مَهْرَ عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ لَهَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَضَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خِلَافًا لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ جَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَأَنَّهُ جَعَلَهُ حَقَّ الشَّرْعِ لِمَا أَنَّ الْحَدَّ حَقٌّ لَهُ وَهَذَا كَالْعِوَضِ عَنْهُ، وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ كَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَأَرْشُ الْجِنَايَاتِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ عِوَضًا عَنْ الْحَدِّ لَوَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ سَاقِطٌ عَنْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ ثُبُوتَ النَّسَبِ فِيهَا وَقَالُوا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ بِالدَّعْوَةِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فَفِي التَّبْيِينِ أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتُهُ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا شُبْهَةُ دَلِيلٍ، فَإِنَّ قَوْلَ النِّسَاءِ هِيَ زَوْجَتُك دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مُبِيحٌ لِلْوَطْءِ، فَإِنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِذَا حَلَّ وَطْءُ الْأَمَةِ إذَا جَاءَتْ إلَى رَجُلٍ وَقَالَتْ مَوْلَايَ أَرْسَلَنِي إلَيْك هَدِيَّةً، فَإِذَا كَانَ دَلِيلًا غَيْرَ صَحِيحٍ فِي الْوَاقِع أَوْجَبَ الشُّبْهَةَ الَّتِي يَثْبُتُ مَعَهَا النَّسَبُ اهـ.
قَوْلُهُ (وَبِمُحَرَّمٍ نَكْحُهَا) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْءِ امْرَأَةِ مَحْرَمٍ لَهُ عَقَدَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَيَلْغُو كَمَا إذَا أُضِيفَ إلَى الذُّكُورِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِحُكْمِهِ وَحُكْمُهُ فِي الْحِلِّ وَهِيَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَقْدَ صَادَفَ مَحَلَّهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يَقْبَلُ مَقْصُودَهُ، وَالْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ قَابِلَةٌ لِلتَّوَالُدِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ حَقِيقَةِ الْحِلِّ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ لَا نَفْسَ الثَّابِتِ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ هَلْ يُوجِبُ شُبْهَةً أَمْ لَا وَمَدَارُهُ أَنَّهُ هَلْ وَرَدَ عَلَى مَا هُوَ مَحَلُّهُ أَوْ لَا فَعِنْدَ الْإِمَامِ وَرَدَ عَلَى مَا هُوَ مَحَلُّهُ؛ لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ لَيْسَتْ بِقَبُولِ الْحِلِّ بَلْ بِقَبُولِ الْمَقَاصِدِ مِنْ الْعَقْدِ وَهُوَ ثَابِتٌ وَلِذَا صَحَّ مِنْ غَيْرِهِ عَلَيْهَا وَعِنْدَهُمَا لَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ مَا يَقْبَلُ حُكْمَهُ وَحُكْمُهُ الْحِلُّ وَهَذِهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ فَكَانَ الثَّابِتُ صُورَةَ الْعَقْدِ لِانْعِقَادِهِ وَبِتَأَمُّلٍ يَسِيرٍ يَظْهَرُ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَوَارَدُوا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي الْمَحَلِّيَّةِ فَحَيْثُ نَفَوْا مَحَلِّيَّتَهَا أَرَادُوا بِالنِّسْبَةِ إلَى خُصُوصِ هَذَا الْعَاقِدِ أَيْ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِعَقْدِ هَذَا الْعَاقِدِ وَلِهَذَا عَلَّلُوهُ بِعَدَمِ حِلِّهَا وَلَا شَكَّ فِي حِلِّهَا لِغَيْرِهِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ لَا مَحَلِّيَّتِهَا لِلْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَالْإِمَامُ حَيْثُ أَثْبَتَ مَحَلِّيَّتَهَا أَرَادَ مَحَلِّيَّتَهَا لِنَفْسِ الْعَقْدِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ عَاقِدٍ.
وَلِذَا عَلَّلَ بِقَبُولِهَا مَقَاصِدَهُ وَلَا يُنَافِيه قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ: إنَّ النَّهْيَ عَنْ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ مَجَازٌ عَنْ النَّفْيِ لِعَدَمِ مَحَلِّهِ وَلَا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: إنَّ مَحَلَّ النِّكَاحِ الْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا نَفْيَ الْمَحَلِّيَّةِ لِعَقْدِ النِّكَاحِ الْخَاصِّ وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا أَثْبَتَ مَحَلِّيَّتَهَا لِلنِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ نَاكِحٍ لَكِنْ قَدْ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِقَوْلِهِمَا قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ وَنَحْنُ نَأْخُذُ بِهِ أَيْضًا وَفِي الْخُلَاصَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَوَجْهُ تَرْجِيحِهِ أَنَّ تَحَقُّقَ الشُّبْهَةِ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: حَيْثُ جَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ يُؤْخَذُ مِنْ الْوَاطِئِ وَيُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَوْجَهُ إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ مَا نَصُّهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ أَشْكَلَ عَلَيْهِ ثُبُوتُ النَّسَبِ وَأَطْلَقُوا أَنَّ فِيهَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ شُبْهَةَ مَحَلٍّ اقْتَضَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلِمْتهَا حَرَامًا عَلَيَّ لِعِلْمِي بِكَذِبِ النِّسَاءِ لَا يُحَدُّ وَيُحَدُّ قَاذِفُهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ شُبْهَةُ اشْتِبَاهِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَوْنِ الْإِخْبَارِ يُطْلِقُ الْجِمَاعَ شَرْعًا لَيْسَ هُوَ الدَّلِيلَ الْمُعْتَبَرَ فِي شُبْهَةِ الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ هُوَ مَا مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ نَحْوُ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَالْمِلْكُ الْقَائِمُ لَلشَّرِيك لَا مَا يُطْلِقُ شَرْعًا مُجَرَّدَ الْفِعْلِ غَيْرَ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ الْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ أَعْنِي عَدَمَ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِلْإِجْمَاعِ فِيهِ وَبِهَذِهِ وَالْمُعْتَدَّةِ ظَهَرَ عَدَمُ انْضِبَاطِ مَا مَهَّدُوهُ مِنْ أَحْكَامِ الشُّبْهَتَيْنِ اهـ.
وَعَلَى هَذَا مَشَى الْمُؤَلِّفُ أَوَّلًا فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ كَلَامَ الْفَتْحِ هَذَا وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute