للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَرَاهِمَ فِي كُرَى حِنْطَةٍ، وَقَالَ الْآخَرُ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي كُرٍّ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ فَيَجِبُ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي كُرَّيْنِ وَلَا يُقْضَى بِسَلَمَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْضَى بِسَلَمَيْنِ عَقْدٌ بَخَمْسَةَ عَشَرَ فِي كُرٍّ وَعَقْدٌ بِعَشَرَةٍ فِي كُرَّيْنِ.

وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ دَرَاهِمُ وَالْآخَرُ دَنَانِيرُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى بِسَلَمَيْنِ كَمَا فِي الثَّوْبَيْنِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا إنْ اخْتَلَفَا فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ أَوْ الْمِقْدَارِ تَحَالَفَا سَوَاءٌ كَانَ فِي رَأْسِ الْمَالِ أَوْ فِي الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِ الْوَصْفِ أَوْ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِمُثْبِتِهِ لَا لَنَا فِيهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ وَفِي اشْتِرَاطِهِ فَلِمَنْ أَثْبَتَهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحَالَفَا وَكَذَا فِي الصِّفَةِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ الْإِيفَاءِ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلطَّالِبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ السَّلَمَ وَقِيلَ عَلَى الْعَكْسِ. اهـ.

وَفِي الصِّحَاحِ رَدَأَ الشَّيْءُ يَرْدَأُ رَدَاءَةً فَهُوَ رَدِيءٌ أَيْ فَاسِدٌ وَأَرْدَأْته أَيْ أَفْسَدْته. اهـ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوَّلًا فِي الدَّعْوَى التَّأْجِيلَ وَفِي النَّفْيِ الْأَجَلَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الْقَامُوسِ الْأَجَلُ غَايَةُ الْوَقْتِ فِي الْمَوْتِ وَحُلُولِ الدَّيْنِ وَمُدَّةِ الشَّيْءِ وَالْجَمْعُ آجَالٌ وَالتَّأْجِيلُ تَحْدِيدُ الْأَجَلِ. اهـ.

وَالتَّحْدِيدُ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِهِ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ التَّأْجِيلُ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْأَجَلِ مَجَازًا بِدَلِيلِ الثَّانِي.

قَوْلُهُ (وَصَحَّ السَّلَمُ وَالِاسْتِصْنَاعُ فِي نَحْوِ خُفٍّ وَطَسْتٍ) أَمَّا السَّلَمُ فَلِإِمْكَانِ ضَبْطِ الصِّفَةِ وَمَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ فَكَانَ سَلَمًا بِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ، وَأَمَّا الِاسْتِصْنَاعُ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً فَهُوَ طَلَبُ الصَّنْعَةِ وَفِي الْقَامُوسِ الصِّنَاعَةُ كَكِتَابَةٍ حِرْفَةُ الصَّانِعِ وَعَمَلُهُ الصَّنْعَةُ. اهـ.

فَعَلَى هَذَا الِاسْتِصْنَاعُ لُغَةً طَلَبُ عَمَلِ الصَّانِعِ وَشَرْعًا أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِ خُفٍّ أَوْ مُكَعَّبٍ أَوْ صُفَارٍ اصْنَعْ لِي خُفًّا طُولُهُ كَذَا وَسَعَتُهُ كَذَا أَوْ دُسَتًا أَيْ بُرْمَةٌ تَسَعُ كَذَا وَوَزْنُهَا كَذَا عَلَى هَيْئَةِ كَذَا بِكَذَا وَكَذَا وَيُعْطِي الثَّمَنَ الْمُسَمَّى أَوْ لَا يُعْطِي شَيْئًا فَيَقْبَلُ الْآخَرُ مِنْهُ الثَّانِي فِي دَلِيلِهِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ الْعَمَلِيُّ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْمَعْدُومِ وَتَرَكْنَاهُ لِلتَّعَامُلِ وَلَا تَلْزَمُ الْمُعَامَلَةُ وَالْمُزَارَعَةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِفَسَادِهِمَا مَعَ التَّعَامُلِ لِثُبُوتِ الْخِلَافِ فِيهِمَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ فَلِهَذَا قَصَرْنَاهُ عَلَى مَا فِيهِ تَعَامُلٌ وَفِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ رَجَعْنَا فِيهِ إلَى الْقِيَاسِ كَانَ يُسْتَصْنَعُ حَائِكًا أَوْ خَيَّاطًا لِيَنْسِجَ لَهُ أَوْ يَخِيطَ لَهُ قَمِيصًا بِغَزْلِ نَفْسِهِ وَفِي الْقُنْيَةِ دَفَعَ مُصْحَفًا إلَى مُذَهِّبٍ لِيُذَهِّبَهُ بِذَهَبٍ مِنْ عِنْدِهِ وَأَرَاهُ الذَّهَبَ أُنْمُوذَجًا مِنْ الْأَعْشَارِ وَالْأَخْمَاسِ وَرُءُوسِ الْآيِ وَأَوَائِلِ السُّوَرِ فَأَمَرَهُ رَبُّ الْمُصْحَفِ أَنْ يُذَهِّبَهُ كَذَلِكَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا يَصِحُّ.

سُئِلَ عُمَرُ النَّسَفِيُّ عَمَّنْ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا لِيَنْسِجَ لَهُ عِمَامَةً مِنْ سُدَاهُ فَجَاءَ بِهَا مَنْسُوجَةً فَقَالَ صَاحِبُ الْغَزْلِ اشْتَرَيْت مِنْك مَا فِي هَذَا الْمَنْسُوجِ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ بِكَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ بِعْت هَلْ يَصِحُّ فَقَالَ بَيْعُ مَا صَارَ عَلَى الْآمِرِ لِلْمَأْمُورِ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ السَّدَا بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ صَارَ مِلْكًا لِلْآمِرِ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ الْإِبْرَيْسَمِ دَيْنٌ عَلَى الْآمِرِ وَأُجْرَةُ الْعَمَلِ عَلَيْهِ. قَالَ لِنَجَّارٍ ابْنِ لِي بَيْتًا فَإِذَا بَنَيْته يُقَوِّمُهُ الْمُقَوِّمُونَ فَمَا يَقُولُونَ أَدْفَعُهُ إلَيْك فَرَضِيَا بِهِ وَبَنَاهُ وَقَوَّمَهُ رَجُلٌ بِاتِّفَاقِهِمَا وَأَبَى الصَّانِعُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ وَحِمْيَرٌ الْوَبَرِيُّ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُقَوَّمِ لَا الْحُكْمِ فَلَا يَلْزَمُهُ تَقْوِيمُهُ. اهـ.

الثَّالِثُ: فِي صِفَتِهِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ مُوَاعَدَةً أَوْ مُعَاقَدَةً فَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَالصَّفَّارُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَصَاحِبُ الْمَنْشُورِ مُوَاعَدَةً، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ عِنْدَ الْفَرَاغِ بِالتَّعَاطِي وَلِهَذَا كَانَ لِلصَّانِعِ أَنْ لَا يَعْمَلَ وَلَا يُجْبَرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ السَّلَمِ وَلِلْمُسْتَصْنِعِ أَنْ لَا يَقْبَلَ مَا يَأْتِي وَيَرْجِعُ عَنْهُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ التَّأْجِيلُ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْأَجَلِ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ تَعَيُّنُ الْعَكْسِ ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَا ادَّعَاهُ بَلْ الْمُنَاسِبُ لِوَضْعِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ بِمَعْنَى التَّأْجِيلِ حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَا فِي تَحْدِيدِهِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَجَّلْنَاهُ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ، وَقَالَ الْآخَرُ إلَى شَهْرٍ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي التَّحْدِيدِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فَلَيْسَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ فِي شَيْءٍ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ.

أَرَى لِأَنَّ الْأَجَلَ بِمَعْنَى الْمُدَّةِ وَالِاخْتِلَافُ فِيهَا اخْتِلَافٌ فِي مِقْدَارِهَا وَذَلِكَ لَيْسَ مَوْضُوعَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي التَّأْجِيلِ فَمَعْنَاهُ الِاخْتِلَافُ فِي التَّقْرِيرِ وَالتَّحْدِيدِ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ اخْتِلَافٌ فِي أَصْلِ وُجُودِهِ لَا فِي مِقْدَارِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ التَّقْدِيرِ وَالْمِقْدَارِ ثُمَّ إنَّمَا كَانَ مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي التَّأْجِيلِ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ فَاسِدٌ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ تَأَمَّلْ.

[السَّلَمُ وَالِاسْتِصْنَاعُ فِي نَحْوِ خُفٍّ وَطَسْتٍ]

(قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ دَفَعَ مُصْحَفًا إلَى قَوْلِهِ لَمْ يَصِحَّ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَأَنَّهُ لِعَدَمِ التَّعَامُلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>