للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا تَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اتَّصَلَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِوُقُوعِ التَّحَرِّي فِي الْآخَرِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قُطِعَ بِخِلَافِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَالْغَصْبِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا قَطْعَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ: الِاخْتِلَافُ فِي لَوْنَيْنِ يَتَشَابَهَانِ كَالسَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ لَا فِي السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَقِيلَ: فِي جَمِيعِ الْأَلْوَانِ لَهُمَا أَنَّ السَّرِقَةَ فِي السَّوْدَاءِ غَيْرُهَا فِي الْبَيْضَاءِ فَلَمْ يَتِمَّ عَلَى كُلِّ فِعْلٍ نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَصَارَ كَالْغَصْبِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ أَمْرَ الْحَدِّ أَهَمُّ وَصَارَ كَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَلَهُ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ فِي اللَّيَالِيِ مِنْ بَعِيدٍ وَاللَّوْنَانِ يَتَشَابَهَانِ أَوْ يَجْتَمِعَانِ فَيَكُونُ السَّوَادُ مِنْ جَانِبٍ وَهَذَا يُبْصِرُهُ وَالْبَيَاضُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَهَذَا يُشَاهِدُهُ بِخِلَافِ الْغَصْبِ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ فِيهِ بِالنَّهَارِ غَالِبًا عَلَى قُرْبٍ مِنْهُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالْأُنُوثَةُ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي وَاحِدٍ وَكَذَا الْوُقُوفُ عَلَى ذَلِكَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ فَلَا يَشْتَبِهُ أَطْلَقَ فِي اللَّوْنِ فَشَمَلَ جَمِيعَ الْأَلْوَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْكَافِي وَقَدَّمْنَا الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَفِي الْقُنْيَةِ خِلَافُ غَيْرِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَتَيْنِ مُتَضَادَّتَيْنِ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ فَأَمَّا فِي الْمُتَقَارِبَتَيْنِ كَمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الصُّفْرَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْحُمْرَةِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ الْمُشْبَعَةَ تَضْرِبُ إلَى الْحُمْرَةِ وَالْحُمْرَةُ إذَا رَقَّتْ تَضْرِبُ إلَى الصُّفْرَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَهُمَا وَكَذَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا غَبْرَاءُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا بَيْضَاءُ تُقْبَلُ بِلَا خِلَافٍ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي ثَوْبٍ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: هَرَوِيٌّ وَقَالَ الْآخَرُ مَرْوِيٌّ وَقَيَّدَ الِاخْتِلَافَ بِمَا ذُكِرَ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْأَفْعَالِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ إلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى بَقَرَةً مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِوَصْفٍ وَأَمَّا إذَا ادَّعَى سَرِقَةَ بَقَرَةٍ سَوْدَاءَ أَوْ بَيْضَاءَ لَمْ تُقْبَلْ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْمُدَّعِي كَذَّبَ أَحَدَهُمَا.

[شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدَ فُلَانِ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ آخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ]

(قَوْلُهُ وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدَ فُلَانِ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ آخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ) لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ وَالشِّرَاءُ بِأَلْفٍ غَيْرُ الشِّرَاءِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمَقْصُودُ إثْبَاتُ الْعَقْدِ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ تَعَذَّرَ الْحُكْمُ لِقُصُورِ الْحُجَّةِ عَنْ كَمَالِ الْعَدَدِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ كَانَ هُوَ الْبَائِعُ وَاخْتَلَفَ شَاهِدَاهُ لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا وَذَكَرَ عَلَاءُ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَصِيرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَزِيدَهُ عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى شِرَاءٍ وَاحِدٍ اهـ.

وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ نَصُّ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْ أَجَابَ فِي الْعِنَايَةِ عَنْ دَلِيلِهِ بِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِأَلْفٍ ثُمَّ زَادَ خَمْسَمِائَةٍ فَلَا يُقَالُ اشْتَرَى بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَلِهَذَا يَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِأَصْلِ الثَّمَنِ اهـ.

وَلَمْ يَزِدْ فِي الْمِعْرَاجِ عَلَى قَوْلِهِ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ ثُمَّ رَأَيْت الْجَامِعَ الصَّغِيرَ فَإِذَا هُوَ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا مَسْأَلَةَ الْبَيْعِ وَكَلَامُ السَّمَرْقَنْدِيِّ فِيمَا قِيسَ عَلَيْهَا وَهُوَ الشِّرَاءُ فَلِذَا قَالَ بِالْقَبُولِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ كَأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِالشِّرَاءِ وَلَمْ يُبَيِّنَا الثَّمَنَ لَمْ تُقْبَلْ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى مَحْدُودًا بِسَبَبِ الشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ وَقَبَضَ الْمُدَّعِي بِالرِّضَا فَشَهِدَا بِأَنَّهُ مَلَّكَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْمِلْكِ بِسَبَبٍ وَالْقَاضِي أَيْضًا لَا بُدَّ أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَلَمْ يَذْكُرُوا الثَّمَنَ وَلَا قَدْرَهُ وَلَا وَصْفَهُ وَالْحُكْمُ بِالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ قِيلَ: الْمُدَّعِي ذَكَرَ التَّقَابُضَ وَشَهِدَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِالشِّرَاءِ وَلَمْ يُبَيِّنَا الثَّمَنَ لَمْ تُقْبَلْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ فِيمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ بِالثَّمَنِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ قَدْرِهِ وَوَصْفِهِ وَمَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ بِهِ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ تَنَبَّهْ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ شِرَاءَ دَارٍ فِي يَدِ رَجُلٍ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الدَّعْوَى إنْ كَانَتْ بِصِفَةِ الشَّهَادَةِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَعَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ فَالشُّهُودُ لَمْ يَشْهَدُوا بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي ثُمَّ الْقَاضِي يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْعَقْدِ وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْعَقْدِ إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مُسَمًّى لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ ابْتِدَاءً بِدُونِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ لَا يَظْهَرُ بِالْقَضَاءِ بِدُونِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضِيَ بِالثَّمَنِ حِينَ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ الشُّهُودُ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يُسَمِّيَا ثَمَنًا وَلَمْ يَشْهَدَا بِقَبْضِ الثَّمَنِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ حَاجَةَ الْقَاضِي إلَى الْقَضَاءِ بِالْعَقْدِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مُسَمًّى وَإِنْ قَالَا: أَقَرَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْهُ وَاسْتَوْفَى الثَّمَنَ وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي دُونَ الْقَضَاءِ بِالْعَقْدِ فَقَدْ انْتَهَى حُكْمُ الْعَقْدِ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى مُنَازَعَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَا لَا يُحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ فَجَهَالَتُهُ لَا تَضُرُّ وَهُوَ الْمَصَالِحُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا يُحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ وَهُوَ الْمَصَالِحُ فَإِذَا أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَلَا حَاجَةَ هُنَا إلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ فَجَهَالَتُهُ لَا تَمْنَعُ الْقَاضِيَ مِنْ الْقَضَاءِ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>