للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ نِكَاحِ الْكَافِر]

(بَابُ نِكَاحِ الْكَافِرِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ بِمَرْتَبَتَيْهِ الْأَحْرَارِ، وَالْأَرِقَّاءِ شَرَعَ فِي بَيَانِ نِكَاحِ الْكُفَّارِ، وَالتَّعْبِيرُ بِنِكَاحِ الْكَافِرِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِنِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْكِتَابِيَّ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُدْخِلُهُ فِي الْمُشْرِكِ بِاعْتِبَارِ قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَالْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ رَبِّ الْعِزَّةِ، وَالْكِبْرِيَاءِ الْمُنَزَّهِ عَنْ الْوَلَدِ وَهَاهُنَا ثَلَاثَةُ أُصُولٍ الْأَوَّلُ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ صَحِيحٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ صَحِيحٌ إذَا تَحَقَّقَ بَيْنَ أَهْلِ الْكُفْرِ لِتَضَافُرِ الِاعْتِقَادَيْنِ عَلَى صِحَّتِهِ وَلِعُمُومِ الرِّسَالَةِ فَحَيْثُ وَقَعَ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ الْعَامِّ وَجَبَ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَيَرُدُّهُ قَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: ٤] وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وُلِدْت مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ» كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ الثَّانِي إنَّ كُلَّ نِكَاحٍ حُرِّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِفَقْدِ شَرْطِهِ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ الْكَافِرِ يَجُوزُ فِي حَقِّهِمْ إذَا اعْتَقَدُوهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُقَرَّانِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ الثَّالِثُ إنَّ كُلَّ نِكَاحٍ حُرِّمَ لِحُرْمَةِ الْمَحَلِّ كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ قَالَ مَشَايِخُنَا يَقَعُ جَائِزًا وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ يَقَعُ فَاسِدًا وَسَيَأْتِي

(قَوْلُهُ: تَزَوَّجَ كَافِرٌ بِلَا شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ وَذَا فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ ثُمَّ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَافَقَاهُ فِي الْأَوَّلِ وَخَالَفَاهُ فِي الثَّانِي لِأَنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا فَكَانُوا مُلْتَزِمِينَ لَهَا وَحُرْمَةَ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ مُخْتَلِفٌ فِيهَا وَلَمْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَنَا بِجَمِيعِ الِاخْتِلَافَاتِ وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ زُفَرَ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَقًّا لِلشَّرْعِ لِأَنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِحُقُوقِهِ وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ وَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ فَحَالَةَ الْإِسْلَامِ، وَالْمُرَافَعَةُ حَالَةَ الْبَقَاءِ، وَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا وَكَذَا الْعِدَّةُ لَا تَنَافِيهَا كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَطْلَقَ الْكَافِرَ فَشَمِلَ الذِّمِّيَّ، وَالْحَرْبِيَّ وَبَحَثَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الْحُرْمَةَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَقًّا لِلشَّرْعِ لِأَنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِحُقُوقِهِ بِأَنَّ أَهْلَ الْأُصُولِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْمُعَامَلَاتِ، وَالنِّكَاحُ مِنْهَا وَكَوْنُهُ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُعَامَلَةً فَيَلْزَمُ اتِّفَاقُ الثَّلَاثِ عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِأَحْكَامِ النِّكَاحِ غَيْرَ أَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ بِبُلُوغِهِ إلَيْهِ، وَالشُّهْرَةُ تَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ أَهْلِ الْحَرْبِ فَمُقْتَضَى النَّظَرِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَرْبِيًّا فَيُقَرُّ عَلَيْهِ اهـ.

وَجَوَابُهُ أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَتَمَحَّضْ مُعَامَلَةً بَلْ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَلِهَذَا كَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَوْلَى مِنْ التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ فَمَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيِّينَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُعَامَلَةِ الْمَحْضَةِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذِّمِّيِّ، وَالْحَرْبِيِّ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ مِنْ الْكَافِرِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَصْلًا، وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَيْهِ وَأُخْرَى إلَى وُجُوبِهَا عِنْدَهُ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ لِضَعْفِهَا كَالِاسْتِبْرَاءِ وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ لِلزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ طَلَاقِهَا، وَفِي ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَثْبُتَانِ وَعَلَى الثَّانِي يَثْبُتَانِ وَاخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَوَّلَ وَمَنَعَ عَدَمَ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ وَإِذَا عَلِمَ مَنْ لَهُ الْوَلَدُ

ــ

[منحة الخالق]

بَابُ نِكَاحِ الْكَافِرِ) (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ: لَمْ يَذْكُرْ مُحْتَرَزَ كَوْنِ الْمُتَزَوِّجِ كَافِرًا أَيْضًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ فَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالذِّمِّيُّ إذَا أَبَانَ امْرَأَتَهُ الذِّمِّيَّةَ فَتَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ مِنْ سَاعَتِهِ ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا وَلَا يُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ نِكَاحُهَا بَاطِلٌ حَتَّى تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَرَوَى أَصْحَابُ الْأَمَالِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا اهـ.

وَقَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِي وُجُوبِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا فِي حَقِّ الْكَافِرِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِمْ لَا يَدِينُونَهَا وَبِكَوْنِهِ جَائِزًا عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا بِأَنْ اعْتَقَدُوا وُجُوبَهَا يُفَرَّقُ إجْمَاعًا اهـ.

قُلْت لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ حَقًّا لِلزَّوْجِ وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ كَافِرًا لَا يَعْتَقِدُهَا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَقًّا لَهُ وَلِذَا نَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَذَا فِي دَيْنِهِمْ جَائِزٌ أَنَّ الشَّرْطَ جَوَازُهُ فِي دَيْنِ الزَّوْجِ خَاصَّةً اهـ.

أَيْ الزَّوْجُ الَّذِي طَلَّقَهَا عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ لَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ) أَيْ قَوْلُهُ: وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ

(قَوْلُهُ: كَالِاسْتِبْرَاءِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ فِي حَالِ قِيَامِ وُجُوبِهِ عَلَى السَّيِّدِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَوَّلَ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ وَقِيلَ الْأَلْيَقُ الْأَوَّلُ أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِمَا عُرِفَ مِنْ وُجُوبِ تَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ تَرْكَهُمْ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ لِعَقْدِ الذِّمَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>