شَيْئَيْنِ فَإِنْ كَانَا فَرْضَيْنِ لَمْ يَصِحَّ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَرْضًا وَالْآخَرُ نَفْلًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الْأَقْوَى سَوَاءٌ كَانَ الْأَقْوَى يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ أَوْ لَا كَالصَّلَاةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَوَّلِ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَتْ النِّيَّتَانِ لِلتَّعَارُضِ بَقِيَ مُطْلَقُ النِّيَّةِ وَفِي الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِمَّا يُعَكِّرُ عَلَى الْأَصْلِ الْمُمَهَّدِ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ تَصَدَّقَ عَنْ يَمِينٍ وَظِهَارٍ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا اسْتِحْسَانًا، وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مَسَائِلَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فَارْجِعْ إلَيْهِ.
وَقَوْلُهُمْ هُنَا لَوْ نَوَى ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا أَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ بِوَاوِ الْعَطْفِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِأَوْ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ نَوَى ظُهْرًا أَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ كَانَ عَنْ الظُّهْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا ظِهَارٍ لِامْرَأَتَيْنِ فَأَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ إحْدَاهُمَا صَحَّ التَّعْيِينُ وَلَهُ أَنْ يَطَأَ الَّتِي كَفَّرَ عَنْهَا دُونَ الْأُخْرَى وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ نِيَّةَ تَعْيِينِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ لَغْوٌ وَقَدْ قَرَّرَ الْمُرَادَ فِي النِّهَايَةِ بِمَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ فَقَالَ أَرَادَ بِهِ تَعْمِيمَ الْجِنْسِ بِالنِّيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ ظِهَارَ إحْدَاهُمَا لِلتَّكْفِيرِ صَحَّ وَحَلَّ لَهُ قُرْبَانُهَا كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ اللِّعَانِ)
مَصْدَرُ لَاعَنَ مُلَاعَنَةً وَلِعَانًا يُقَالُ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ مُلَاعَنَةً وَلِعَانًا، وَتَلَاعَنَا وَالْتَعَنَا لَعَنَ بَعْضٌ بَعْضًا، وَلَاعَنَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا لِعَانًا حَكَمَ، وَالتَّلْعِينُ التَّعْذِيبُ وَلَعَنَهُ كَجَعَلَهُ طَرَدَهُ وَأَبْعَدَهُ فَهُوَ لَعِينٌ وَمَلْعُونٌ وَالْجَمْعُ مَلَاعِينُ وَالِاسْمُ اللِّعَانُ وَاللِّعَانِيَةُ وَاللَّعْنُ بِالضَّمِّ مَنْ يَلْعَنُهُ النَّاسُ وَاللُّعَنَةُ كَهُمَزَةٍ الْكَثِيرُ اللَّعْنِ لَهُمْ وَاللَّعِينُ مَنْ يَلْعَنُهُ كُلُّ وَاحِدٍ كَالْمُلَعَّنِ وَالشَّيْطَانُ وَالْمَمْسُوخُ وَالْمَشْئُومُ وَالْمُسَيَّبُ وَمَا يُتَّخَذُ فِي الْمَزَارِعِ كَهَيْئَةِ الرَّجُلِ وَالْمُخْزَى الْمُهْلَكُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ الْآيَاتُ الَّتِي فِي سُورَةِ النُّورِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: ٦] {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: ٧] {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: ٨] {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: ٩] {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور: ١٠] وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا فَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ فَقَالَ هِلَالٌ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦] حَتَّى بَلَغَ {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: ٩] . فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ إلَيْهِمَا فَجَاءَ هِلَالٌ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَعَظَهَا وَقَالَ إنَّهَا مُوجِبَةٌ فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ ثُمَّ قَالَتْ لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ شَائِعَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» .
فِي الْمِصْبَاحِ خَدَلَّجَ أَيْ: ضَخْمَ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ «جَاءَ عُوَيْمِرٌ إلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَقَدْ قَرَّرَ الْمُرَادَ فِي النِّهَايَةِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَة وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْيِينِ اللَّغْوُ تَعْيِينُ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْجِنْسِ لَا فَرْدٍ خَاصٍّ، وَهَذَا مَعْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِنَايَةِ مِنْ تَفْسِيرِهِ بِالتَّوْزِيعِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا رُجِّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ
[بَابُ اللِّعَانِ]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute