للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِلتَّجْدِيدِ فَائِدَةٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا إلَّا بِالْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفِ وَشُهُودِ الْمَنَاسِكِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ النَّوَادِرِ الْبَالِغُ إذَا جُنَّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّ فِيهِ الْكَفَّارَةَ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّبِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَمَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَذَاتُ عِرْقٍ وَالْجُحْفَةُ وَقَرْنٌ وَيَلَمْلَمُ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا) أَيْ الْأَمْكِنَةُ الَّتِي لَا يَتَجَاوَزُهَا الْآفَاقِيُّ إلَّا مُحْرِمًا خَمْسَةٌ فَالْمِيقَاتُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَالْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي وَسَيَأْتِي الْأَوَّلُ وَذُو الْحُلَيْفَةِ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ عَشْرِ مَرَاحِلَ، أَوْ تِسْعٌ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقِيلَ سَبْعَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ وَبِهَذَا الْمَكَانِ آبَارٌ تُسَمِّيهِ الْعَوَامُّ آبَارَ عَلِيٍّ قِيلَ؛ لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَاتَلَ الْجِنَّ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْآبَارِ وَهُوَ كَذِبٌ مِنْ قَائِلِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَذَاتُ عِرْقٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَهِيَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مِنْ مَكَّةَ قِيلَ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ وَالْجُحْفَةُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاسْمُهَا فِي الْأَصْلِ مَهْيَعَةُ نَزَلَ بِهَا سَيْلٌ جَحَفَ أَهْلَهَا أَيْ اسْتَأْصَلَهُمْ فَسُمِّيَتْ جُحْفَةً قَالَ النَّوَوِيُّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ وَهِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالشَّمَالِ مِنْ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ تَبُوكَ وَهِيَ طَرِيقُ أَهْلِ الشَّامِ وَنَوَاحِيهَا الْيَوْمَ وَهِيَ مِيقَاتُ أَهْلِ مِصْرَ وَالْمُغْرِبِ وَالشَّامِ وَقَرْنُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهُوَ جَبَلٌ مُطِلٌّ عَلَى عَرَفَاتٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ مَرْحَلَتَيْنِ وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَأَنَّ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَأَنَّ أُوَيْسًا مَنْسُوبٌ إلَى قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهَا بَنُو قَرْنٍ بَطْنٌ مِنْ مُرَادٍ وَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ وَأَمَّا يَلَمْلَمُ فَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْيَمَنِ وَهُوَ مَكَانٌ جَنُوبِيِّ مَكَّةَ وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِأَهْلِهَا وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ مَا عَدَا ذَاتَ عِرْقٍ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَذَاتُ عِرْقٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَقَوْلُهُ لِمَنْ مَرَّ بِهَا يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَقَدْ أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُجَاوَزَةُ الْجَمِيعِ إلَّا مُحْرِمًا فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَدَنِيِّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَفْضَلُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ آخِرِهَا عِنْدَنَا وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الشَّامِيَّ إذَا مَرَّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي ذَهَابِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْجُحْفَةِ.

ــ

[منحة الخالق]

صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْمَجْنُونَ كَالصَّبِيِّ (قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ جَزْمُهُ بِإِسْلَامِهِ إذَا أَتَى بِسَائِرِ الْأَفْعَالِ ضَعِيفٌ كَمَا مَرَّ.

[مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ]

(قَوْلُهُ: فَالْمِيقَاتُ مُشْتَرَكٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْمَوَاقِيتُ جَمْعُ مِيقَاتٍ بِمَعْنَى الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ اُسْتُعِيرَ لِلْمَكَانِ أَعْنِي مَكَانَ الْإِحْرَامِ كَمَا اُسْتُعِيرَ الْمَكَانُ لِلْوَقْتِ فِي قَوْله تَعَالَى {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} [الأحزاب: ١١] قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ وَهُوَ سَهْوٌ ظَاهِرٌ إذْ الْمَعْنَى كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ مِيقَاتُهُ بُسْتَانُ بَنِي عَامِرٍ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ الْمِيقَاتُ مَوْضِعُ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَأْيِهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَكَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ اسْتَنَدَ إلَى ظَاهِرِ مَا فِي الصِّحَاحِ فَزَعَمَ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَقْتِ وَالْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي وَأَعْرَضَ عَنْ كَلَامِهِمْ السَّابِقِ وَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْوَاقِعُ (قَوْلُهُ: الْحَلَبِيُّ) أَيْ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ وَشَارِحُ تَحْرِيرِهِ الْأُصُولِيِّ وَشَارِحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْ الْحَلَبِيِّ صَاحِبِ الْمُلْتَقَى وَشَارِحِ الْمُنْيَةِ أَيْضًا وَاسْمُهُ إبْرَاهِيمُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَفْضَلُ) ذَكَرَ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّهُ يُكْرَهُ وِفَاقًا بَيْنَ عُلَمَائِنَا خِلَافًا لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ حَيْثُ قَالَ هُوَ الْأَفْضَلُ اهـ.

أَيْ الْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ الْمَدَنِيِّ إحْرَامَهُ إلَى الْجُحْفَةِ وَعِبَارَةُ مَتْنِ اللُّبَابِ وَالْمَدَنِيُّ إذَا جَاوَزَ وَقْتَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ كُرِهَ وَفِي لُزُومِ الدَّمِ خِلَافٌ وَصُحِّحَ سُقُوطُهُ اهـ.

وَقَالَ شَارِحُهُ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى مَا فِي النُّخْبَةِ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي طَرِيقِهِ مِيقَاتَانِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى الثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ فَالدَّمُ يَكُونُ مُتَفَرِّعًا عَلَى الْقَوْلِ الْمُقَابِلِ لِلْأَصَحِّ لَكِنْ الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ وَصُحِّحَ عَدَمُ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ فِي طَرِيقِهِ مِيقَاتَانِ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خُرُوجًا عَنْ الْخِلَافِ فَإِنَّهُ مُتَعَيِّنٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَوْ يُحْرِمَ مِنْ الثَّانِي فَإِنَّهُ رُخْصَةٌ لَهُ وَقِيلَ إنَّهُ فَضْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَكْثَرِ أَرْبَابِ النُّسُكِ فَإِنَّهُمْ إذَا أَحْرَمُوا مِنْ الْمِيقَاتِ الْأَوَّلِ ارْتَكَبُوا كَثِيرًا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ بِعُذْرٍ وَبِغَيْرِهِ قَبْلَ وُصُولِهِمْ إلَى الْمِيقَاتِ الثَّانِي فَيَكُونُ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِمْ التَّأْخِيرَ وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا فِي الْبَدَائِعِ مَنْ جَاوَزَ مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ إلَى مِيقَاتٍ آخَرَ جَازَ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ الْأَوَّلِ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إذَا مَرُّوا عَلَى الْمَدِينَةِ فَجَاوَزُوهَا إلَى الْجُحْفَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا وَصَلُّوا إلَى الْمِيقَاتِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُمْ مُحَافَظَةُ حُرْمَتِهِمْ فَيُكْرَهُ لَهُمْ تَرْكُهَا اهـ.

وَمِثْلُهُ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَوَجْهُ عَدَمِ التَّنَافِي أَنَّ حُكْمَ الِاسْتِحْبَابِ الْمَذْكُورِ نَظَرًا إلَى الْأَحْوَطِ خُرُوجًا عَنْ الْخِلَافِ وَلِلْمُسَارَعَةِ وَالْمُبَادَرَةِ إلَى الطَّاعَةِ وَأَنَّ قَوْلَهُ الْأَفْضَلُ التَّأْخِيرُ بِنَاءً عَلَى فَسَادِ الزَّمَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>