للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْمِصْرِيِّ لَكِنْ قِيلَ إنَّ الْجُحْفَةَ قَدْ ذَهَبَتْ أَعْلَامُهَا وَلَمْ يَبْقَ بِهَا إلَّا رُسُومٌ خَفِيَّةٌ لَا يَكَادُ يَعْرِفُهَا إلَّا سُكَّانُ بَعْضِ الْبَوَادِي وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اخْتَارَ النَّاسُ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمَكَانِ الْمُسَمَّى بِرَابِضَ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ بَالِغِينَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْجُحْفَةِ بِنِصْفِ مَرْحَلَةٍ، أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ قَالُوا وَمَنْ كَانَ فِي بَرٍّ، أَوْ بَحْرٍ لَا يَمُرُّ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ الْمَذْكُورَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إذَا حَاذَى آخِرَهَا وَيُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يُحَاذِي فَعَلَى مَرْحَلَتَيْنِ إلَى مَكَّةَ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ بِالْمُحَاذَاةِ الْمُحَاذَاةُ الْقَرِيبَةُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَإِلَّا فَآخِرُ الْمَوَاقِيتِ بِاعْتِبَارِ الْمُحَاذَاةِ قَرْنُ الْمَنَازِلِ ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ الْمُقِيمِينَ بِمَكَّةَ فِي الْحِجَّةِ الرَّابِعَةِ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ حَاصِلَةٌ فِي هَذَا الْمِيقَاتِ فَيَنْبَغِي عَلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْإِحْرَامُ مِنْ رَابِغٍ بَلْ مِنْ خُلَيْصٍ الْقَرْيَةِ الْمَعْرُوفَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُحَاذِيًا لَآخِرِ الْمَوَاقِيتِ وَهُوَ قَرْنٌ فَأَجَبْته بِجَوَابَيْنِ الْأَوَّلِ أَنَّ إحْرَامَ الْمِصْرِيِّ وَالشَّامِيِّ لَمْ يَكُنْ بِالْمُحَاذَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْمُرُورِ عَلَى الْجُحْفَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً وَإِحْرَامُهُمْ قَبْلَهَا احْتِيَاطًا وَالْمُحَاذَاةُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُرُورِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ الثَّانِي أَنَّ مُرَادَهُمْ الْمُحَاذَاةُ الْقَرِيبَةُ وَمُحَاذَاةُ الْمَارِّينَ لِقَرْنٍ بَعِيدَةٌ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ بَعْضَ جِبَالٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ أَطْلَقَ فِي الْإِحْرَامِ فَشَمِلَ إحْرَامَ الْحَجِّ وَإِحْرَامَ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ قَاصِدًا عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ الْحَجَّ، أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ التِّجَارَةَ، أَوْ الْقِتَالَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَصَدَ دُخُولَ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لِتَعْظِيمِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الشَّرِيفَةِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْكُلُّ وَأَمَّا دُخُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ يَوْمَ الْفَتْحِ فَكَانَ مُخْتَصًّا بِتِلْكَ السَّاعَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ «مَكَّةُ حَرَامٌ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حَرَامًا» يَعْنِي الدُّخُولَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حِلِّ الدُّخُولِ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْقِتَالِ وَقَيَّدْنَا بِقَصْدِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا قَصَدَ مَوْضِعًا مِنْ الْحِلِّ كَخُلَيْصٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ وَهِيَ الْحِيلَةُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ هَذِهِ الْحِيلَةُ لِلْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ سَفَرُهُ لِلْحَجِّ وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِجَّةٍ آفَاقِيَّةٍ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ صَارَتْ حِجَّتُهُ مَكِّيَّةً فَكَانَ مُخَالِفًا وَهَذِهِ.

ــ

[منحة الخالق]

وَمُكَاثَرَةِ مُبَاشَرَةِ الْعِصْيَانَ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ التَّقْدِيمُ عَلَى الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ حَتَّى قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ مِنْ إتْمَامِ الْحَجِّ الْإِحْرَامُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَنْ يَكُونُ مَأْمُونًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ إلَّا أَنَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُجَاوِزُوا عَنْ مِيقَاتِهِمْ الْمُعَيَّنِ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ الشَّرْعِ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَعَنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَحْرَمَ مِنْ الْجُحْفَةِ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَعَنْهُ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْمَدَنِيِّينَ وَعَدَمِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَآخِرُ الْمَوَاقِيتِ إلَخْ) أَيْ وَإِلَّا نُقِلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحَاذَاةِ الْمُحَاذَاةُ الْقَرِيبَةُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الشَّامِيِّ كَالْمِصْرِيِّ الْإِحْرَامُ مِنْ الْجُحْفَةِ بَلْ يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَتُهَا وَالْإِحْرَامُ بَعْدَهَا حِينَ يُحَاذِي قَرْنَ الْمَنَازِلِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ الْمَوَاقِيتِ بِاعْتِبَارِ الْمُحَاذَاةِ فَيُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ وُجُوبِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْجُحْفَةِ وَقَوْلُهُ ذَكَرَ لِي إلَخْ بَيَانٌ لِذَلِكَ مَعَ زِيَادَةٍ (قَوْلُهُ: ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ) يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ شِهَابَ الدِّينِ بْنَ حَجَرٍ شَارِحَ الْمِنْهَاجِ وَالشَّمَائِلِ وَغَيْرِهِمَا وَكَانَ مِنْ أَجِلَّائِهِمْ وَقَدْ أَدْرَكْته فِي آخِرِ عُمُرِهِ كَذَا فِي النَّهْرِ ثُمَّ قَالَ وَأَقُولُ: فِي الْجَوَابِ الثَّانِي مَا لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَمُرُّ عَلَى الْمَوَاقِيتِ يُحْرِمُ إذَا حَاذَى آخِرَهَا قَرُبَتْ الْمُحَاذَاةُ أَوْ بَعُدَتْ (قَوْلُهُ: عِنْدَ عَدَمِ الْمُرُورِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ) أَخَذَ التَّقْيِيدَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ الْمَنْقُولِ سَابِقًا وَمَنْ كَانَ فِي بَحْرٍ أَوْ بَرٍّ لَا يَمُرُّ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ إلَخْ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ سَفَرُهُ لِلْحَجِّ) هَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا تَرْتَفِعُ الْمُخَالَفَةُ بِخُرُوجِهِ بَعْدُ إلَى أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ وَإِحْرَامِهِ مِنْهُ وَنَقَلَ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ هُنَا الشَّيْخُ حَنِيفُ الدِّينِ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِ مَنْسَكِهِ وَأَقَرَّهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي مُحَمَّدٌ عِيدٌ فِي شَرْحِ مَنْسَكِهِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَنَقَلَ الْمُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بَيَانَ فِعْلِ الْخَيْرِ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ مَنْ حَجَّ عَنْ الْغَيْرِ أَنَّهُ وَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ اضْطَرَبَ فِيهَا فُقَهَاءُ الْعَصْرِ وَهِيَ أَنَّ الْآفَاقِيَّ الْحَاجَّ عَنْ الْغَيْرِ إذَا انْفَصَلَ عَنْ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِلْحَجِّ هَلْ هُوَ مُخَالِفٌ أَمْ لَا فَقِيلَ نَعَمْ فَيَبْطُلُ حَجُّهُ عَنْ الْآمِرِ وَإِنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ وَقِيلَ لَا بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمِيقَاتِ وَيُحْرِمَ عَنْ الْآمِرِ وَاعْتَمَدَ الْأَوَّلُونَ عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ لِلسِّنْدِيِّ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْحَجِّ عَنْ الْآمِرِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَوْ اعْتَمَرَ وَقَدْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِجَّةٍ مِيقَاتِيَّةٍ اهـ.

وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فَرْضٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، فَمُجَرَّدُ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ نَقْلِهِ عَنْ مُجْتَهِدٍ أَوْ إسْنَادِهِ إلَى دَلِيلٍ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَطَالَ إلَى أَنْ قَالَ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ أَفْتَى الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ وَشَيْخُنَا سِنَانٌ الرُّومِيُّ فِي مَنْسَكِهِ وَأَفْتَى بِهِ أَيْضًا الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>