- عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُؤْمِنُ لَيْسَ بِنَجِسٍ» ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي الْمَصَابِيحِ، وَأَمَّا سُؤْرُ الْفَرَسِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ طَهُورِيَّتُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ لَحْمِهِ عِنْدَهُ لِاحْتِرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ آلَةُ الْجِهَادِ لَا لِنَجَاسَةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي كَرَاهَةِ سُؤْرِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا سُؤْرُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ فَلِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمٍ طَاهِرٍ فَأَخَذَ حُكْمَهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْإِبِلُ الْجَلَّالَةُ وَالْبَقَرُ الْجَلَّالَةُ وَالدَّجَاجَةُ الْمُخَلَّاةُ كَمَا سَيَأْتِي وَالْجَلَّالَةُ الَّتِي تَأْكُلُ الْجَلَّةَ بِالْفَتْحِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْبَعْرَةُ وَقَدْ يُكَنَّى بِهَا عَنْ الْعَذِرَةِ، وَهِيَ هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُغْرِبِ وَيُلْحَقُ بِمَا يُؤْكَلُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ: وَالْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ نَجِسٌ) أَيْ سُؤْرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نَجِسٌ وَالْمُرَادُ بِسِبَاعِ الْبَهَائِمِ نَحْوُ الْأَسَدِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ وَالْكَلْبُ إلَى آخِرِهِ بِالرَّفْعِ أَجْوَدُ عَلَى أَنَّهُ حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُقَامَهُ وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَ الْكَلَامُ مُشْعِرًا بِحَذْفِهِ وَقَدْ وُجِدَ هُنَا مَا يُشْعِرُ بِحَذْفِهِ، وَهُوَ تَقَدُّمُ ذِكْرِ السُّؤْرِ، وَلَوْ جُرَّ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَجْرُورِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَيَجُوزُ عِنْدَ الْفَرَّاءِ، وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ مَجْرُورٌ عَلَى أَنَّهُ حُذِفَ الْمُضَافُ وَتُرِكَ الْمُضَافُ إلَيْهِ عَلَى إعْرَابِهِ كَانَ جَائِزًا إلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ نَحْوُ قَوْلِهِمْ مَا كُلُّ سَوْدَاءَ تَمْرَةٌ وَلَا كُلُّ بَيْضَاءَ شَحْمَةٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي اللَّفْظِ ذِكْرُ الْمُضَافِ اهـ.
وَقَدْ أَطَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَلَامَ مَعَ عَدَمِ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ مَجَازًا إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْعَطْفُ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلِينَ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْآدَمِيِّ، وَهُوَ مَعْمُولٌ لِلْمُضَافِ أَعْنِي سُؤْرٌ وَنَجِسٌ مَعْطُوفٌ عَلَى طَاهِرٍ، وَهُوَ مَعْمُولُ الْمُبْتَدَأِ أَعْنِي سُؤْرَ فَكَانَ فِيهِ الْعَطْفُ عَلَى مَعْمُولِينَ وَهُمَا الْآدَمِيُّ وَطَاهِرٌ لِعَامِلَيْنِ وَهُمَا الْمُضَافُ وَالْمُبْتَدَأُ هَذَا إذَا كَانَ الْمُضَافُ عَامِلًا فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ الْعَامِلُ هُوَ الْإِضَافَةَ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَقَوْلُهُمْ عَلَى عَامِلَيْنِ فِيهِ تَجَوُّزٌ قَالَ الشُّمُنِّيُّ يَعْنِي بِحَذْفِ الْمُضَافِ قَالَ الرَّضِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ أَنْ تَعْطِفَ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ مَعْمُولَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَانَا فِي الْإِعْرَابِ كَالْمَنْصُوبِ وَالْمَرْفُوعِ أَوْ مُتَّفِقَيْنِ كَالْمَنْصُوبِينَ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ نَحْوُ إنَّ زَيْدًا ضَرَبَ عَمْرًا وَبَكْرًا خَالِدًا فَهُوَ عَطْفُ مُتَّفِقَيْ الْإِعْرَابِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَقَوْلِك إنَّ زَيْدًا ضَرَبَ غُلَامَهُ وَبَكْرًا أَخُوهُ عَطْفُ مُخْتَلِفَيْ الْإِعْرَابِ وَلَا يُعْطَفُ الْمَعْمُولَانِ عَلَى عَامِلَيْنِ بَلْ عَلَى مَعْمُولَيْهِمَا فَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ اهـ.
وَفِي الْمُغْنِي الْحَقُّ جَوَازُ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ فِي نَحْوِ فِي الدَّارِ زَيْدٌ وَالْحُجْرَةِ عَمْرٌو اهـ.
أَمَّا سُؤْرُ الْكَلْبِ فَهُوَ طَاهِرٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَمَنْ تَبِعَهُ وَلَكِنْ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْهُ سَبْعًا تَعَبُّدًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ نَجِسٌ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ وَأُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ» وَرَوَاهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ تَوَاتَرَتْ طُرُقُهُ وَكَثُرَتْ عَنْهُ وَالْأَمْرُ بِالْإِرَاقَةِ دَلِيلُ التَّنَجُّسِ وَكَذَا الطَّهُورُ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الطَّهَارَةِ فَيَسْتَدْعِي سَابِقَيْهِ الْحَدَثُ أَوْ الْخَبَثُ وَلَا حَدَثَ فِي الْإِنَاءِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي؛ وَلِأَنَّهُ مَتَى دَارَ الْحُكْمُ بَيْنَ كَوْنِهِ تَعَبُّدِيًّا وَمَعْقُولَ الْمَعْنَى كَانَ جَعْلُهُ مَعْقُولَ الْمَعْنَى هُوَ الْوَجْهَ لِنُدْرَةِ التَّعَبُّدِ وَكَثْرَةِ التَّعَقُّلِ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا سُؤْرُ الْفَرَسِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ، وَإِنْ دَخَلَتْ فِيمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لِلِاخْتِلَافِ فِي عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهَا آلَةُ الْجِهَادِ إذْ لَا خُبْثَ فِي لَحْمِهَا بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى حِلِّ لَبَنِهَا.
[سُؤْرُ الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ]
(قَوْلُهُ: وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ) قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ هِيَ مَا كَانَ يَصْطَادُ بِنَابِهِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالثَّعْلَبِ وَالْفِيلِ وَالضَّبُعِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ فِي التَّقْرِيرِ السَّابِقِ إشْكَالًا؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَنْزِيلِ اخْتِلَافِ الْعَمَلِ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ، وَهُوَ سُؤْرٌ وَاحِدٌ فِي الْحَقِيقَةِ لَكِنَّ عَمَلَهُ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَفِي الْخَبَرِ مُخْتَلِفٌ فَكَانَ كَعَامِلَيْنِ وَكَذَا لَا إشْكَالَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْخَبَرِ هُوَ الِابْتِدَاءُ أَوْ الِابْتِدَاءُ وَالْمُبْتَدَأُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute