أَوْ زُنَاةٌ أَوْ أَكَلَةُ الرِّبَا أَوْ شَرَبَةُ الْخَمْرِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزُّورِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تُقْبَلُ عَلَى مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَفِي وُسْعِ الْقَاضِي إلْزَامُهُ وَالْفِسْقُ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْقَاضِي إلْزَامُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُهُ بِالتَّوْبَةِ وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ صَارَ فَاسِقًا لِأَنَّ فِيهَا إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَهِيَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَالْمَشْهُودُ بِهِ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ وَلَا يُقَالُ إنَّ فِيهِ ضَرُورَةً وَهِيَ كَفُّ الظَّالِمِ عَنْ الظُّلْمِ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ الْكَاذِبَةِ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا ضَرُورَةَ إلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ وَيُمْكِنُهُ كَفُّهُ عَنْ الظُّلْمِ بِإِخْبَارِ الْقَاضِي بِذَلِكَ سِرًّا إلَّا إذَا شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُمْ فَسَقَةٌ أَوْ شَهِدُوا بِزُورٍ أَوْ نَحْوِهِ لِأَنَّهُمْ مَا شَهِدُوا بِإِظْهَارِ الْفَاحِشَةِ وَإِنَّمَا حَكَوْا إظْهَارَهَا عَنْ غَيْرِهِمْ فَلَا يَصِيرُونَ فَسَقَةً بِذَلِكَ.
وَكَذَا الْإِقْرَارُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَيَقْدِرُ الْقَاضِي عَلَى الْإِلْزَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ وَلِذَا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَهُمْ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْجَرْحِ وَلَكِنَّهُ لَا خَصْمَ فِي إثْبَاتِهِ إذْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأُجْرَةِ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَ الشُّهُودَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَأَعْطَاهُمْ الْعَشَرَةَ مِنْ مَالِي الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِي ذَلِكَ وَيَثْبُتُ الْجَرْحُ بِنَاءً عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنِّي صَالَحْت الشُّهُودَ عَلَى كَذَا مِنْ الْمَالِ وَدَفَعْته إلَيْهِمْ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا الْبَاطِلِ فَإِنْ شَهِدُوا فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَرُدُّوا ذَلِكَ الْمَالَ عَلَى تَقَبُّلِ بَيِّنَتِهِ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لِيَصِلَ إلَى مَالِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَمْ أُعْطِهِمْ الْمَالَ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي غَيْرَ الْمُجَرَّدِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ زَنَوْا وَوَصَفُوا الزِّنَا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا مِنِّي كَذَا وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ أَوْ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ أَحَدُهُمْ عَبْدٌ أَوْ شَرِيكُ الْمُدَّعِي وَلِلْمُدَّعِي مَالٌ أَوْ قَاذِفٌ وَالْمَقْذُوفُ يَدَّعِيهِ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي الْقَذْفِ أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ عَلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ تُقْبَلُ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ إلَى إحْيَاءِ هَذِهِ الْحُقُوقِ وَفِيهَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُمْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ لَيْسَ فِيهِ إشَاعَةُ الْفَاحِشَةِ؛ لِأَنَّ الْإِظْهَارَ حَصَلَ بِالْقَضَاءِ وَإِنَّمَا حَكَوْا عَنْ إظْهَارِ الْفَاحِشَةِ عَنْ الْغَيْرِ كَذَا فِي الْكَافِي بِتَمَامِهِ.
(وَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ مُهِمَّةٌ) يَجِبُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا الْأَوَّلُ أَنَّ النَّظَرَ فِي الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَإِذَا سَأَلَ الْقَاضِي عَنْ الشُّهُودِ سِرًّا وَعَلَنًا وَثَبَتَ عِنْدَهُ عَدَالَتُهُمْ فَطَعَنَ الْخَصْمُ فَإِنْ كَانَ مُجَرَّدًا لَمْ تُقْبَلْ وَإِلَّا قُبِلَ وَلَكِنَّ عَدَمَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّعْدِيلِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ قُلْت أَلَيْسَ الْخَبَرُ عَنْ فِسْقِ الشُّهُودِ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَدَالَتِهِمْ يَمْنَعُ الْقَاضِيَ عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَالْحُكْمِ بِهَا قُلْت نَعَمْ لَكِنْ ذَلِكَ لِلطَّعْنِ فِي عَدَالَتِهِمْ لَا لِثُبُوتِ أَمْرٍ يُسْقِطُهُمْ عَنْ حَيِّزِ الْقَبُولِ وَلِذَا لَوْ عَدَلُوا بَعْدَ هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى فِسْقِهِمْ مَقْبُولَةً لَسَقَطُوا عَنْ حَيِّزِ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَجَالُ التَّعْدِيلِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ
ــ
[منحة الخالق]
[فُرُوعٌ شَهِدَ الْوَصِيُّ بَعْدَ الْعَزْلِ لِلْمَيِّتِ]
(قَوْلُهُ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزُّورِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِأَنَّ الشُّهُودَ كَذَلِكَ تُقْبَلُ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَكَذَا الْإِقْرَارُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ) أَيْ وَلَيْسَ فِيهِ هَتْكُ السِّتْرِ بَلْ حِكَايَةُ الْهَتْكِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الشُّهُودِ بِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزُورٍ فَإِنَّهَا لَا يُقْبَلُ مَعَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الْإِقْرَارِ الدَّاخِلِ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ فِيهِ هَتْكَ السِّتْرِ وَبِهِ يَثْبُتُ الْفِسْقُ (قَوْلُهُ عَلَى أَنِّي صَالَحْت الشُّهُودَ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِصَالَحْتُ أَعْطَيْت الرِّشْوَةَ لِدَفْعِ ظُلْمِهِ وَإِلَّا فَلَا صُلْحَ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَفْهَمُ مِنْهُ قَبُولَهُ قَبْلَهَا مِنْهُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ سَمَاعِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ إلَخْ) أَتَى بِالِاسْتِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ مُحْتَمِلٌ لِقَبُولِ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ كَقَبُولِ غَيْرِ الْمُجَرَّدِ وَمُحْتَمِلٌ لِعَدَمِ قَبُولِهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْكَمَالِ لِأَنَّ إخْبَارَ الْمُخْبِرِ لِلطَّعْنِ لَا لِإِثْبَاتِ الْفِسْقِ كَمَا قَالَهُ وَقَالَ فِي الدُّرَرِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَقُولُ: تَحْقِيقُهُ أَنَّ جَرْحَ الشَّاهِدِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ دَفْعٌ لِلشَّهَادَةِ قَبْلَ ثُبُوتِهَا وَهِيَ مِنْ بَابِ الدِّيَانَاتِ وَلِهَذَا قُبِلَ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَبَعْدَ التَّعْدِيلِ دَفْعٌ لِلشَّهَادَةِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْعَمَلُ بِهَا إنْ لَمْ يُوجَدْ الْجُرْحُ الْمُعْتَبَرُ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ وَهُوَ السِّرُّ فِي كَوْنِ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ مَقْبُولًا قَبْلَ التَّعْدِيلِ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ وَغَيْرَ مَقْبُولٍ بَعْدَهُ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى نِصَابِ الشَّهَادَةِ وَإِثْبَاتِ حَقِّ الشَّرْعِ أَوْ الْعَبْدِ فَاضْمَحَلَّ بِهَذَا التَّحْقِيقِ مَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَصَلَّفِينَ بِلَا شُعُورٍ عَلَى مُرَادِ الْقَائِلِ وَمَعَ ذَلِكَ ذَاهِلٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ وَغَافِلٌ حَيْثُ قَالَ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ لَا تُعْتَبَرُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ تَعْدِيلِ الشُّهُودِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الصُّورَةِ الْمُقَيَّدَةِ اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالصُّورَةِ الْمُقَيَّدَةِ قَوْلُهُ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَدَالَةِ وَفِي الْعَزْمِيَّةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَالْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُقْبَلُ عَلَى مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَفِي وُسْعِ الْقَاضِي إلْزَامُهُ وَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِكَوْنِهِ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْعَدَالَةِ وَكَوْنُهُ بَعْدَهَا وَبِالْجُمْلَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُطَالِبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute