للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَهُمَا فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ وَإِذَا شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ بِقَبْضِ دُيُونِهِ بِالْكُوفَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا يُعَيِّنَانِ مَنْ يَقُومُ بِحُقُوقِ الْأَبِ وَاسْتِيفَائِهِ فَكَانَا شَاهِدَيْنِ لِأَبِيهِمَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَلَكِنْ هَذَا إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ يَجْحَدُ الْوَكَالَةَ فَأَمَّا إذَا أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِهَا جَازَتْ الشَّهَادَةُ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فِي دَارٍ بِعَيْنِهَا وَقَبَضَهَا وَغَابَ فَشَهِدَ ابْنَا الْمُوَكِّلِ أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ بِالْخُصُومَةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَقَبَضَهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا سَوَاءٌ جَحَدَ الْمَطْلُوبُ الْوَكَالَةَ أَوْ أَقَرَّ بِهَا وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ الْمَطْلُوبَ إذَا كَانَ مُقِرًّا بِالْوَكَالَةِ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ بِإِقْرَارِهِ بِدُونِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّمَا قَامَتْ الشَّهَادَةُ لِإِبْرَاءِ الْمَطْلُوبِ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ إذَا حَضَرَ الطَّالِبُ وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ فَكَانَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ عَلَى أَبِيهِمَا وَشَهَادَتُهُ عَلَى أَبِيهِ مَقْبُولَةٌ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ الْمَطْلُوبُ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الدَّارِ إلَى الْوَكِيلِ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ وَإِنَّمَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِالشَّهَادَةِ فَكَانَتْ وَاقِعَةً لِأَبِيهِمَا فَلَا تُقْبَلُ. اهـ.

وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ تَرَكَ قَيْدًا وَهُوَ إنْ جَحَدَ الْمَطْلُوبُ وَأَشَارَ إلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ ابْنَيْ الْوَكِيلِ مُطْلَقًا بِالْأَوْلَى وَكَذَا شَهَادَةُ أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَأَحْفَادِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَى هَذَا فَالِابْنَانِ فِي الْكِتَابِ مِثَالٌ وَالْمُرَادُ عَدَمُ قَبُولِهَا فِي الْوَكَالَةِ مِنْ كُلِّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلْمُوَكِّلِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ بِغَيْبَةِ الْأَبِ فِي شَهَادَتِهِمَا بِالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَا يُمْكِنُ الدَّعْوَى بِهَا لِيَشْهَدَا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ صُورَةِ شَهَادَتِهِمَا مَا فِي غَيْبَتِهِ مَعَ جَحْدِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ الدَّعْوَى وَلَمْ يَظْهَرْ هُنَا لَهَا وَجْهٌ وَيُمْكِنُ أَنْ تُصَوَّرَ بِأَنْ يَدَّعِيَ صَاحِبُ وَدِيعَةٍ عَلَيْهِ تَسْلِيمَ وَدِيعَتِهِ الْمُوَكِّلَ فِي دَفْعِهَا فَيَجْحَدَ فَيَشْهَدَانِ بِهِ وَيَقْبِضُ دُيُونَ أَبِيهِمَا وَإِنَّمَا صَوَّرْنَاهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى فِعْلِ مَا وُكِّلَ بِهِ إلَّا فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِيهَا.

(فُرُوعٌ) شَهِدَ الْوَصِيُّ بَعْدَ الْعَزْلِ لِلْمَيِّتِ إنْ خَاصَمَ لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا تُقْبَلُ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي فَخَاصَمَ الْمَطْلُوبَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْمُوَكِّلُ عَنْهَا فَشَهِدَ الْوَكِيلُ أَنَّ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِائَةَ دِينَارٍ تُقْبَلُ وَلَوْ وَكَّلَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي فَشَهِدَ عَلَى الْوَكَالَةِ فَخَاصَمَ الْمَطْلُوبَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَبَرْهَنَ عَلَى الْوَكَالَةِ ثُمَّ عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ مِنْهَا فَشَهِدَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِمِائَةِ دِينَارٍ مِمَّا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْوَكَالَةِ لَا تُقْبَلُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا شَهَادَةُ الْوَصِيِّ بِحَقٍّ لِلْمَيِّتِ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ أَوْ بَعْدَهَا لَا تُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ الْوَصِيُّ بِحَقٍّ لِلْمَيِّتِ بَعْدَمَا أَدْرَكَتْ الْوَرَثَةُ لَا تُقْبَلُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَزَلَ الْوَصِيَّ يَنْعَزِلُ وَلَوْ شَهِدَ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ عَلَى الْمَيِّتِ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ صَغِيرًا لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَلَوْ شَهِدَ لِكَبِيرٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ تُقْبَلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ شَهِدَ لِلْوَارِثِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ فِي غَيْرِ مِيرَاثٍ لَمْ تُقْبَلْ وَلَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لِوَارِثٍ بَالِغٍ تُقْبَلُ اهـ.

وَفِيهَا أَيْضًا ادَّعَى دَارًا وَبَرْهَنَ وَأَبْطَلَ الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَشَهِدَا أَنَّهَا لِآخَرَ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ لَا حَقَّ لِي فِيهَا ثُمَّ شَهِدَ أَنَّهَا لِفُلَانٍ آخَرَ لَا تُقْبَلُ اهـ.

وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُمَا وَلِهَذَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ هَذَا وَيُضَمُّ إلَيْهِ آخَرَانِ اهـ.

وَفِيهَا ادَّعَى الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ دَيْنًا بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ فَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَاءَهُ فَشَهِدَ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ أَبْطَلَ شَهَادَتَهُ وَكَذَا وَكِيلُهَا ادَّعَى الْمَهْرَ عَلَى الزَّوْجِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِلزَّوْجِ بِالْخُلْعِ

(قَوْلُهُ وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى الْجَرْحِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ لُغَةً مِنْ جَرَحَهُ بِلِسَانِهِ جَرْحًا عَابَهُ وَنَقَصَهُ وَمِنْهُ جَرَحْت الشَّاهِدَ إذَا أَظْهَرْت فِيهِ مَا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي الِاصْطِلَاحِ إظْهَارُ فِسْقِ الشَّاهِدِ فَإِنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ ذَلِكَ إثْبَاتُ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعَبْدِ فَهُوَ جَرْحٌ مُجَرَّدٌ وَإِنْ تَضَمَّنَ إثْبَاتَ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعَبْدِ فَهُوَ غَيْرُ مُجَرَّدٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ إطْلَاقِهِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِثْلَ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ شُهُودَ الْمُدَّعِي فَسَقَةٌ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ تَسْلِيمُ وَدِيعَتِهِ الْمُوَكِّلَ فِي دَفْعِهَا) أَيْ الَّتِي وَكَّلَهُ الْغَائِبُ بِدَفْعِهَا لِصَاحِبٍ وَقَوْلُهُ فَيَشْهَدَانِ بِهِ أَيْ بِتَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ لِلَّذِي ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَقَوْلُهُ وَبِقَبْضِ دُيُونِ أَبِيهِمَا لَمْ تَجْرِ فِيهِ الدَّعْوَى فَمَا مَعْنَى شَهَادَتِهِمَا بِهِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ جَرَيَانُهَا فِيهِ مَعَ إجْبَارِ الْوَكِيلِ وَلَا إجْبَارَ هُنَا فَتَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>