للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَفْحِ الْمَاءِ وَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي مُوجِبِهِ مِنْ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَهَدْمِ الْجِدَارِ، وَالتَّنْكِيسِ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ بِاتِّبَاعِ الْأَحْجَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إضَاعَةُ الْوَلَدِ وَاشْتِبَاهُ الْأَنْسَابِ وَلِذَا هُوَ أَنْدَرُ وُقُوعًا لِانْعِدَامِ الدَّاعِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَالدَّاعِي إلَى الزِّنَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْفَاعِلِ، وَالْمَفْعُولِ بِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ رَأَى الْإِمَامُ مَصْلَحَةً فِي قَتْلِ مَنْ اعْتَادَهُ جَازَ لَهُ قَتْلُهُ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي حُكْمِ السِّيَاسَةِ أَنَّ الْإِمَامَ يَفْعَلُهَا وَلَمْ يَقُولُوا الْقَاضِي فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِالسِّيَاسَةِ وَلَا الْعَمَلُ بِهَا. قَيَّدَ بِعَدَمِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ وَاجِبٌ قَالُوا يُوجَعُ ضَرْبًا.

زَادَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُودَعُ فِي السَّجْنِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ وَلَوْ اعْتَادَ اللِّوَاطَةُ قَتَلَهُ الْإِمَامُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ سِيَاسَةً، وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ أَنَّ اللِّوَاطَةُ مُحَرَّمَةٌ عَقْلًا وَشَرْعًا وَطَبْعًا بِخِلَافِ الزِّنَا وَأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ طَبْعًا فَكَانَتْ أَشَدَّ حُرْمَةً مِنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهَا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ لَا لِخِفَّتِهَا، وَإِنَّمَا عَدَمُ الْوُجُوبِ فِيهَا لِلتَّغْلِيظِ عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ مُطَهِّرٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَلْ تَكُونُ اللِّوَاطَةُ فِي الْجَنَّةِ أَيْ هَلْ يَجُوزُ كَوْنُهَا فِيهَا قِيلَ: إنْ كَانَ حُرْمَتُهَا عَقْلًا وَسَمْعًا لَا تَكُونُ، وَإِنْ كَانَ سَمْعًا فَقَطْ جَازَ أَنْ تَكُونَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى اسْتَبْعَدَهُ وَاسْتَقْبَحَهُ فَقَالَ: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: ٢٨] وَسَمَّاهُ خَبِيثَةً فَقَالَ تَعَالَى {كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} [الأنبياء: ٧٤] ، وَالْجَنَّةُ مُنَزَّهَةٌ عَنْهَا اهـ.

وَقَيَّدَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ لِيُفِيدَ أَنَّ زَوْجَتَهُ وَجَارِيَتَهُ بِالْأَوْلَى فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ لَكِنْ قَالَ فِي التَّبْيِينِ إذَا فَعَلَ فِي عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ مَنْكُوحَتِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِهِ الْمَحْظُورَ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَتَكَلَّمُوا فِي هَذَا التَّعْزِيرِ مِنْ الْجَلْدِ وَرَمْيِهِ مِنْ أَعْلَى مَوْضِعٍ وَحَبْسِهِ فِي أَنْتَنِ بُقْعَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ سِوَى الْإِخْصَاءِ الْمُغَلَّبِ، وَالْجَلْدُ أَصَحُّ اهـ وَلِلِّوَاطَةِ أَحْكَامٌ أُخَرُ لَا يَجِبُ بِهَا الْعُقْرُ أَيْ الْمَهْرُ وَلَا الْعِدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا فِي الْمَأْتِيِّ بِهَا لِشُبْهَةٍ وَلَا تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَلَا تَثْبُتُ بِهَا الرَّجْعَةُ وَلَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَلَا الْكَفَّارَةُ فِي رَمَضَانَ فِي رِوَايَةٍ وَلَوْ قَذَفَ بِهَا لَا يُحَدُّ خِلَافًا لَهُمَا وَكَذَا لَوْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِهَا لَمْ يُلَاعِنْ خِلَافًا لَهُمَا وَعَنْ الصَّفَّارِ يُكَفِّرُ مُسْتَحِلُّهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ بِهَا عَلَى الْفَاعِلِ، وَالْمَفْعُولِ بِهِ.

قَوْلُهُ (وَبِبَهِيمَةٍ) أَيْ لَا يُحَدُّ بِوَطْءِ بَهِيمَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الزِّنَا فِي كَوْنِهِ جِنَايَةً وَفِي وُجُودِ الدَّاعِي؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَنْفِرُ عَنْهُ، وَالْحَامِلُ عَلَيْهِ نِهَايَةُ السَّفَهِ أَوْ فَرْطُ الشَّبَقِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ سَتْرُهُ إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِمَا بَيَّنَّا وَاَلَّذِي يُرْوَى أَنَّهَا تُذْبَحُ الْبَهِيمَةُ وَتُحْرَقُ فَذَلِكَ لِقَطْعِ التَّحَدُّثِ بِهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ قَالُوا: إنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا تُذْبَحْ وَتُحْرَقْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا تُؤْكَلُ تُذْبَحْ وَتُؤْكَلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا تُحْرَقُ هَذِهِ أَيْضًا هَذَا إنْ كَانَتْ الْبَهِيمَةُ لِلْفَاعِلِ، فَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ فَفِي الْخَانِيَّةِ كَانَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَفِي التَّبْيِينِ يُطَالَبُ صَاحِبُهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ تُذْبَحُ هَكَذَا ذَكَرُوا وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا سَمَاعًا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا.

[الزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ]

(قَوْلُهُ: وَبِزِنًا فِي دَارِ حَرْبٍ أَوْ بَغْيٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الِانْزِجَارُ وَوِلَايَةُ الْإِمَامِ مُنْقَطِعَةٌ فِيهِمَا فَيَعْرَى الْوُجُوبُ عَنْ الْفَائِدَةِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُقَامُ بَعْدَ الْخُرُوجِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ مُوجَبَةً فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجَبَةً قَيَّدَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَالْبَغْيِ؛ لِأَنَّ مَنْ زَنَى فِي مَحَلِّ نُزُولِ الْعَسْكَرِ، فَإِنَّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِقَامَةِ بِنَفْسِهِ كَالْخَلِيفَةِ وَأَمِيرِ مِصْرِهِ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَحْتَ يَدِهِ بِخِلَافِ أَمِيرِ الْعَسْكَرِ، وَالسَّرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِمَا الْإِقَامَةَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ زَنَى فِي الْعَسْكَرِ، وَالْعَسْكَرُ

ــ

[منحة الخالق]

[وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةَ فِي دُبُرِهَا]

(قَوْلُهُ: فَمَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ (قَوْلُهُ: وَهَلْ تَكُونُ اللِّوَاطَةُ فِي الْجَنَّةِ إلَخْ) قَالَ السُّيُوطِيّ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيُّ جَرَتْ مَسْأَلَةٌ بَيْنَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ الْمُعْتَزِلِيِّ وَبَيْنَ أَبِي يُوسُفَ الْقَزْوِينِيِّ فِي إبَاحَةِ جِمَاعِ الْوِلْدَانِ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ ابْنُ الْوَلِيدِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ اللَّذَّاتِ فِي الْجَنَّةِ لِزَوَالِ الْمَفْسَدَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ فِي الدُّنْيَا لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النَّسْلِ وَكَوْنِهِ مَحَلًّا لِلْأَذَى وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ ذَلِكَ وَلِهَذَا أُبِيحَ شُرْبُ الْخَمْرِ لِمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ السُّكْرِ وَغَايَةِ الْعَرْبَدَةِ وَزَوَالِ الْعَقْلِ فَذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ الِالْتِذَاذِ بِهَا

فَقَالَ أَبُو يُوسُف: الْمَيْلُ إلَى الذُّكُورِ عَاهَةٌ وَهُوَ قَبِيحٌ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَمْ يُخْلَقْ لِلْوَطْءِ وَلِهَذَا لَمْ يُبَحْ فِي شَرِيعَةٍ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَهُوَ مَخْرَجُ الْحَدَثِ وَالْجَنَّةُ نُزِّهَتْ عَنْ الْعَاهَاتِ فَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>