مَدْخَلِ الذَّكَرِ كَالْغُدَّةِ الْغَلِيظَةِ وَقَدْ يَكُونُ عَظْمًا وَيُحْكَى أَنَّهُ اخْتَصَمَ إلَى الْقَاضِي شُرَيْحٍ فِي جَارِيَةٍ بِهَا قَرْنٌ فَقَالَ أَقْعِدُوهَا فَإِنْ أَصَابَ الْأَرْضَ فَهُوَ عَيْبٌ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الْقَلَعِيُّ الْقَرَنُ بِفَتْحِ الرَّاءِ بِمَنْزِلَةِ الْعَفَلَةِ فَأَوْقَعَ الْمَصْدَرَ مَوْقِعَ الِاسْمِ وَهُوَ سَائِغٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالرَّتَقُ بِفَتْحِ التَّاءِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِرَدِّ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِعَيْبٍ نَفَذَ قَضَاؤُهُ، وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْكَرَاهِيَة جِرَاحٌ اشْتَرَى جَارِيَةً رَتْقَاءَ فَلَهُ شَقُّ الرَّتَقِ وَإِنْ تَأَلَّمَتْ اهـ.
وَلَمْ أَرَ حُكْمَ شَقِّ الرَّتْقَاءِ الْمَنْكُوحَةِ وَقَالُوا فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ رَدِّهَا لِإِمْكَانِ شَقِّهِ وَلَكِنْ مَا رَأَيْت هَلْ يُشَقُّ جَبْرًا أَمْ لَا، وَفِي الْمِعْرَاجِ لَوْ تَرَاضَى الْعِنِّينُ وَزَوْجَتُهُ عَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ حَيْثُ قَالَ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا كَفُرْقَةِ اللِّعَانِ، وَهَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(بَابُ الْعِدَّةِ) .
لَمَّا تَرَتَّبَتْ فِي الْوُجُودِ عَلَى الْفُرْقَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا أَوْرَدَهَا عَقِيبَ الْكُلِّ وَهِيَ لُغَةً الْإِحْصَاءُ عَدَدْت الشَّيْءَ أَحْصَيْته إحْصَاءً، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ الْعِدَّةُ مَصْدَرُ عَدَّ الشَّيْءَ يَعُدُّهُ «وَسُئِلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَتَى تَكُونُ الْقِيَامَةُ قَالَ إذَا تَكَامَلَتْ الْعِدَّتَانِ» أَيْ: عِدَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَعِدَّةُ أَهْلِ النَّارِ أَيْ: عَدَدُهُمْ وَسُمِّيَ زَمَانُ التَّرَبُّصِ عِدَّةً؛ لِأَنَّهَا تَعُدُّهُ وَيُقَالُ عَلَى الْمَعْدُودِ، وَفِي الدُّرِّ النَّثِيرِ أَيْ: إذَا تَكَامَلَتْ عِنْدَ اللَّهِ بِرُجُوعِهِمْ إلَيْهِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ وَعِدَّةُ الْمَرْأَةِ قِيلَ أَيَّامُ أَقْرَائِهَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْعَدِّ وَالْحِسَابِ وَقِيلَ تَرَبُّصُهَا الْمُدَّةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهَا وَالْجَمْعُ عِدَدٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ وقَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] قَالَ النُّحَاةُ اللَّامُ بِمَعْنَى فِي أَيْ: فِي عِدَّتِهِنَّ اهـ.
وَفِي الشَّرِيعَةِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (هِيَ تَرَبُّصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ عِنْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ) أَيْ: لُزُومُ انْتِظَارِ انْقِضَاءِ مُدَّةٍ وَالتَّرَبُّصُ التَّثَبُّتُ وَالِانْتِظَارُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: ٢٥] وَقَالَ تَعَالَى {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ} [التوبة: ٩٨] وَقَالَ تَعَالَى {فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة: ٥٢] كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا اللُّزُومَ؛ لِأَنَّ التَّرَبُّصَ فِعْلُهَا وَقَدْ قَالُوا إنَّ رَكْنَهَا حُرُمَاتٌ أَيْ: لُزُومَاتٌ كَحُرْمَةِ تَزَوُّجِهَا عَلَى الْغَيْرِ وَنَقَلُوا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ رُكْنَهَا التَّرَبُّصُ عِنْدَهُ وَفَرَّعُوا عَلَى الِاخْتِلَافِ تَدَاخُلَ الْعِدَّتَيْنِ فَعِنْدَنَا يَتَدَاخَلَانِ خِلَافًا لَهُ وَانْقِضَاؤُهُ بِدُونِ عِلْمِهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ جَعْلِهَا فِي الشَّرْعِ عِنْدَنَا اسْمًا لِأَجَلٍ ضُرِبَ لِانْقِضَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ اسْمًا لِفِعْلِ التَّرَبُّصِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ رُكْنُهَا نَفْسَ الْأَجَلِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِخِلَافِهِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ صَحَّ انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ الْوَارِدُ عَلَى عِدَّةِ الصَّغِيرَةِ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْعِدَّةِ وُجُوبُ شَيْءٍ بَلْ هِيَ مُجَرَّدُ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ.
وَالثَّابِتُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَدَمُ صِحَّةِ التَّزَوُّجِ لَا خِطَابُ أَحَدٍ بَلْ وَضَعَ الشَّارِعُ عَدَمَ الصِّحَّةِ لَوْ فُعِلَ وَيَرِدُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ عِدَّةُ الصَّغِيرَةِ؛ إذْ لَا لُزُومَ فِي حَقِّهَا وَلَا تَرَبُّصَ وَاجِبٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ هِيَ الْمُخَاطَبَةَ بَلْ الْوَلِيُّ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِأَنْ لَا يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْعِدَّةِ وَلِهَذَا لَمْ يُطْلِقْ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ لَفْظَ الْوُجُوبِ عَلَى عِدَّةِ الصَّغِيرَةِ لِعَدَمِ خِطَابِهَا وَإِنَّمَا يَقُولُونَ تَعْتَدُّ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ؛ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ مِنْ التَّرَبُّصِ عَنْ التَّزَوُّجِ إلَى مُضِيِّ عِدَّةِ امْرَأَتِهِ فِي نِكَاحِ أُخْتِهَا وَنَحْوِهِ لَا يُسَمَّى عِدَّةً اصْطِلَاحًا لِاخْتِصَاصِهِ بِتَرَبُّصِهَا وَإِنْ وُجِدَ مَعْنَى الْعِدَّةِ فِيهِ وَيَجُوزُ إطْلَاقُ الْعِدَّةِ عَلَيْهِ شَرْعًا كَمَا أَفْهَمَهُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَعَلَى هَذَا مَا فِي الْكِتَابِ مَعْنَاهَا الِاصْطِلَاحِيُّ، وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَهِيَ تَرَبُّصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ أَوْ الرَّجُلَ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ وَقَدْ ضَبَطَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَمْتَنِعُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْوَطْءِ فِيهَا حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةٌ فِي عِشْرِينَ مَوْضِعًا نِكَاحُ أُخْتِ امْرَأَتِهِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَبِنْتِ أُخْتِهَا وَبِنْتِ أَخِيهَا
ــ
[منحة الخالق]
وَأَمَّا إنْكَارُ بَعْضِهِمْ عَلَى الْفُقَهَاءِ فَتْحَهُ وَتَلْحِينَهُ إيَّاهُمْ فَلَيْسَ كَمَا ذُكِرَ اهـ. مُلَخَّصًا
(قَوْلُهُ إنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِرَدِّ إلَخْ) أَيْ: الْقَاضِي الْمُجْتَهِدُ أَوْ الْمُقَلِّدُ لِمَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ مَا رَأَيْتُ هَلْ يُشَقُّ جَبْرًا أَمْ لَا) قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي أَنْ تُجْبَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا لَا يُمْكِنُ بِدُونِهِ.
[بَابُ الْعِدَّةِ]
(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا اللُّزُومَ إلَخْ) هَذَا التَّقْدِيرُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَعَ قَوْلِهِ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ نَعَمْ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ إذَا كَانَ رَكْنُهَا الْحُرُمَاتِ أَيْ: حُرْمَةَ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ فَيَكُونُ التَّعْرِيفُ بِالتَّرَبُّصِ عَلَى هَذَا تَعْرِيفًا بِاللَّازِمِ (قَوْلُهُ وَيَرِدُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ إلَخْ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ صَحَّ انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ إلَخْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute