للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَجَعَ بِنَصِيبِهِ عَلَى صَاحِبِهِ.

وَلَوْ قَالَ لَهُمَا بَعْدَمَا كَبِرَا قَدْ دَفَعْت إلَيْكُمَا أَلْفًا فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ رَجَعَ الْمُنْكِرُ عَلَى أَخِيهِ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَإِنْ أَنْكَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا عَلَى الْوَلِيِّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ادَّعَى رَدَّ الْأَمَانَةِ إلَى صَاحِبِهَا، وَلَوْ قَالَ الْوَصِيُّ دَفَعْت إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا خَمْسَمِائَةٍ عَلَى حِدَةٍ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ.

رَجَعَ الْمُكَذِّبُ عَلَى الْوَصِيِّ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ لَا تَجُوزُ عَلَيْهِمَا، وَهُمَا حَاضِرَانِ وَلَوْ كَانَا غَائِبَيْنِ جَازَتْ الْقِسْمَةُ عَلَيْهِمَا. رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ صَغِيرَيْنِ فَلَمَّا أَدْرَكَا طَلَبًا مِيرَاثَهُمَا، فَقَالَ الْوَصِيُّ: جَمِيعُ تَرِكَةِ أَبِيكُمَا أَلْفٌ، وَقَدْ أَنْفَقْت عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا خَمْسَمِائَةٍ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ رَجَعَ الْمُكَذِّبُ عَلَى الْمُصَدِّقِ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَصِيِّ فِي ذَلِكَ عِنْدَ زُفَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ أَمِينٌ ادَّعَى صَرْفَ الْأَمَانَةِ إلَى نَفَقَتِهِمَا وَحَاجَتِهِمَا وَهُوَ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَيُصَدَّقُ فِيهِ فِي حَقِّ بَرَاءَةِ نَفْسِهِ عَنْ الضَّمَانِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْمُكَذِّبِ فِيمَا وَصَلَ إلَى الْمُقِرِّ بِالنَّفَقَةِ فَصَارَ الْمُقِرُّ مُقِرًّا بِالشَّرِكَةِ فِيمَا وَصَلَ إلَيْهِ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَرْجِعُ الْمُقِرُّ عَلَى الْمُنْكِرِ بِشَيْءٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مَأْمُورٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَيُصَدَّقُ فِيهِ فَثَبَتَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ مُعَايَنَةً، وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ بَاعَ ضَيْعَةَ الْيَتِيمِ مِنْ مُفْلِسٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْجَزُ عَنْ اسْتِيفَاءِ ثَمَنِهِ مِنْهُ قَالَ يُؤَجِّلُ الْقَاضِي الْمُشْتَرِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ نَقَدَهُ الثَّمَنَ، وَإِلَّا نَقَضَ الْبَيْعَ، وَقَالَ نَصِيرُ بْنُ يَحْيَى: لِلْمُوصِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَيَرْكَبَ دَابَّتَهُ إذَا ذَهَبَ فِي حَاجَتِهِ.

قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ٦] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: ١٠] الْآيَةَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَلَكِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ صَارَتْ مَنْسُوخَةً بِالْأُولَى، وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى لَا يَرْكَبُ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ فِي حَاجَتِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي، وَالنَّفَقَةُ مِنْ مَالِ الْمُوصِي.

، وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ وَصِيٌّ أَخَذَ أَرْضَ الصَّبِيِّ مُزَارَعَةً قَالَ لَا يَجُوزُ إنْ شَرَطَ الْبَذْرَ عَلَى الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُؤَاجِرًا نَفْسَهُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ مِنْ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَأْجِرًا أَرْضَهُ بِبَعْضٍ مِنْ بَذْرِهِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضَ الصَّبِيِّ بِالدَّرَاهِمِ فَكَذَا بِبَعْضِ الْخَارِجِ، وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ: قَالَ: وَلَوْ أَخَذَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ وَأَنْفَقَهُ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ ثُمَّ وَضَعَ مِثْلَ مَا أَنْفَقَ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْيَتِيمُ فَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ أَوْ يَشْتَرِي لِلْيَتِيمِ شَيْئًا ثُمَّ يَقُولُ لِلشُّهُودِ: كَانَ عَلَيَّ لِلْيَتِيمِ كَذَا وَكَذَا وَأَنَا أَشْتَرِي ذَلِكَ لَهُ فَيَصِيرُ قِصَاصًا وَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ. رَجُلٌ بَنَى جِدَارًا بَيْنَ دَارٍ بَيْنَ الصَّغِيرَيْنِ لَهُمَا عَلَيْهِ حُمُولَةٌ وَيَخَافُ السُّقُوطُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيٌّ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا مَرَمَّتَهُ، وَأَبَى الْآخَرُ فَالْقَاضِي يَبْعَثُ أَمِينًا لِيَنْظُرَ فِيهِ فَإِنْ رَأَى فِي تَرِكَتِهِ ضَرَرًا عَلَيْهِمَا أُجْبِرَ الْآبِي حَتَّى يَبْنِيَ مَعَ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَلَا يُجْبَرُ.

وَهَاهُنَا أَرَادَ الْوَصِيُّ إدْخَالَ الضَّرَرِ عَلَى الْيَتِيمِ فَيُجْبَرُ. وَصِيٌّ عَلَى يَتِيمَيْنِ فَبَاعَ دَارَ أَحَدِهِمَا فَإِذَا هِيَ لِلْيَتِيمِ الْآخَرِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَتَنْفِيذُ وَصِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُمَا لِفُلَانٍ فَإِذَا هِيَ لِآخَرَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا قَضَاءٌ، وَالْقَضَاءُ إذَا كَانَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ مَجْهُولًا لَا يَجُوزُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَصِيُّ الْأَبِ أَحَقُّ بِمَالِ الطِّفْلِ مِنْ الْجَدِّ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْجَدُّ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَهُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ حَتَّى أَحْرَزَ مِيرَاثَهُ فَيَتَقَدَّمُ عَلَى وَصِيِّهِ وَلَنَا أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالْإِيصَاءِ فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ قَائِمَةً مَعْنًى فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ، وَالْجَدُّ فِي الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ حَتَّى مَلَكَ الْإِنْكَاحَ دُونَ الْوَصِيِّ.

[فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ]

(فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ فِي الْوَصِيَّةِ أَمْرًا يَخْتَصُّ بِالْوَصِيَّةِ أَخَّرَ ذِكْرَهَا لِعَدَمِ عَرَاقَتِهَا فِيهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِزَيْدٍ مَعَهُمَا لَغَتْ شَهَادَتُهُمَا) أَيْ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ نَفْعًا لِأَنْفُسِهِمَا بِإِثْبَاتِ الْعَيْنِ لَهُمَا فَتُرَدُّ لِلتُّهْمَةِ فَإِذَا رُدَّتْ ضَمَّ الْقَاضِي إلَيْهِمَا ثَالِثًا؛ لِأَنَّ فِي ضِمْنِ شَهَادَتِهِمَا إقْرَارًا مِنْهُمَا بِوَصِيٍّ آخَرَ مَعَهُمَا لِلْمَيِّتِ وَإِقْرَارُهُمَا حُجَّةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا يَتَمَكَّنَانِ مِنْ التَّصَرُّفِ بَعْدَ الْوَصِيِّ لِامْتِنَاعِ تَصَرُّفِهِمْ بِدُونِهِ فَصَارَ حَقُّهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَوْصِيَاءِ الثَّلَاثَةِ.

وَجَازَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي مَعَ وُجُودِ الْوَصِيِّ لِامْتِنَاعِ تَصَرُّفِهِمْ بِدُونِهِ فَصَارَ

<<  <  ج: ص:  >  >>