للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَرَاجَ أَرْضِك عَشْرَ سِنِينَ. وَقَالَ الْوَارِثُ: لَمْ تُؤَدِّ إلَّا حَظَّ سَنَةٍ صُدِّقَ الْوَصِيُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَصَمَا، وَالْأَرْضُ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ بِأَنْ غَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ، وَقَالَ الصَّبِيُّ: كَانَتْ كَذَلِكَ، وَقَالَ الْوَصِيُّ: كَانَتْ صَالِحَةً فَعَلَى الْخِلَافِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَتْ تَصْلُحُ لِلْحَالِ يُصَدَّقُ الْوَصِيُّ إجْمَاعًا بَعْدَمَا أَنْفَقَا عَلَى مُدَّةِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ أَقَرَّ بِمَا لَيْسَ بِمُسَلَّطٍ عَلَيْهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْغَلَّةِ، وَالتَّسْلِيطُ يَتَحَقَّقُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ إنَّ عَبْدَك جَنَى فَفِدْيَتُهُ بِكَذَا أَوْ اسْتَهْلَكَ مَالَ إنْسَانٍ فَأَدَّيْت ضَمَانَهُ مِنْ مَالِك لَا يُصَدَّقُ فَكَذَا هَذَا لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ شَرْعًا فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَّلَ مَالَ الصَّبِيِّ وَأَخَذَ بِإِزَائِهِ عِوَضًا يُعَدُّ لَهُ أَوْ مَنْفَعَةً فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُزَارَعَةِ إلَّا بِالْخَرَاجِ فَكَانَ الْخَرَاجُ بَدَلَ مَالِهِ لِيَقَعَ مُقَابِلَهُ وَكَذَلِكَ إصْلَاحُ أَمْرِ أَرْضِهِ، وَالْوَصِيُّ مُسَلَّطٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ إذَا كَانَ فِيهِ إصْلَاحٌ وَإِرْفَاقٌ وَلَوْ أَحْضَرَ الْوَصِيُّ رَجُلًا إلَى الْقَاضِي فَقَالَ إنَّ هَذَا رَدُّ عَبْدِ الصَّبِيِّ مِنْ الْإِبَاقِ فَوَجَبَ لَهُ الْجُعْلُ، وَفِي يَدِي مَالُ هَذَا الصَّبِيِّ فَأُعْطِيهِ هَلْ يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي قِيلَ هَذَا عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا وَقِيلَ: لَا يُصَدِّقُهُ بِالْإِنْفَاقِ فَيَحْتَاجُ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ ثَمَّةَ ادَّعَى وُجُوبَ الْجُعْلِ فِي مَالِهِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّطٍ عَلَى الدَّعْوَى لِغَيْرِهِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَهُنَا ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَدَّعِ الْجُعْلَ فِي مَالِهِ لِلْحَالِ فَكَانَ مُسَلَّطًا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِإِحْيَاءِ مَالِهِ وَإِصْلَاحِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَيْعُهُ عَلَى الْكَبِيرِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ) أَيْ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَلِي الْعَقَارَ وَيَلِي مَا سِوَاهُ فَكَذَا وَصِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا وَلَا الْأَبُ كَمَا لَا يَمْلِكُ عَلَى الْكَبِيرِ الْحَاضِرِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ حِفْظُ مَالِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا فِيمَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ؛ لِأَنَّ حِفْظَ ثَمَنِهَا أَيْسَرُ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ، وَأَمَّا الْعَقَارُ فَمَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ لِلْبَيْعِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَاعَ الْعَقَارَ ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ كُلُّهُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ فَإِذَا ثَبَتَ فِي الْبَعْضِ ثَبَتَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ وَلَوْ كَانَ يَخَافُ هَلَاكَ الْعَقَارِ وَيَمْلِكُ بَيْعَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ حِفْظًا لِلْمَنْقُولِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ: فَإِنْ قُلْت عِلْمُ حُكْمِ مَا إذَا كَانَ الْكُلُّ كِبَارًا غَيْبًا أَوْ الْكُلُّ صِغَارًا بَقِيَ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ كِبَارًا وَبَعْضُهُمْ صِغَارًا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَإِنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا وَكِبَارًا، وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ أَوْصَى لِوَصِيِّهِ بَيْعَ الْعُرُوضِ، وَالْعَقَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ الْمَنْقُولَ وَحِصَّةَ الصَّغِيرِ فِي الْعَقَارِ وَأَمَّا حِصَّةُ الْكِبَارِ الْحَضَرُ فَلَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا، وَإِنْ كَانُوا غَائِبِينَ فَيَمْلِكُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتَّجِرُ فِي مَالِهِ) أَيْ الْوَصِيُّ لَا يَتَّجِرُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ دُونَ التِّجَارَةِ فَإِنْ قُلْتَ هَذِهِ الْعِبَارَةُ عَلَى إطْلَاقِهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَفِي غَيْرِهِ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ، وَلَا يَتَّجِرُ لِنَفْسِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ وَوَصِيُّ الْأَخِ، وَالْعَمِّ، وَالْأُمِّ فِي مَالِ تَرِكَتِهِمْ مِيرَاثًا لِلصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ وَصِيِّ الْأَبِ فِي الْكَبِيرِ الْغَائِبِ بِخِلَافِ مَالٍ آخَرَ لِلصَّغِيرِ غَيْرُ مَا تَرَكَهُ الْمُوصِي حَيْثُ لَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَهُوَ الْأَخُ وَمَنْ بَعْدَهُ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَكَذَا وَصِيُّهُمْ بِخِلَافِ الْأَبِ، وَالْجَدِّ حَيْثُ يَكُونُ لَهُمْ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فِيمَا تَرَكَهُ مِيرَاثًا.

فَكَذَا وَصِيُّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَيُشْهِدُ لِلْقَيْدِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ: وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّهَا تِجَارَةٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ مِنْ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ بِمَصَالِح الْيَتِيمِ وَاجِبٌ عَلَى الْوَصِيِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِئْجَارِهِ وَصِيٌّ كَانَ فِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِأَخَوَيْنِ فَقَالَ دَفَعْت إلَى أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ وَكَذَّبَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ وَهُوَ مُسَلَّطٌ عَلَى الدَّفْعِ، وَالرَّدِّ فَيُصَدَّقُ فِيهِ، وَصِيٌّ عِنْدَهُ أَلْفَانِ لِيَتِيمَيْنِ فَأَدْرَكَا فَدَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا أَلْفًا وَصَاحِبُهُ الْآخَرُ حَاضِرٌ وَجَحَدَ الْقَابِضُ الْقَبْضَ مِنْهُ يَغْرَمُ الْوَصِيُّ خَمْسَمِائَةٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ لَا تَجُوزُ وَلَوْ كَانَ الْقَابِضُ مُقِرًّا كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْوَصِيُّ وَرَجَعَ بِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ بَقِيَ الْآخَرُ شَرِيكًا فِيمَا قَبَضَهُ صَاحِبُهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْهُ، وَالْوَصِيُّ بِالدَّفْعِ صَارَ ضَامِنًا وَمَتَى أَدَّى الضَّمَانَ مَلَكَ الْمَضْمُونَ وَهُوَ نَصِيبُ الْجَاحِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>