للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَشْرَعُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْإِقَامَةِ مُحَافَظَةً عَلَى فَضِيلَةِ مُتَابَعَةِ الْمُؤَذِّنِ وَإِعَانَةً لِلْمُؤَذِّنِ عَلَى الشُّرُوعِ مَعَهُ، وَلَهُمَا: أَنَّ الْمُؤَذِّنَ أَمِينٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِقِيَامِ الصَّلَاةِ فَيَشْرَعُ عِنْدَهُ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنْ الْكَذِبِ، وَفِيهِ مُسَارَعَةٌ إلَى الْمُنَاجَاةِ، وَقَدْ تَابَعَ الْمُؤَذِّنَ فِي الْأَكْثَرِ فَيَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا: الْمُتَابَعَةُ فِي الْأَذَانِ دُونَ الْإِقَامَةِ. كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ فِي بَابِ الْأَذَانِ أَنَّ إجَابَةَ الْإِقَامَةِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أَخَّرَ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ لَا بَأْسَ بِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ مَا يَفْعَلهُ مِنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ]

(فَصْلٌ) هُوَ فِي اللُّغَةِ فَرْقُ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ تَغَيَّرَتْ أَحْكَامُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَهَا غَيْرُ مُتَرْجَمَةٍ بِالْكِتَابِ وَالْبَابِ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ) أَيْ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ قَائِمًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَكُونُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ لَا بِهِ، وَأَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ النُّطْقِ لَا يَلْزَمُهُ تَحْرِيكُ اللِّسَانِ عَلَى الصَّحِيحِ وَمِنْ سُنَنِ التَّكْبِيرِ حَذْفُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ) لِمَا رَوَيْنَاهُ وَلِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ فَحَاذَى بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ» وَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ حِينَ كَانَتْ عَلَيْهِمْ الْأَكْسِيَةُ وَالْبَرَانِسُ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ وَائِلُ بْنُ حُجْرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ أَوْ الْمُرَادُ بِمَا رَوَيْنَاهُ: رُءُوسُ الْأَصَابِعِ وَبِالثَّانِي الْأَكُفُّ وَالْأَرْسَاغُ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَاعْتَمَدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، قَالُوا: لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ رَفْعِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِيهِ؛ لِأَنَّ كَفَّيْهَا لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ وَرَوَى ابْنُ مُقَاتِلٍ أَنَّهَا تَرْفَعُ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُحَاذَاةِ أَنْ يَمَسَّ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتِي أُذُنَيْهِ لِيَتَيَقَّنَ بِمُحَاذَاةِ يَدَيْهِ بِأُذُنَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي النُّقَايَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ وَقْتَ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالْوَاوِ وَهِيَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَرْفَعُ مُقَارِنًا لِلتَّكْبِيرِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَوْلًا وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ فِعْلًا وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَالتُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ حَتَّى قَالَ الْبَقَّالِيُّ هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا وَيَشْهَدُ لَهُ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ» وَفَسَّرَ قَاضِي خَانْ الْمُقَارَنَةَ بِأَنْ تَكُونَ بُدَاءَتُهُ عِنْدَ بُدَاءَتِهِ وَخَتْمُهُ عِنْدَ خَتْمِهِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: وَقْتُهُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ، وَنَسَبَهُ فِي الْمَجْمَعِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى عَامَّةِ عُلَمَائِنَا، وَفِي الْمَبْسُوطِ إلَى أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ» .

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَقْتُهُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فَيُكَبِّرُ أَوَّلًا، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الصَّحِيحِ لِمُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَلَّى كَبَّرَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ» وَرَجَّحَ فِي الْهِدَايَةِ مَا صَحَّحَهُ بِأَنَّ فِعْلَهُ نَفَى الْكِبْرِيَاءَ عَنْ غَيْرِهِ تَعَالَى وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِيجَابِ كَكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ فِي اللَّفْظِ فَلَا يَلْزَمُ فِي غَيْرِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَدَعْ لُزُومَهُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، فَفِي الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ رِوَايَةٌ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيُؤْنَسُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ وَيَتَرَجَّحُ مِنْ بَيْنِ أَفْعَالِهِ هَذِهِ تَقْدِيمُ الرَّفْعِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَتُحْمَلُ ثُمَّ فِي قَوْلِهِ (ثُمَّ رَفَعَ) عَلَى الْوَاوِ (وَمَعَ) عَلَى مَعْنَى قَبْلُ

ــ

[منحة الخالق]

تَنْكِحُوهُنَّ لِحُسْنِهِنَّ وَجَمَالِهِنَّ أَوْ عَنْ: أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ لِفَقْرِهِنَّ وَدَمَامَتِهِنَّ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَتَدَبَّرْ.

[آدَابُ الصَّلَاة]

(فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَرْكِيبِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ) (قَوْلُهُ وَمِنْ سُنَنِ التَّكْبِيرِ حَذْفُهُ) أَيْ عَدَمُ إطَالَةِ الْقَوْلِ بِهِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْقَامُوسِ وَفَسَّرَهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنْ لَا يَأْتِيَ بِالْمَدِّ فِي هَمْزَةِ (اللَّهِ) وَلَا فِي بَاءِ (أَكْبَرَ) وَلَكِنَّهُ هُنَا غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّ الْمَدَّ فِي ذَلِكَ مُفْسِدٌ وَعَمْدُهُ كُفْرٌ بَلْ الْمُرَادُ مَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكَبَّرَ بِلَا مَدٍّ وَرَكَعَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ حَذْفُهُ مِنْ غَيْرِ تَطْوِيلٍ، وَهُوَ مَعْنَى مَا وَرَدَ التَّكْبِيرُ جَزْمٌ وَحَاصِلُهُ: الْإِمْسَاكُ عَنْ إشْبَاعِ الْحَرَكَةِ وَالتَّعَمُّقِ فِيهِ وَالْإِضْرَابُ عَنْ الْهَمْزَةِ الْمُفْرِطَةِ وَالْمَدِّ الْفَاحِشِ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ لَا يَحْذِفَ الْهَاءَ أَوْ يَمُدَّ اللَّامَ كَمَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي دُرِّ الْكُنُوزِ حَيْثُ قَالَ وَإِذَا حَذَفَ الْمُصَلِّي أَوْ الْحَالِفُ أَوْ الذَّابِحُ الْمَدَّ الَّذِي فِي اللَّامِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجَلَالَةِ أَوْ حَذَفَ الْهَاءَ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ تَحْرِيمَتِهِ، وَفِي انْعِقَادِ يَمِينِهِ وَحِلِّ ذَبِيحَتِهِ فَلَا يُتْرَكُ ذَلِكَ احْتِيَاطًا اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: الْمَذْكُورُ فِي السِّرَاجِ أَنَّ الْأَمَةَ كَالرَّجُلِ فِي الرَّفْعِ وَكَالْحُرَّةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اهـ.

أَقُولُ: عَبَّرَ عَنْهُ فِي الْقُنْيَةِ بِقِيلَ فَقَالَ: تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا فِي التَّكْبِيرِ إلَى مَنْكِبَيْهَا حِذَاءَ ثَدْيَيْهَا قِيلَ هُوَ السُّنَّةُ فِي الْحُرَّةِ فَأَمَّا الْأَمَةُ فَكَالرَّجُلِ لِأَنَّ كَفَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ اهـ.

قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ كَفَّ الْحُرَّةِ أَيْضًا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ اهـ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحِلْيَةِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ وَتُحْمَلُ ثُمَّ إلَخْ) الظَّاهِرُ التَّعْبِيرُ بِأَوْ لِيَكُونَ وَجْهًا آخَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>