لَمْ يَكُنْ بَيْنَ التَّرِكَةِ وَالتَّصْحِيحِ وَلَا بَيْنَ التَّرِكَةِ وَمَجْمُوعِ الدَّيْنِ مُوَافَقَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَاضْرِبْ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ وَدَيْنَ كُلِّ غَرِيمٍ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ فَمَا بَلَغَ فَاقْسِمْهُ عَلَى وَفْقِ التَّصْحِيحِ أَوْ عَلَى وَفْقِ مَجْمُوعِ الدَّيْنِ فَمَا خَرَجَ مِنْ الْقِسْمَةِ فَهُوَ نَصِيبُ ذَلِكَ الْوَارِثِ أَوْ لِلدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ دَيْنَ كُلِّ غَرِيمٍ بِمَنْزِلَةِ سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ وَمَجْمُوعَ الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ التَّصْحِيحِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ مُمَهَّدَةٍ فِي الْحِسَابِ وَهِيَ أَنَّهُ مَتَى اجْتَمَعَ أَرْبَعَةُ أَعْدَادٍ مُتَنَاسِبَةٍ وَكَانَ نِسْبَةُ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي كَنِسْبَةِ الثَّالِثِ إلَى الرَّابِعِ وَعُلِمَ مِنْ تِلْكَ الْأَعْدَادِ ثَلَاثَةٌ وَجُهِلَ وَاحِدٌ أَمْكَنَ اسْتِخْرَاجُ الْمَجْهُولِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ اجْتَمَعَ أَرْبَعَةُ أَعْدَادٍ مُتَنَاسِبَةٌ:
أَوَّلُهَا: سِهَامُ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّصْحِيحِ، وَثَانِيهَا: التَّصْحِيحُ، وَثَالِثُهَا: الْحَاصِلُ لِكُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّرِكَةِ، وَرَابِعُهَا جَمِيعُ التَّرِكَةِ لِأَنَّ نِسْبَةَ السِّهَامِ إلَى التَّصْحِيحِ كَنِسْبَةِ الْحَاصِلِ مِنْ التَّرِكَةِ إلَى جَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَالثَّالِثُ مَجْهُولٌ، وَالْبَاقِي مَعْلُومٌ فَإِذَا ضَرَبْت الطَّرَفَ فِي الطَّرَفِ كَانَ كَضَرْبِ الثَّانِي فِي الثَّالِثِ فَكَذَلِكَ إذَا قَسَمْت الْمَبْلَغَ عَلَى الثَّانِي خَرَجَ الثَّالِثُ ضَرُورَةَ أَنَّ كُلَّ مِقْدَارٍ تَرَكَّبَ مِنْ ضَرْبِ عَدَدٍ إذَا قُسِمَ عَلَى أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ خَرَجَ الْآخَرُ كَخَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا لَمَّا تَرَكَّبَتْ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي خَمْسَةٍ إذَا قَسَمْتهَا عَلَى ثَلَاثٍ خَرَجَ خَمْسَةٌ وَإِذَا قَسَمْتهَا عَلَى خَمْسَةٍ خَرَجَ ثَلَاثَةٌ، وَهَذَا الْقَاعِدَةُ هِيَ الْأَصْلُ فِي مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ فَإِذَا اجْتَمَعَ هُنَاكَ أَيْضًا أَرْبَعَةُ أَعْدَادٍ مُتَنَاسِبَةٌ، نَصِيبُ الْفَرِيقِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَعَدَدُ الْفَرِيقِ الْحَاصِلِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَعَدَدُ الْفَرِيقِ الْحَاصِلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْفَرِيقِ مِنْ التَّصْحِيحِ، وَمَبْلَغُ الرُّءُوسِ نِسْبَةُ نَصِيبِ الْفَرِيقِ مِنْ أَصْلِ الْمَبْلَغِ إلَى عَدَدِهِمْ كَنِسْبَةِ الْحَاصِلِ إلَى التَّصْحِيحِ لِكُلِّ وَاحِدٍ إلَى مَبْلَغِ الرُّءُوسِ وَهُوَ الْمَضْرُوبُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَالثَّالِثُ مَجْهُولٌ وَالْبَاقِي مَعْلُومٌ وَيُسْتَخْرَجُ الْمَجْهُولُ فِي مِثْلِ هَذَا بِالطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّصْحِيحِ، وَكَذَا الْعَمَلُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةِ لَا تَفِي بِهِ فَدَيْنُ كُلِّ غَرِيمٍ بِمَنْزِلَةِ سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ، وَمَجْمُوعُ الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ التَّصْحِيحِ فَتُطْلَبُ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ مَجْمُوعِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ التَّرِكَةِ، ثُمَّ الْعَمَلُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ صَالَحَ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى شَيْءٍ فَاجْعَلْهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَاقْسِمْ مَا بَقِيَ عَلَى سِهَامِ مَنْ بَقِيَ) ؛ لِأَنَّ الْمُصَالِحَ لَمَّا أَعْطَوْهُ جُعِلَ مُسْتَوْفِيًا نَصِيبَهُ مِنْ الْعَيْنِ وَبَقِيَ الْبَاقِي مَقْسُومًا عَلَى سِهَامِهِمْ، وَقَوْلُهُ: فَاجْعَلْهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ بَدَلَ نَصِيبِهِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ جَعْلُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَلْ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ مُسْتَوْفٍ نَصِيبَهُ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ الْبَاقُونَ أَنْصِبَاءَهُمْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا مَاتَتْ وَخَلَّفَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَعَمًّا فَصَالَحَ الزَّوْجُ عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ يُقْسَمُ الْبَاقِي مِنْ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْعَمِّ أَثْلَاثًا لِلْأُمِّ سَهْمَانِ وَسَهْمٌ لِلْعَمِّ، وَلَوْ جُعِلَ الزَّوْجُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَكَانَ لِلْأُمِّ سَهْمٌ؛ لِأَنَّهُ الثُّلُثُ بَعْدَ خُرُوجِ الزَّوْجِ مِنْ الْبَيْنِ وَلِلْعَمِّ سَهْمَانِ؛ لِأَنَّهُ الْبَاقِي بَعْدَ الْفُرُوضِ وَلَكِنْ تَأْخُذُ هِيَ ثُلُثَ الْكُلِّ وَهُوَ سَهْمَانِ مِنْ سِتَّةٍ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَقَدْ اسْتَوْفَاهُ بِأَخْذِ بَدَلِهِ بَقِيَ السُّدُسُ وَهُوَ سَهْمٌ لِلْعَمِّ وَكَذَا لَوْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَخَلَّفَتْ ثَلَاثَةَ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَزَوْجًا فَصَالَحَتْ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخَرَجَتْ مِنْ الْبَيْنِ كَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا: ثَلَاثَةٌ لِلزَّوْجِ، وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ، وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ عَلَى مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ ثَمَانِيَةٍ؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا سِتَّةٌ وَتَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ فَإِذَا اسْتَوْفَتْ الْأُخْتُ نَصِيبَهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ بَقِيَ خَمْسَةٌ، وَلَوْ جُعِلَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَكَانَتْ مِنْ سِتَّةٍ وَبَقِيَ سَهْمٌ لِلْعَصَبَةِ
[خَاتِمَة]
وَهَذَا آخِرُ مَا تَيَسَّرَ تَأْلِيفُهُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ جَمِيعَ الطُّلَّابِ وَمَنْ نَظَرَ فِيهِ مِنْ الْمُحِبِّينَ وَالْأَصْحَابِ وَأَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِعَفْوِهِ وَيُدْخِلَنَا دَارَ السَّلَامِ بِكَرَمِهِ وَحِلْمِهِ وَجُودِهِ وَلُطْفِهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ وَلَا حِسَابٍ وَلَا عِقَابٍ وَلَا مُعَاتَبَةٍ وَلَا مُنَاقَشَةٍ وَلَا عِتَابٍ وَأَنْ يَخْتِمَ لَنَا بِخَيْرٍ وَيَجْعَلَ لَنَا الْجَنَّةَ دَارَ مَآبٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ مَقَرَّنَا بِأَعْلَى الدَّرَجَاتِ وَيُبَلِّغَنَا أَقْصَى الْمُرَادَاتِ بِحُرْمَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدِ السَّادَاتِ وَأَنْ يُشَفِّعَ فِينَا نَبِيَّهُ الْمُصْطَفَى وَيَحْشُرَنَا فِي زُمْرَةِ مَنْ لَمْ يُعَامِلْهُ بِمَشَقَّةٍ وَلَا جَفَا آمِينَ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute