للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنَّمَا تَمَسَّكُوا فِيهِ بِمَا رَوَوْهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي صِفَةِ النِّسَاءِ «تَمْكُثُ إحْدَاكُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تُصَلِّي» وَهُوَ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ هَذَا حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ. اهـ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّهُ حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «تَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي» اهـ.

وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ لِلْمَذْهَبِ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «إذْ سَأَلَتْ عَنْ الْمَرْأَةِ تُهْرَاقُ الدِّمَاءَ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ فَلْتَتْرُكْ قَدْرَ ذَلِكَ مِنْ الشَّهْرِ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي» فَأَجَابَهَا بِذِكْرِ عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَهَا عَنْ مِقْدَارِ حَيْضِهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْأَيَّامُ عَشَرَةٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ. اهـ.

وَأَمَّا مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَقَلِّهِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ مَوْجُودَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ جَازَ وُجُودُهَا فِيمَا دُونَهُ فَلِمَ لَمْ يَجْعَلْهُ حَيْضًا. (قَوْلُهُ: فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ زَادَ اسْتِحَاضَةٌ) أَيْ مَا نَقَصَ مِنْ الْأَقَلِّ أَوْ زَادَ عَلَى الْأَكْثَرِ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّمَ إمَّا أَنْ يَكُونَ دَمَ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ اسْتِحَاضَةٍ فَانْتَفَى الْأَوَّلَانِ فَتَعَيَّنَ الثَّالِثُ وَلِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ يَمْنَعُ إلْحَاقَ غَيْرِهِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا سِوَى الْبَيَاضِ الْخَالِصِ حَيْضٌ) .

[كَيْفِيَّة الْحَيْض]

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ كَمِّيَّتِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّتِهِ اعْلَمْ أَنَّ أَلْوَانَ الدِّمَاءِ سِتَّةٌ: السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ وَالْخُضْرَةُ وَالتُّرَبِيَّةُ وَهِيَ الَّتِي عَلَى لَوْنِ التُّرَابِ نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ وَهِيَ نِسْبَةٌ إلَى التُّرْبِ بِمَعْنَى التُّرَابِ، وَيُقَالُ تُرَبِيَّةٌ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا بِغَيْرِ هَمْزَةٍ وَتَرِيبَةٌ مِثْلُ تَرِيعَةٍ وَتَرْبِيَةٌ بِوَزْنِ تَرْعِيَةٍ وَقِيلَ هِيَ مِنْ الرِّئَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى لَوْنِهَا، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَيُقَالُ أَيْضًا التُّرَابِيَّةُ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْوَانُ حَيْضٌ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ إلَى أَنْ تَرَى الْبَيَاضَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَكُونُ الْكُدْرَةُ حَيْضًا إذَا رَأَتْهَا فِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَإِذَا رَأَتْهَا فِي آخِرِهَا تَكُونُ حَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ دَمَ رَحِمٍ لَتَأَخَّرَتْ عَنْ الصَّافِي، وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ الَّتِي فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ لِتَنْظُرَ إلَيْهِ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَالْقَصَّةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فَصَحَّ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ عَائِشَةَ.

وَذَكَرَ فِي الصَّحِيحِ وَالسُّنَنِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ؛ لِأَنَّهَا قَيَّدَتْ بِمَا بَعْدَ الطُّهْرِ وَفِي التَّجْنِيسِ امْرَأَةٌ رَأَتْ بَيَاضًا خَالِصًا عَلَى الْخِرْقَةِ مَا دَامَ رَطْبًا فَإِذَا يَبِسَ اصْفَرَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيَاضِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُ الرُّؤْيَةِ لَا حَالَةُ التَّغَيُّرِ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ.

وَكَذَا لَوْ رَأَتْ حُمْرَةً أَوْ صُفْرَةً فَإِذَا يَبِسَتْ أَبْيَضَّتْ يُعْتَبَرُ حَالَةُ الرُّؤْيَةِ لَا حَالَةُ التَّغَيُّرِ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ.

وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَنْكَرَ الْخُضْرَةَ فَقَالَ لَعَلَّهَا أَكَلَتْ قَصِيلًا اسْتِبْعَادًا لَهَا قُلْنَا هِيَ نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ وَلَعَلَّهَا أَكَلَتْ نَوْعًا مِنْ الْبُقُولِ وَفِي الْهِدَايَةِ، وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ يَكُونُ حَيْضًا وَيَحْمِلُ عَلَى فَسَادِ الْغِذَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً لَا تَرَى غَيْرَ الْخُضْرَةِ يَحْمِلُ عَلَى فَسَادِ الْمَنْبَتِ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا. اهـ.

وَفِي الْبَدَائِعِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْكُدْرَةُ وَالتُّرْبَةُ وَالصُّفْرَةُ وَالْخُضْرَةُ إنَّمَا تَكُونُ حَيْضًا عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ الْعَجَائِزِ، أَمَّا فِي الْعَجَائِزِ فَيُنْظَرُ إنْ وَجَدَتْهَا عَلَى الْكُرْسُفِ وَمُدَّةُ الْوَضْعِ قَرِيبَةٌ فَهِيَ حَيْضٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُدَّةُ الْوَضْعِ طَوِيلَةً لَمْ تَكُنْ حَيْضًا؛ لِأَنَّ رَحِمَ الْعَجُوزِ يَكُونُ مُنْتِنًا فَيَتَغَيَّرُ الْمَاءُ فِيهِ لِطُولِ الْمُكْثِ وَمَا عَرَفْت الْجَوَابَ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ مِنْ الْحَيْضِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِيهَا فِي النِّفَاسِ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْحَيْضِ. اهـ.

وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَخْرِ الْأَئِمَّةِ لَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ طَلَبًا لِلتَّيْسِيرِ كَانَ حَسَنًا اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمُقْتَضَى الْمَرْوِيِّ فِي الْمُوَطَّإِ وَالْبُخَارِيِّ أَنَّ مُجَرَّدَ الِانْقِطَاعِ دُونَ رُؤْيَةِ الْقَصَّةِ لَا يَجِبُ مَعَهُ أَحْكَامُ الطَّاهِرَاتِ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِيمَا يَأْتِي كُلُّهُ بِلَفْظِ الِانْقِطَاعِ حَيْثُ يَقُولُونَ

ــ

[منحة الخالق]

[أَقَلُّ الْحَيْضِ]

(قَوْلُهُ: أَكَلَتْ قَصِيلًا إلَخْ) الْقَصِيلُ زَرْعٌ أَخْضَرُ مَقْطُوعٌ قَبْلَ أَوَانِهِ يُقَالُ قَصَلْت الدَّابَّةَ أَيْ عَلَفْتهَا الْقَصِيلَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً لَا تُرَى غَيْرَ الْخَضِرَةِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَوْنُهَا لَا تَرَى غَيْرَهَا لَيْسَ بِقَيْدٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ فِي نَفْيِ كَوْنِ مَا تَرَاهُ حَيْضًا أَنْ لَا تَرَى الدَّمَ الْخَالِصَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>