للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّحِمِ عَنْ الْحَبَلِ الَّذِي تَنْفَسُ بِوَضْعِهِ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا تَنْفَسُ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَسْتَبِنْ خَلْقُهُ فَمَا رَأَتْ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ حَبَلٌ بَلْ لَحْمٌ مِنْ الْبَطْنِ فَلَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ بِالشَّكِّ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ لَهُ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَأَمَّا مَا تَرَاهُ الْحَامِلُ وَالصَّغِيرَةُ فَلَيْسَ مِنْ الرَّحِمِ فَلَمْ يُوجَدْ الرُّكْنُ وَعَدَمُ الصِّغَرِ يُعْرَفُ بِتَقْدِيرِ أَدْنَى مُدَّةٍ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا فِيمَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ وَاخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى أَقْوَالٍ الْمُخْتَارُ مِنْهَا تِسْعٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ فِي سِنٍّ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا فِيهِ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَعِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِ بُخَارَى وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَتْرُكُ حَتَّى تَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ الْأَصَحُّ أَنَّ الْحَيْضَ مُوَقَّتٌ إلَى سِنِّ الْإِيَاسِ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ قَدَّرُوهُ بِسِتِّينَ سَنَةً وَمَشَايِخُ بُخَارَى وَخُوَارِزْمَ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ فَمَا رَأَتْ بَعْدَهَا لَا يَكُونُ حَيْضًا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا أَنْ يُحْكَمَ بِالْإِيَاسِ عَنْ الْخَمْسِينَ وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا إنْ رَأَتْ دَمًا قَوِيًّا كَالْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ الْقَانِي كَانَ حَيْضًا وَيَبْطُلُ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ قَبْلَ التَّمَامِ وَبَعْدَهُ لَا، وَإِنْ رَأَتْ صُفْرَةً أَوْ خُضْرَةً أَوْ تُرْبِيَّةً فَهِيَ اسْتِحَاضَةٌ اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ إنَّمَا يُنْتَقَضُ الْحُكْمُ بِالْإِيَاسِ بِالدَّمِ الْخَالِصِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِيمَا مَضَى حَتَّى لَا تَفْسُدَ الْأَنْكِحَةُ الْمُبَاشِرَةُ قَبْلَ الْمُعَاوَدَةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ قَضَاءُ الْقَاضِي لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْحُكْمِ بِالْإِيَاسِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ مُدَّةَ الْإِيَاسِ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ وَلَا يُحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَضَاءِ. اهـ. وَقَدْ عُلِمَ أَوَانُهُ وَوَقْتُ ثُبُوتِهِ وَسَيَأْتِي مِقْدَارُهُ وَأَلْوَانُهُ وَأَحْكَامُهُ.

(قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ) أَيْ أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، أَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى كَوْنِهَا خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ وَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ الْإِضْمَارِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الدَّمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالتَّقْدِيرُ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَيْضِ، وَأَمَّا النَّصْبُ فَعَلَى الظَّرْفِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ مُمْتَدًّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ سَاعَةً حَتَّى يَكُونَ حَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا نَادِرًا بَلْ انْقِطَاعُ الدَّمِ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ فَصَاعِدًا غَيْرُ مُبْطِلٍ لِلْحَيْضِ، كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْمُرَادُ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّتِهِ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَأَكْثَرُهَا قَدْرُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَافِي، وَإِنَّمَا حَذَفَهُ هُنَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ مِثْلَهَا مِنْ اللَّيَالِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: ٤١] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: ١٠] وَالْقَصَّةُ وَاحِدَةٌ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَوْ رَأَتْ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ السَّبْتِ وَانْقَطَعَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الثَّالِثِ وَهُوَ سَبْعٌ وَسِتُّونَ سَاعَةً عَلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ النَّوَادِرِ.

الثَّانِيَةُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيْلَتَيْنِ عَلَى مَا فِي التَّجْنِيسِ وَفِي غَيْرِهِ أَنَّهُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْبَدَائِعِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَدَدِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَصَ عَنْهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْش دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَامْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذِهِ الصِّفَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ

وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ» هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَخَرَّجَهُ الزَّيْلَعِيُّ الْمُخَرَّجُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَوَائِلَةَ وَمُعَاذٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَائِشَةَ بِطُرُقٍ ضَعِيفَةٍ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ سَرْدِهَا فَهَذِهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَعَدِّدَةِ الطُّرُقِ وَذَلِكَ يَرْفَعُ الضَّعِيفَ إلَى الْحَسَنِ، وَالْمُقَدَّرَاتُ الشَّرْعِيَّةُ مِمَّا لَا تُدْرَكُ بِالرَّأْيِ فَالْمَوْقُوفُ فِيهَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ بَلْ تَسْكُنُ النَّفْسُ بِكَثْرَةِ مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِمَّا أَجَادَ فِيهِ ذَلِكَ الرَّاوِي الضَّعِيفُ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ أَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ نَعْلَمْ فِيهِ حَدِيثًا حَسَنًا وَلَا ضَعِيفًا

ــ

[منحة الخالق]

لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ وَإِيَاسٍ؛ لِأَنَّ مَا تَرَاهُ الْآيِسَةُ أَيْ الَّتِي بَلَغَتْ خَمْسًا وَخَمْسِينَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَيْسَ حَيْضًا وَأَجَابَ مُنْلَا خُسْرو بِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا وَجْهَ لِإِدْخَالِهِ فِي الْحَدِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>