للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَرَّاءِ أَنَّهُ يُقَالُ أَيْضًا حَائِضَةٌ وَلَهُ عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ حَيْضٌ وَطَمْثٌ بِالْمُثَلَّثَةِ وَضَحِكٌ وَإِكْبَارٌ وَإِعْصَارٌ وَدِرَاسٌ وَعِرَاكٌ وَفِرَاك بِالْفَاءِ وَطَمْسٌ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَنِفَاسٌ وَزَادَ بَعْضُهُمْ " طَمْتٌ " بِالْمُثَنَّاةِ وَطَمْءٌ بِالْهَمْزَةِ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ شَرْعًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْأَنْجَاسِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ دَمٌ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ سَلِيمَةٍ عَنْ دَاءٍ وَصِغَرٍ) فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ دَمٌ غَيْرُ الْمُعَرَّفِ وَشَمَلَ الدَّمَ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ دَمُ الرُّعَافِ وَالْجِرَاحَاتِ وَمَا يَكُونُ مِنْهُ لَا مِنْ آدَمِيَّةٍ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ مِنْ الدَّمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عَنْ انْقِطَاعِ الدَّمِ، فَإِنْ أَمْسَكَ زَوْجُهَا عَنْ الْإِتْيَانِ أَحَبُّ إلَيَّ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَمْ تَخْرُجْ الِاسْتِحَاضَةُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّحِمِ هُنَا الْفَرْجُ، وَإِنَّمَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ " سَلِيمَةٍ " عَنْ دَاءٍ أَيْ دَاءٍ بِرَحِمِهَا، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّ مَرَضَ الْمَرْأَةِ السَّلِيمَةِ الرَّحِمِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَ مَا تَرَاهُ فِي عَادَتِهَا مَثَلًا حَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى وَخَرَجَ بِهِ النِّفَاسُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ بِالرَّحِمِ دَاءً بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قَالُوا: إنَّ النِّفَاسَ خَرَجَ بِهِ؛ لِأَنَّ النُّفَسَاءَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضَةِ حَتَّى اُعْتُبِرَ تَبَرُّعَاتُهَا مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ مَرَضَ الْمَرْأَةِ يَمْنَعُ كَوْنَهَا حَائِضًا، وَقَدْ عَلِمْت خِلَافَهُ، وَقَدْ خَرَجَ بِهِ أَيْضًا مَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ فَإِنَّهُ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ تِسْعِ سِنِينَ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ وَلَا يُقَالُ لَهُ اسْتِحَاضَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى صِفَةٍ لَا تَكُونُ حَيْضًا، وَلِهَذَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الِاسْتِحَاضَةُ سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ الْمُعْتَادَةِ؛ فَلِهَذَا ذَكَرَ مَا يُخْرِجُ مَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ بِقَوْلِهِ وَصِغَرٍ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لَا يَخْلُو عَنْ تَكْرَارٍ وَاسْتِدْرَاكٍ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصِّغَرِ مُسْتَدْرَكٌ، وَالِاسْتِحَاضَةُ تَكَرَّرَ إخْرَاجُهَا لِخُرُوجِهَا بِذِكْرِ الرَّحِمِ وَسَلِيمَةٍ عَنْ دَاءٍ وَتَعْرِيفُهُ بِلَا اسْتِدْرَاكٍ وَلَا تَكَرُّرٍ دَمٌ مِنْ الرَّحِمِ لَا لِوِلَادَةٍ. اهـ.

وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا التَّعْرِيفِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُنْثَى إذَا خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ وَالدَّمُ فَالْعِبْرَةُ لِلْمَنِيِّ دُونَ الدَّمِ، ثُمَّ هَذَا التَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الْحَيْضِ خَبَثٌ، أَمَّا إذَا كَانَ مُسَمَّاهُ الْحَدَثَ الْكَائِنَ عَنْ الدَّمِ الْمُحَرِّمِ لِلتِّلَاوَةِ وَالْمَسِّ كَاسْمِ الْجَنَابَةِ لِلْحَدَثِ الْخَاصِّ لَا لِلْمَاءِ الْخَاصِّ فَتَعْرِيفُهُ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ عَمَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَعَنْ الصَّوْمِ وَالْمَسْجِدِ وَالْقُرْبَانِ، وَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ لَا الْأَنْجَاسِ وَعَرَّفَهُ بِمَا فِي الْكِتَابِ فَكَانَ تَنَاقُضًا مِنْهُ.

وَأَمَّا سَبَبُهُ فَقَدْ قِيلَ إنَّ أُمَّنَا حَوَّاءَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - حِينَ تَنَاوَلَتْ مِنْ شَجَرَةِ الْخُلْدِ فَابْتَلَاهَا اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ وَبَقِيَ هُوَ فِي بَنَاتِهَا إلَى يَوْمِ التَّنَادِي بِذَلِكَ السَّبَبِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَيْضِ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ» قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْبَرُ، قَالَ النَّوَوِيُّ يَعْنِي أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ بَنِي آدَمَ، وَأَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ بُرُوزُ الدَّمِ مِنْ مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ حَتَّى تَثْبُتَ الْأَحْكَامُ بِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِالْإِحْسَاسِ بِهِ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ تَوَضَّأَتْ وَوَضَعَتْ الْكُرْسُفَ ثُمَّ أَحَسَّتْ بِنُزُولِ الدَّمِ إلَيْهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ رَفَعَتْهُ بَعْدَهُ تَقْضِي الصَّوْمَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا يَعْنِي إذَا لَمْ يُحَاذِ حَرْفَ الْفَرْجِ الدَّاخِلَ، فَإِنْ حَاذَتْهُ الْبِلَّةُ مِنْ الْكُرْسُفِ كَانَ حَيْضًا وَنِفَاسًا اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْحَدَثُ بِالْبَوْلِ وَلَوْ وَضَعَتْهُ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَتْ رَأَتْ الطُّهْرَ تَقْضِي الْعِشَاءَ فَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَرَأَتْ الْبِلَّةَ حِينَ أَصْبَحَتْ تَقْضِيهَا أَيْضًا إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَّتْهَا قَبْلَ الْوَضْعِ إنْزَالًا لَهَا طَاهِرَةً فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْ حِينِ وَضَعَتْهُ وَحَائِضًا فِي الثَّانِيَةِ حِينَ رَفَعَتْهُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ رُكْنَهُ امْتِدَادُ دَوْرِ الدَّمِ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَالْحَيْضُ لَا يَقُومُ بِهِ؛ لِأَنَّ الِامْتِدَادَ الْخَاصَّ مُعَرِّفٌ لَهُ لَا أَنَّهُ رُكْنٌ؛ لِأَنَّ الِامْتِدَادَ لَوْ كَانَ رُكْنُهُ لِمَا ثَبَتَ حُكْمُهُ قَبْلَهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ حُكْمَهُ ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ الْبُرُوزِ

وَأَمَّا شَرْطُهُ فَتَقَدَّمَ نِصَابُ الطُّهْرِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَعَدَمُ نُقْصَانِهِ عَنْ الْأَقَلِّ وَعَدَمُ الصِّغَرِ وَفَرَاغُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُخْرِجْ الِاسْتِحَاضَةَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّحِمِ الْفَرْجُ إذْ قَوْلُهُ يَنْفُضُهُ يَدْفَعُهُ لِمَا اسْتَقَرَّ أَنَّ النَّفْضَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الرَّحِمِ فَمَا فِي الشَّرْحِ مِنْ خُرُوجِ الِاسْتِحَاضَةِ أَوْلَى إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَصِغَرٍ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّ مَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ اسْتِحَاضَةٌ وَالْجَوَابُ مَنْعُ تَسْمِيَتِهِ اسْتِحَاضَةً بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَكُونُ خَارِجًا بِقَوْلِهِ سَلِيمَةً عَنْ دَاءٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ أَنَّ دَمَ الْفَسَادِ لَيْسَ عَنْ دَاءٍ وَلَكِنْ ظَاهِرُ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ عَنْ دَاءٍ فَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ سَلِيمَةٍ عَلَى أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِدَمِ الصَّغِيرَةِ اسْتِحَاضَةٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلَى صِفَةٍ لَا تَكُونُ حَيْضًا (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا التَّقْرِيرِ مِنْ الْبُعْدِ وَالتَّكَلُّفِ كَمَا عَلِمْت مِمَّا سَبَقَ فَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ وَفِي النَّهْرِ بَقِيَ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>