للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَالَبُوا الْحَدَّ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ وَمَا إذَا حَضَرُوا أَوْ حَضَرَ أَحَدُهُمْ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَمَا إذَا جُلِدَ لِلْقَذْفِ إلَّا سَوْطًا ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ فِي الْمَجْلِسِ، فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْأَوَّلَ وَلَا يُثَنَّى عَلَيْهِ لِلثَّانِي لِلتَّدَاخُلِ وَمَا إذَا قَذَفَ عَبْدًا فَأُعْتِقَ ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ فَأَخَذَهُ الْأَوَّلُ فَضُرِبَ أَرْبَعِينَ ثُمَّ أَخَذَهُ الثَّانِي قَالُوا: فَإِنَّهُ يُتِمُّ لَهُ ثَمَانِينَ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ وَقَعَ لَهُمَا فَيَبْقَى لِلْبَاقِي أَرْبَعِينَ وَلَوْ قَذَفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فَالثَّمَانُونَ تَكُونُ لَهُمَا جَمِيعًا وَلَا يُضْرَبُ ثَمَانِينَ مُسْتَأْنَفًا؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ تَمَامُهُ حَدُّ الْأَحْرَارِ فَجَازَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ الْأَحْرَارُ وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ شَرِبَ الْخَمْرَ فَضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ هَرَبَ ثُمَّ شَرِبَ ثَانِيًا ضُرِبَ حَدًّا مُسْتَقْبَلًا وَكَذَا لَوْ ضُرِبَ الزَّانِي بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ هَرَبَ وَزَنَى بِأُخْرَى.

وَلَوْ ضُرِبَ الْقَاذِفُ بَعْضَ الْحَدِّ فَهَرَبَ ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ ثُمَّ قَدِمَ إلَى الْقَاضِي يُنْظَرُ إنْ حَضَرَ الْمَقْذُوفُ الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ جَمِيعًا يُكْمَلْ الْأَوَّلُ وَيَسْقُطَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَتَدَاخَلُ، وَإِنْ حَضَرَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ يُضْرَبَ جَلْدًا مُسْتَقِلًّا لِلثَّانِي وَيَبْطُلُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إقَامَةُ الْحَدِّ الثَّانِي لِوُجُودِ دَعْوَاهُ وَلَا يُمْكِنُ الْإِقَامَةُ لِلْأَوَّلِ لِعَدَمِ دَعْوَاهُ. اهـ.

فَتَعَيَّنَ حَمْلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جُلِدَ لِلْقَذْفِ إلَّا سَوْطًا إلَى آخِرِهِ عَلَى مَا إذَا حَضَرَا جَمِيعًا وَمِنْ أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْقَذْفُ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْبَعْضَ كَمَا لَا يَخْفَى وَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ فَعَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ حَيَّيْنِ كَانَا أَوْ مَيِّتَيْنِ وَحُكِيَ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى سَمِعَ مَنْ يَقُولُ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ فَحَدَّهُ حَدَّيْنِ فِي الْمَسْجِدِ فَبَلَغَ أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ يَا لِلْعَجَبِ لِقَاضِي بَلْدَتِنَا أَخْطَأَ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي خَمْسِ مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ حَدَّهُ بِدُونِ طَلَبِ الْمَقْذُوفِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ خَاصَمَ وَجَبَ حَدٌّ وَاحِدٌ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ حَدَّيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَرَبَّصَ بَيْنَهُمَا يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى يَخِفَّ أَثَرُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، وَالرَّابِعُ ضَرَبَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْخَامِسُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَرَّفَ أَنَّ وَالِدَيْهِ فِي الْأَحْيَاءِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَا حَيَّيْنِ فَالْخُصُومَةُ لَهُمَا وَإِلَّا فَالْخُصُومَةُ لِلِابْنِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ فَحَدٌّ أَنَّ الْحَدَّ وَقَعَ بَعْدَ الْفِعْلِ الْمُتَكَرِّرِ إذْ لَوْ حُدَّ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ فَعَلَ الثَّانِي يُحَدُّ حَدًّا آخَرَ لِلثَّانِي سَوَاءٌ كَانَ قَذْفًا أَوْ زِنًا أَوْ شُرْبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا قَذَفَ رَجُلًا فَحُدَّ لَهُ ثُمَّ عَادَ فَقَذَفَهُ ثَانِيًا، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ إظْهَارُ كَذِبِ الْقَاذِفِ وَدَفْعُ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ قَدْ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الثَّانِي صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ عِنْدَ مَسْأَلَةِ سَرِقَةِ الْعَيْنِ ثَانِيًا بَعْدَ مَا قُطِعَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ بِالْحَدِّ الْأَوَّلِ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ فِي إخْبَارٍ مُسْتَقْبَلٍ إنَّمَا ظَهَرَ كَذِبُهُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مَاضِيًا قَبْلَ الْحَدِّ.

وَلِهَذَا ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عِنْدَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَصَارَ كَمَا لَوْ قَذَفَ شَخْصًا فَحُدَّ بِهِ ثُمَّ قَذَفَهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزِّنَا بِأَنْ قَالَ أَنَا بَاقٍ عَلَى نِسْبَتِي إلَيْهِ الزِّنَا الَّذِي نَسَبْته إلَيْهِ لَا يُحَدُّ ثَانِيًا فَكَذَا هَذَا أَمَّا إذَا قَذَفَهُ بِزِنًا آخَرَ حُدَّ بِهِ. اهـ.

لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَنْ قَذَفَ إنْسَانًا فَحُدَّ ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا لَمْ يُحَدَّ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ لَمَّا شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بِالزِّنَا وَجَلَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِقُصُورِ الْعَدَدِ بِالشَّهَادَةِ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَحَافِلِ أَشْهَدُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ لِزَانٍ فَأَرَادَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَحُدَّهُ ثَانِيًا فَمَنَعَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَجَعَ إلَى قَوْلِهِ وَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعًا. اهـ.

بِلَفْظِهِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ إطْلَاقُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ التَّدَاخُلَ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ وَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا مَا إذَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ الْمُخْتَلِفَةُ كَيْفَ يُفْعَلُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ حَدَّانِ وَقَدَرَ عَلَى دَرْءِ أَحَدِهِمَا دَرَأَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ بِأَنْ اجْتَمَعَ حَدُّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَالشُّرْبِ، وَالْقَذْفِ، وَالْفَقْءِ بَدَأَ بِالْفَقْءِ، فَإِذَا بَرَأَ حُدَّ لِلْقَذْفِ، فَإِذَا بَرَأَ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِالْقَطْعِ، وَإِنْ شَاءَ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا وَحَدُّ الشُّرْبِ آخِرُهَا لِثُبُوتِهِ بِالِاجْتِهَادِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا يَبْدَأَ بِالْفَقْءِ ثُمَّ بِحَدِّ الْقَذْفِ ثُمَّ بِالرَّجْمِ وَيُلْغِي غَيْرَهَا اهـ.

قَالُوا وَلَا يُقَامُ حَدٌّ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا قَوَدٌ وَلَا تَعْزِيرٌ

ــ

[منحة الخالق]

[قَاذِفُ وَاطِئِ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ وَحَائِضٍ وَمُكَاتَبَةٍ وَمُسْلِمٍ نَكَحَ أُمَّهُ فِي كُفْرِهِ]

(قَوْلُهُ: فَظَهَرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ إطْلَاقُ الْمَسْأَلَةِ إلَخْ) أَيْ ظَهَرَ مِمَّا ذَكَرَهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ بِقَوْلِهِ لَمْ يُحَدَّ أَنَّ الْمَذْهَبَ إطْلَاقُ الْمَسْأَلَةِ عَمَّا قَيَّدَهَا بِهِ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الظَّهِيرِيَّةِ مُطْلَقٌ مِثْلُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَ تَقْيِيدَهُ؛ لِأَنَّ اسْتِدْلَالَهُ بِالْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ يُنَافِيه؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ لِزَانٍ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالزِّنَا الْأَوَّلِ وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنَّ الْمُرَادَ الزِّنَا الْأَوَّلُ الَّذِي عَايَنَهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَالْفَقْءُ) أَيْ لَوْ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ كَمَا فِي النَّهْرِ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَهَابُ الْبَصَرِ تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>