جَمَاعَةٌ أَنَّ أَهْلَ بَلَدِ كَذَا رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَبْلَكُمْ بِيَوْمٍ فَصَامُوا، وَهَذَا الْيَوْمُ ثَلَاثُونَ بِحِسَابِهِمْ، وَلَمْ يَرَوْا هَؤُلَاءِ الْهِلَالَ لَا يُبَاحُ فِطْرُ غَدٍ، وَلَا تُتْرَكُ التَّرَاوِيحُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ لَمْ يَشْهَدُوا بِالرُّؤْيَةِ، وَلَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا حَكَوْا رُؤْيَةَ غَيْرِهِمْ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا شَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةِ كَذَا وَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا جَازَ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ، وَقَدْ شَهِدُوا بِهِ، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّارِحُ عَلَى اعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ مِنْ وَاقِعَةِ الْفَضْلِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ حِينَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ بِالشَّامِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَلَمْ يَعْتَبِرْهُ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ مَا رَآهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ، وَلَا عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ وَلَئِنْ سَلِمَ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَلَئِنْ سَلِمَ فَهُوَ وَاحِدٌ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَى الْقَاضِي، وَالْمَطَالِعُ جَمْعُ مَطْلِعٍ بِكَسْرِ اللَّامِ مَوْضِعُ الطُّلُوعِ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ.
(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ) الْفَسَادُ وَالْبُطْلَانُ فِي الْعِبَادَاتِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَهِيَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ انْدِفَاعُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ بِالْإِتْيَانِ بِالشَّرَائِطِ، وَالْأَرْكَانِ، وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ الْوَضْعِيَّةِ، وَقَدْ أُنْكِرَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا حُكْمُنَا بِهِ عَقْلِيٌّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ بِخِلَافِهِمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ، فَإِنَّ تَرَتُّبَ أَثَرِ الْمُعَامَلَةِ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ شَرْعًا هُوَ الْفَسَادُ، وَغَيْرُ مَطْلُوبِ التَّفَاسُخِ هُوَ الصِّحَّةُ، وَعَدَمُ تَرَتُّبِ الْأَثَرِ أَصْلًا هُوَ الْبُطْلَانُ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَكَلَ الصَّائِمُ، أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا إلَى آخِرِهِ) لِحَدِيثِ الْجَمَاعَةِ إلَّا النَّسَائِيّ «مَنْ نَسِيَ، وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» وَالْمُرَادُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيُّ لَا اللُّغَوِيُّ الَّذِي هُوَ مُطْلَقُ الْإِمْسَاكِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ حَيْثُ أَمْكَنَ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ وَاجِبٌ خُصُوصًا قَدْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْك» وَعِنْدَ الْبَزَّارِ «فَلَا يُفْطِرْ» وَأُلْحِقَ الْجِمَاعُ بِهِ دَلَالَةً لِلِاسْتِوَاءِ فِي الرُّكْنِيَّةِ لَا قِيَاسًا فَانْدَفَعَ بِهِ الْقِيَاسُ الْمُقْتَضِي لِلْفِطْرِ لِفَوَاتِ الرُّكْنِ، وَحَقِيقَةُ النِّسْيَانِ عَدَمُ اسْتِحْضَارِ الشَّيْءِ وَقْتَ حَاجَتِهِ قَالُوا: وَلَيْسَ عُذْرًا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِي حُقُوقِهِ - تَعَالَى - عُذْرٌ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ أَمَّا الْحُكْمُ فَإِنْ كَانَ مَعَ مُذَكِّرٍ، وَلَا دَاعِيَ إلَيْهِ كَأَكْلِ الْمُصَلِّي لَمْ يَسْقُطْ لِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ سَلَامِهِ فِي الْقَعْدَةِ فَإِنَّهُ سَاقِطٌ لِوُجُودِ الدَّاعِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ مُذَكِّرٍ وَلَهُ دَاعٍ كَأَكْلِ الصَّائِمِ سَقَطَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مُذَكِّرٌ، وَلَا دَاعٍ فَأَوْلَى بِالسُّقُوطِ كَتَرْكِ الذَّابِحِ التَّسْمِيَةَ، وَخَرَجَ مَا إذَا أَكَلَ نَاسِيًا فَذَكَّرَهُ إنْسَانٌ بِالصَّوْمِ، وَلَمْ يَتَذَكَّرْ فَأَكَلَ فَسَدَ صَوْمُهُ فِي الصَّحِيحِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِأَنَّ هَذَا الْأَكْلَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ مَقْبُولٌ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى تَأَمُّلِ الْحَالِ لِوُجُودِ الْمُذَكِّرِ
ــ
[منحة الخالق]
أَوْلَى، وَإِذَا كَانَتْ الِاسْتِفَاضَةُ فِي حُكْمِ الثُّبُوتِ لَزِمَ الْعَمَلُ بِهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِفَاضَةِ تَوَاتُرُ الْخَبَرِ مِنْ الْوَارِدِينَ مِنْ بَلْدَةِ الثُّبُوتِ إلَى الْبَلْدَةِ الَّتِي لَمْ يَثْبُتْ بِهَا لَا مُجَرَّدُ الِاسْتِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مَبْنِيَّةً عَلَى إخْبَارِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَثَلًا فَيَشِيعُ الْخَبَرُ عَنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَا يَكْفِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: إذَا اسْتَفَاضَ الْخَبَرُ، وَتَحَقَّقَ فَإِنَّ التَّحْقِيقَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَا
(تَتِمَّةٌ) لَمْ يَذْكُرُوا عِنْدَنَا الْعَمَلَ بِالْأَمَارَاتِ الظَّاهِرَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الشَّهْرِ كَضَرْبِ الْمَدَافِعِ فِي زَمَانِنَا وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهَا عَلَى مَنْ سَمِعَهَا مِمَّنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمِصْرِ كَأَهْلِ الْقُرَى وَنَحْوِهَا كَمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا الْحَاكِمَ قَبْلَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ الشَّافِعِيَّةُ فَصَرَّحَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْإِمَارَةِ الظَّاهِرَةِ الدَّالَّةِ الَّتِي لَا تَتَخَلَّفُ عَادَةً كَرُؤْيَةِ الْقَنَادِيلِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْمَنَائِرِ قَالَ: وَمُخَالَفَةُ جَمْعٍ فِي ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحَة اهـ.
[بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ]
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: يَعْنِي: الْفَسَادُ وَالْبُطْلَانُ فِي الْمُعَامَلَاتِ مُتَسَاوِيَانِ، وَفِي الْعِبَادَاتِ مُتَغَايِرَانِ وَقَوْلُهُ: مَطْلُوبَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِيَّةِ وَقَوْلُهُ: هُوَ الْفَسَادُ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ إنَّ يَعْنِي أَنَّ الْعَقْدَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْفَسْخِ فَاسِدٌ، وَغَيْرُ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ صَحِيحٌ، وَاَلَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا بَاطِلٌ (قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهِ) إنَّمَا أَتَى بِهَذِهِ الْغَايَةِ لِصِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يُفْطِرْ الَّذِي هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ الِاسْتِدْلَال عَلَى عَدَمِ الْفِطْرِ فِيمَا ذَكَرَهُ فَقَطْ لَا فِيمَا عَطَفَ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ: أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ الْجَمَاعَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: الْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا كَفَّارَةَ» لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِالصَّوْمِ اللُّغَوِيُّ؛ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ فِطْرِهِ يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا، وَبِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِمْ: إذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثَبَتَ فِي الْجِمَاعِ دَلَالَةً؛ إذْ لَفْظُ أَفْطَرَ يَعُمُّ مَا إذَا كَانَ بِالْجِمَاعِ أَيْضًا
(قَوْلُهُ: فَسَدَ صَوْمُهُ فِي الصَّحِيحِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute