للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً كَهِلَالِ رَمَضَانَ اهـ.

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ لَا الْجَمْعِ الْكَثِيرِ لَكِنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ كَانَ بِالْمِصْرِ وَخَارِجِهِ وَبَيْنَ الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ وَغَيْرِهِ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: أَمَّا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ) أَيْ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ كَهِلَالِ شَوَّالٍ فَلَا يَثْبُتُ بِالْغَيْمِ إلَّا بِرَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَأَمَّا حَالَةُ الصَّحْوِ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ الْعَدَدِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَهِلَالِهِ دُونَ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعِبَادِ، وَهُوَ التَّوَسُّعُ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ أَمْرٌ دِينِيٌّ، وَهُوَ وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالتَّبْيِينِ وَصَحَّحَ الثَّانِيَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ لَكِنْ تَأَيَّدَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِ بَقِيَّةِ الْأَهِلَّةِ التِّسْعَةِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ الْكَبِيرِ وَأَمَّا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَهِلَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولٍ أَحْرَارٍ غَيْرِ مَحْدُودِينَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ) فَإِذَا رَآهُ أَهْلُ بَلْدَةٍ، وَلَمْ يَرَهُ أَهْلُ بَلْدَةٍ أُخْرَى وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَصُومُوا بِرُؤْيَةِ أُولَئِكَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ، وَيَلْزَمُ أَهْلَ الْمَشْرِقِ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ فَلَا يَلْزَمُهُمْ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِمْ إذَا اخْتَلَفَ الْمَطْلِعُ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرَّاوِيَةِ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بِحَيْثُ يَخْتَلِفُ الْمَطْلِعُ أَوَّلًا وَقَيَّدْنَا بِالثُّبُوتِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ) خَبَرُ قَوْلِهِ فَرَّقَ، وَفِي الذَّخِيرَةِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً إذَا كَانَ هَذَا الْوَاحِدُ فِي الْمِصْرِ، وَأَمَّا إذَا جَاءَ خَارِجَ الْمِصْرِ، أَوْ جَاءَ مِنْ أَعْلَى الْأَمَاكِنِ فِي مِصْرٍ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ وَذَكَرَ فِي الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ تُقْبَلُ، وَفِي الْأَقْضِيَةِ صَحَّحَ رِوَايَةَ الطَّحَاوِيِّ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهَا.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي الْأَهِلَّةِ التِّسْعَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ أَمْ لَا فِي قَبُولِ الرَّجُلَيْنِ أَوْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِاشْتِرَاطِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ، وَهِيَ تَوَجُّهُ الْكُلِّ طَالِبِينَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِهِلَالِ شَعْبَانَ، وَلَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ يَثْبُتُ، وَإِذَا ثَبَتَ يَثْبُتُ رَمَضَانُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ يَوْمِ ثُبُوتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لَكِنْ بَعْدَ اجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيِّ فَإِنْ قُلْت: فِيهِ إثْبَاتُ الرَّمَضَانِيَّةِ مَعَ عَدَمِ الْعِلَّةِ بِخَبَرِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ قَدْ نَفَيْتُمُوهُ قُلْت: ثُبُوتُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ضِمْنِيٌّ، وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيَّاتِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْقَصْدِيَّاتِ تَأَمَّلْ اهـ.

لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْإِمْدَادِ بِخِلَافِهِ فَاشْتَرَطَ الْجَمْعَ الْعَظِيمَ حَيْثُ لَا عِلَّةَ وَيُوَافِقُهُ إطْلَاقُ عِبَارَةِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ حَيْثُ قَالَ: وَأَثْبَتُوهُ بِقَوْلِ عَدْلٍ إنْ اعْتَلَّ الْمَطْلِعُ، وَشَرَطَ لِلْفِطْرِ حُرَّانِ أَوْ حُرٌّ وَحُرَّتَانِ وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَلَّ فَجَمْعٌ عَظِيمٌ لِلْكُلِّ، وَالِاكْتِفَاءُ بِالِاثْنَيْنِ رِوَايَةٌ اهـ.

لَكِنَّ قَوْلَهُ لِلْكُلِّ يَحْتَمِلُ كُلَّ الْأَشْهُرِ وَيَحْتَمِلُ كُلَّ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِهِ، وَهُوَ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِغَيْرِهَا، وَصَاحِبُ الْإِمْدَادِ شَدِيدُ الْمُتَابَعَةِ لِصَاحِبِ الْمَوَاهِبِ فَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُهُ ذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ احْتِمَالِ الْعِبَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: وَقَيَّدْنَا بِالثُّبُوتِ الْمَذْكُورِ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية، وَفِي الْمُغْنِي قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْخَبَرَ إذَا اسْتَفَاضَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى، وَتَحَقَّقَ يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ اهـ.

وَعَزَاهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ إلَى الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا نَصُّهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْخَبَرَ إذَا اسْتَفَاضَ وَتَحَقَّقَ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الْبَلْدَةِ الْأُخْرَى يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ هَذِهِ الْبَلْدَةِ اهـ.

قُلْت: وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ فِي دِمَشْقَ سَنَةَ ١٢٣٩ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ ثَبَتَ رَمَضَانُ بِدِمَشْقَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ وَكَانَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ثُمَّ اسْتَفَاضَ الْخَبَرُ عَنْ أَهْلِ بَيْرُوتَ وَأَهْلِ حِمْصَ أَنَّهُمْ صَامُوا الْخَمِيسَ لَكِنْ اسْتَفَاضَ الْخَبَرُ عَنْ عَامَّةِ الْبِلَادِ سِوَى هَذَيْنِ الْبَلَدَيْنِ أَنَّهُمْ صَامُوا الْجُمُعَةَ مِثْلَ دِمَشْقَ فَهَلْ تُعْتَبَرُ الِاسْتِفَاضَةُ الْأُولَى فِي مُخَالَفَتِهَا لِلثَّانِيَةِ أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ يَقْتَضِي غَلَطَ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَتَيْنِ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَرَأَى الْهِلَالَ وَاحِدٌ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ مِنْ بَيْنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ ظَاهِرٌ فِي الْغَلَطِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْبِلَادِ بُعْدٌ كَثِيرٌ بِحَيْثُ تَخْتَلِفُ بِهِ الْمَطَالِعُ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْإِطْلَاقِ يَقْتَضِي لُزُومَهُ عَامَّةَ الْبِلَادِ مَا ثَبَتَ عِنْدَ بَلْدَةٍ أُخْرَى فَكُلُّ مَنْ اسْتَفَاضَ عِنْدَهُمْ خَبَرُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ يَلْزَمُهُمْ اتِّبَاعُ أَهْلِهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَغْرِب؛ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْمَشْرِقِ جَمِيعَهُمْ بَلْ بَلْدَةٌ وَاحِدَةٌ تَكْفِي كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ الَّتِي تَخْتَلِفُ فِيهَا الْمَطَالِعُ فَمَعَ قُرْبِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>