للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ تَعْرِيفٌ لِلْمُسْتَحَاضَةِ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ قَدْ تَكُونُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ بِأَنْ لَا يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتٌ إلَّا وَهُوَ يُوجَدُ فِيهِ وَاخْتَارَ تَعْرِيفًا لِلْمُسْتَحَاضَةِ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَرَى الدَّمَ مُسْتَغْرِقًا وَقْتَ صَلَاةٍ فِي الِابْتِدَاءِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ اسْتِمْرَارٍ فِي الْبَقَاءِ فِي زَمَانٍ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. اهـ.

وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لَهَا لَا تَعْرِيفٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا تَعْرِيفَ الِاسْتِحَاضَةِ.

[أَحْكَام النِّفَاسُ]

(قَوْلُهُ وَالنِّفَاسُ دَمٌ يَعْقُبُ الْوَلَدَ) شَرْعًا وَفِي اللُّغَةِ هُوَ مَصْدَرُ نَفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا إذَا وَلَدَتْ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَهُنَّ نِفَاسٌ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الدَّمُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ الَّتِي هِيَ اسْمٌ لِجُمْلَةِ الْحَيَوَانِ قِوَامُهَا بِالدَّمِ وَقَوْلُهُمْ النِّفَاسُ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِيبَ الْوَلَدِ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ كَالْحَيْضِ، فَأَمَّا اشْتِقَاقُهُ مِنْ تَنَفُّسِ الرَّحِمِ أَوْ خُرُوجِ النَّفْسِ بِمَعْنَى الْوَلَدِ فَلَيْسَ بِذَاكَ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا لَا تَكُونُ نُفَسَاءَ، ثُمَّ يَجِبُ الْغُسْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ لَا تَخْلُوا ظَاهِرًا عَنْ قَلِيلِ دَمٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالنِّفَاسِ وَلَمْ يُوجَدْ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هِيَ نُفَسَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ صَائِمَةً وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهَا اهـ.

فَلَوْ لَمْ تَكُنْ نُفَسَاءَ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهَا وَصَحَّحَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعْزِيًّا إلَى الْمُفِيدِ وَقَالَ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ بِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ مَعَ الْوَلَدِ إذْ لَا تَخْلُو عَنْ رُطُوبَةٍ وَصَحَّحَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلَ الْإِمَامِ بِالْوُجُوبِ، وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ قَالَ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ وَفِي الْعِنَايَةِ، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالدَّمِ الدَّمَ الْخَارِجَ عَقِبَ الْوِلَادَةِ مِنْ الْفَرْجِ فَإِنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ مِنْ قِبَلِ سُرَّتِهَا بِأَنْ كَانَ بِبَطْنِهَا جُرْحٌ فَانْشَقَّتْ وَخَرَجَ الْوَلَدُ مِنْهَا تَكُونُ صَاحِبَةَ جُرْحٍ سَائِلٍ لَا نُفَسَاءَ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا وَقَعَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إلَّا إذَا سَالَ الدَّمُ مِنْ الْأَسْفَلِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْ السُّرَّةِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ خُرُوجُ الدَّمِ مِنْ الرَّحِمِ عَقِبَ الْوِلَادَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ

الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِبَ خُرُوجِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ كَالْخَارِجِ عَقِبَ كُلِّهِ فَيَكُونُ نِفَاسًا، وَإِنْ خَرَجَ الْأَقَلُّ لَا يَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ النُّفَسَاءِ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهَا الصَّلَاةُ وَلَوْ لَمْ تُصَلِّ تَكُونُ عَاصِيَةً لِرَبِّهَا، ثُمَّ كَيْفَ تُصَلِّي قَالُوا يُؤْتَى بِقِدْرٍ فَيُجْعَلُ الْقِدْرُ تَحْتَهَا أَوْ يُحْفَرُ لَهَا حَفِيرَةٌ وَتَجْلِسُ هُنَاكَ وَتُصَلِّي كَيْ لَا تُؤْذِيَ وَلَدَهَا، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَنَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ إذَا خَرَجَ أَكْثَرُهُ لَا يَكُونُ نِفَاسًا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا النِّفَاسُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِوَضْعِ الْحَمْلِ كُلِّهِ (قَوْلُهُ وَدَمُ الْحَامِلِ اسْتِحَاضَةٌ) لِانْسِدَادِ فَمِ الرَّحِمِ بِالْوَلَدِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ دَمٌ، ثُمَّ يَخْرُجُ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ لِلِانْفِتَاحِ بِهِ وَلِذَا حَكَمَ الشَّارِعُ بِكَوْنِ وُجُودِ الدَّمِ دَلِيلًا عَلَى فَرَاغِ الرَّحِمِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا لَا تُنْكَحُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» وَأَفَادَ أَنَّ مَا تَرَاهُ مِنْ الدَّمِ فِي حَالِ وِلَادَتِهَا قَبْلَ خُرُوجِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ اسْتِحَاضَةٌ فَتَتَوَضَّأُ إنْ قَدَرَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ تَتَيَمَّمُ وَتُومِئُ بِالصَّلَاةِ وَلَا تُؤَخِّرُ فَمَا عُذْرُ الصَّحِيحِ الْقَادِرِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى.

(قَوْلُهُ: وَالسِّقْطُ إنْ ظَهَرَ بَعْضُ خَلْقِهِ وَلَدًا) وَهُوَ بِالْكَسْرِ وَالتَّثْلِيثُ لُغَةٌ، كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَهُوَ الْوَلَدُ السَّاقِطُ قَبْلَ تَمَامِهِ وَهُوَ كَالسَّاقِطِ بَعْدَ تَمَامِهِ فِي الْأَحْكَامِ فَتَصِيرُ الْمَرْأَةُ بِهِ نُفَسَاءَ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ إذَا ادَّعَاهُ الْمَوْلَى وَيَحْنَثُ بِهِ لَوْ كَانَ عَلَّقَ يَمِينَهُ بِالْوِلَادَةِ وَلَا يَسْتَبِينُ خَلْقُهُ إلَّا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ ثُبُوتِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ إلَخْ) فَهُوَ تَسْمِيَةُ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ الدَّمُ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ مَعْنًى (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِ صَوْمِهَا إثْبَاتُ نِفَاسِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ احْتِيَاطًا أَيْضًا كَالْغُسْلِ، وَقَدْ جَعَلَ فِي السِّرَاجِ الْعِلَّةَ فِيهِمَا وَاحِدَةً وَهِيَ الِاحْتِيَاطُ وَكَيْفَ سَلَّمَ أَنَّ إيجَابَ الْغُسْلِ عَلَيْهَا لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ نِفَاسِهَا وَلَمْ يُسَلِّمْهُ فِي الصَّوْمِ وَلَمْ يَلُحْ لِي وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا نَعَمْ ظَاهِرُ مَا فِي الشَّرْحِ يُفِيدُ أَنَّهَا تَكُونُ نُفَسَاءَ عِنْدَ الْإِمَامِ. اهـ.

قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْغُسْلَ وَسِيلَةٌ فَلَا يَسْتَلْزِمُ لِكَوْنِهِ تَابِعًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَعَلَّلَ الزَّيْلَعِيُّ وُجُوبَ الْغُسْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَذَكَرَ أَنَّهُ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ بِأَنَّ نَفْسَ خُرُوجِ الْوَلَدِ نِفَاسٌ وَهَذَا جَزْمٌ بِأَنَّهَا عِنْدَهُ نُفَسَاءُ لَا ظَاهِرًا فَقَطْ كَمَا زَعَمَ فِي النَّهْرِ. اهـ.

وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَا فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا وَلَمْ تَرَ دَمًا فَهِيَ نُفَسَاءُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ هِيَ طَاهِرَةٌ. اهـ.

وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالنِّفَاسُ دَمٌ أَيْ خُرُوجُ دَمٍ حَقِيقِيٍّ أَوْ حُكْمِيٍّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ فِي مُدَّتِهِ وَنِفَاسُ مَنْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ.

وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ صَاحِبُ فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَبِينُ خَلْقُهُ إلَّا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: إنَّمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ هَذَا فِي نِكَاحِ الرَّقِيقِ وَكَوْنُ الْمُرَادِ بِهِ مَا ذَكَرَ مَمْنُوعٌ فَقَدْ وَجَّهَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً وَأَرْبَعِينَ عَلَقَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>