للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُدَّةَ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ الْأُجْرَةِ حَوْلَانِ عِنْدَ الْكُلِّ حَتَّى لَا تَسْتَحِقَّ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ إجْمَاعًا وَتَسْتَحِقُّ فِي الْحَوْلَيْنِ إجْمَاعًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ وُجُوبَ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى عَقْدِ إجَارَةٍ مَعَ الْأُمِّ، بَلْ تَسْتَحِقُّهُ بِالْإِرْضَاعِ مُطْلَقًا فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِفِقْهٍ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِذَا أَقَرَّتْ الْمُعْتَدَّةُ أَنَّهَا قَبَضَتْ نَفَقَةَ أَوْلَادِهَا الصِّغَارِ لِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ قَالَتْ إنَّهَا قَبَضَتْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَنَفَقَةُ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ قَالَتْ ضَاعَتْ النَّفَقَةُ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ عَلَى أَبِيهِمْ بِنَفَقَتِهِمْ دُونَ حِصَّتِهَا اهـ.

(قَوْلُهُ وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ لَوْ فُقَرَاءَ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِهَؤُلَاءِ أَمَّا الْأَبَوَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] ، أُنْزِلَتْ فِي الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ وَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنَّ الِابْنَ يَعِيشُ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتْرُكُهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا، وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَلِأَنَّهُمَا مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَلِهَذَا يَقُومُ الْجَدُّ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ؛ وَلِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا لِإِحْيَائِهِ فَاسْتَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْإِحْيَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبَوَيْنِ وَشَرَطَ الْفَقْرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَا مَالٍ فَإِيجَابُ النَّفَقَةِ فِي مَالِهِ أَوْلَى مِنْ إيجَابِهَا فِي مَالِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ حَيْثُ تَجِبُ مَعَ الْغِنَى؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْحَبْسِ الدَّائِمِ كَرِزْقِ الْقَاضِي، وَلَوْ ادَّعَى الْوَلَدُ غِنَى الْأَبِ وَأَنْكَرَ الْأَبُ فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ وَالْبَيِّنَةُ لِلِابْنِ وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ إذَا كَانَ الْأَبُ مُحْتَاجًا وَأَبَى الِابْنُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ ثَمَّةَ قَاضٍ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَيْهِ لَهُ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَبِوُجُودِ قَاضٍ ثَمَّةَ يَأْثَمُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ وَبِإِعْطَاءِ الِابْنِ مَا لَا يَكْفِيهِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَى أَنْ تَقَعَ الْكِفَايَةُ وَبِسَرِقَتِهِ مَا فَوْقَ الْكِفَايَةِ يَأْثَمُ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا وَلَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْرِقَ مَالَ ابْنِهِ اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي الِابْنِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْغِنَى مَعَ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِهِ لِمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ الْمُعْسِرَيْنِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا إلَّا إذَا كَانَ بِهِمَا زَمَانَةٌ أَوْ بِهِمَا فَقْرٌ فَقَطْ فَإِنَّهُمَا يَدْخُلَانِ مَعَ الِابْنِ وَيَأْكُلَانِ مَعَهُ وَلَا يَفْرِضُ لَهُمَا نَفَقَةً عَلَى حِدَةٍ اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الِابْنِ الْفَقِيرِ نَفَقَةُ وَالِدِهِ الْفَقِيرِ حُكْمًا إذَا كَانَ الْوَالِدُ يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَإِنْ كَانَ الْوَالِدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى عَمَلٍ أَوْ كَانَ زَمَنًا وَلِلِابْنِ عِيَالٌ كَانَ عَلَى الِابْنِ أَنْ يَضُمَّ الْأَبَ إلَى عِيَالِهِ وَيُنْفِقَ عَلَى الْكُلِّ وَالْمُوسِرُ فِي هَذَا الْبَابِ مَنْ يَمْلِكُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِنَفَقَةٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ النُّسْخَةَ لَيْسَ بِنَفَقَةٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي قَدَّمَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ فِي هَذِهِ الْقَوْلَةِ حَيْثُ قَالَ لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا أُجْرَةٌ وَلَيْسَتْ بِنَفَقَةٍ.

[نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ]

(قَوْلُهُ: أَوْ بِهِمَا فَقْرٌ فَقَطْ) أَيْ بِدُونِ زَمَانَةٍ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَقْدِرَا عَلَى الْعَمَلِ كَمَا يَأْتِي فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ فِي الْمُعْسِرَيْنِ فَمَا مَعْنَى اسْتِثْنَاءِ مَا إذَا كَانَ بِهِمَا فَقْرٌ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ عَلَى الِابْنِ الْفَقِيرِ نَفَقَةُ وَالِدِهِ الْفَقِيرِ إلَخْ) يُوَافِقُ هَذَا قَوْلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَى الرَّجُلِ أَيْ الْمُوسِرِ حَيْثُ فَسَّرَهُ بِالْمُوسِرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْفَقِيرِ، وَكَذَا قَالَ فِي مَتْنِ الدُّرَرِ وَعَلَى الْمُوسِرِ يَسَارَ الْفِطْرَةِ لِأُصُولِهِ الْفُقَرَاءِ إلَخْ وَمِثْلُهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى وَالنُّقَايَةِ وَالْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهَا فَكُلُّهُمْ قَيَّدُوا بِالْيَسَارِ وَفِي الِاخْتِيَارِ وَكَافِي الْحَاكِمِ وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى فَقِيرٍ إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَلِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ. اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَى الِابْنِ الْفَقِيرِ لِأَبِيهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ فَقِيرًا وَالْأَبُ فَقِيرًا صَحِيحَ الْبَدَنِ لَمْ يُجْبَرْ الِابْنُ عَلَى نَفَقَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ زَمِنًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ فَيُشَارِكُ الِابْنَ فِي نَفَقَتِهِ وَالْأُمُّ الْفَقِيرَةُ كَالْأَبِ الزَّمِنِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَيُجْبَرُ الرَّجُلُ الْمُوسِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ إذَا كَانَا مُحْتَاجَيْنِ قُلْت لَكِنْ يُخَالِفُ هَذَا مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْفَتْحِ لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْ الْأَبُ وَالِابْنُ كَسُوبًا يَجِبُ أَنْ يَكْتَسِبَ الِابْنُ وَيُنْفِقَ عَلَى الْأَبِ. اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى شَرَطَا فِي الْكِتَابِ لِنَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ كَوْنَ الِابْنِ مُوسِرًا وَيَمْلِكُ نِصَابَ الزَّكَاةِ وَاعْتَبَرَ الْخَصَّافُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْيَسَارَ، ثُمَّ حَكَى فِي مَسْأَلَةِ الْفَتْحِ قَوْلَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَالْمُتُونِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ فَهُوَ رِوَايَةُ الْخَصَّافِ وَعَلَيْهَا مَشَى فِي الْبَدَائِعِ.

(قَوْلُهُ: وَلِلِابْنِ عِيَالٌ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ لَا يَضُمُّ الْأَبَ إلَى نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكْفِهِمَا كَسْبُهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى أَنْ يُدْخِلَ الْأَبَ فِي قُوتِهِ إذَا كَانَ مَا يُصِيبُ الِابْنُ مِنْ ذَلِكَ الْقُوتِ يُقِيمُ بَدَنَهُ وَلَا يَضُرُّهُ إضْرَارًا يَمْنَعُهُ مِنْ الْكَسْبِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ ضَاعَ الْأَبُ إلَّا أَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَ الِابْنُ وَحْدَهُ فَلَوْ لَهُ زَوْجَةٌ وَأَوْلَادٌ صِغَارٌ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَالْقَاضِي يُجْبِرُهُ عَلَى أَنْ يُدْخِلَ الْأَبَ فِي كَسْبِهِ وَيَجْعَلَهُ كَأَحَدِ عِيَالِهِ وَلَا يُجْبِرَهُ أَنْ يُعْطِيَ لَهُ شَيْئًا عَلَى حِدَةٍ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا أَدْخَلَهُ فِي طَعَامِ عِيَالِهِ يَقِلُّ الضَّرَرُ؛ لِأَنَّ طَعَامَ الْأَرْبَعَةِ إذَا فُرِّقَ عَلَى الْخَمْسَةِ لَا يَتَضَرَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَرَرًا فَاحِشًا أَمَّا إذَا أُدْخِلَ الْوَاحِدُ فِي طَعَامِ الْوَاحِدِ يَتَفَاحَشُ الضَّرَرُ، ثُمَّ قَالَ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْأَبُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ.

(قَوْلُهُ: كَانَ عَلَى الِابْنِ أَنْ يَضُمَّ الْأَبَ إلَى عِيَالِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُطْعِمُهُ مَعَ عِيَالِهِ وَكَثِيرًا مَا يُسْأَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>