للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي هُرَيْرَةَ «سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا» ، فَإِنْ صَحَّتْ وَجَبَ تَرْجِيحُ أَنَّهَا لِلْحَدَثِ اهـ.

وَاتَّفَقُوا أَنَّ حُكْمَهُ بَعْدَهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا الطَّهَارَةُ؛ وَلِذَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ إنَّمَا مَنَعُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ نَجَاسَتِهِ خَطَأً وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ، وَأَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ حَامِلِهِ بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ وَكَفَنُهُ سُنَّةً: إزَارٌ وَقَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ» وَسَحُولُ بِفَتْحِ السِّينِ قَرْيَةٌ بِالْيَمَنِ وَالْإِزَارُ وَاللِّفَافَةُ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ وَالْقَرْنُ هُنَا بِمَعْنَى الشَّعْرِ وَاللِّفَافَةُ هِيَ الرِّدَاءُ طُولًا، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَارِ أَنَّ الْإِزَارَ مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْقَدَمِ هَذَا مَا ذَكَرُوهُ وَبَحَثَ فِيهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إزَارُ الْمَيِّتِ كَإِزَارِ الْحَيِّ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْطَى اللَّاتِي غَسَّلْنَ ابْنَتَهُ حَقْوَةً» ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَعْقِدُ الْإِزَارِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْإِزَارُ لِلْمُجَاوَرَةِ وَالْقَمِيصُ مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْقَدَمِ بِلَا دَخَارِيصَ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي قَمِيصِ الْحَيِّ لِيَتْبَعَ أَسْفَلَهُ لِلْمَشْيِ وَبِلَا جَيْبٍ، وَلَا كُمَّيْنِ، وَلَا يُكَفُّ أَطْرَافُهُ، وَلَوْ كُفِّنَ فِي قَمِيصٍ قُطِعَ جَيْبُهُ وَلَبَتُّهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْمُرَادُ بِالْجَيْبِ الشِّقُّ النَّازِلُ عَلَى الصَّدْرِ، وَفِي الْعِنَايَةِ التَّكْفِينُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ هُوَ السُّنَّةُ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ أَصْلُ التَّكْفِينِ وَاجِبًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْعِمَامَةَ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى وَتُكْرَهُ الْعِمَامَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاسْتَحْسَنَهَا بَعْضُهُمْ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُعَمِّمُهُ وَيَجْعَلُ الْعَذَبَةَ عَلَى وَجْهِهِ اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ اسْتَحْسَنَهَا بَعْضُهُمْ لِلْعُلَمَاءِ وَالْأَشْرَافِ فَقَطْ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ لِلرَّجُلِ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَصَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى بِكَرَاهَتِهَا وَاسْتَثْنَى فِي رَوْضَةِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ مَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبَيْنِ فَإِنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كُفِّنَ كَفَنًا وَسَطًا اهـ.

وَلَمْ يُبَيِّنْ لَوْنَ الْأَكْفَانِ لِجَوَازِ كُلِّ لَوْنٍ لَكِنَّ أَحَبَّهَا الْبَيَاضُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ جِنْسَهَا لِجَوَازِ الْكُلِّ لَا مَا لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ حَالَ الْحَيَاةِ كَالْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ وَقَدْ قَالُوا فِي بَابِ الشَّهِيدِ إنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوَةُ مُعَلِّلِينَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّكْفِينُ بِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ الْمَسْنُونِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَفَنِ سَتْرُهُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِهِمَا، وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْجَدِيدُ وَالْخَلَقُ فِيهِ سَوَاءٌ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ نَظِيفًا مِنْ الْوَسَخِ وَالْحَدَثِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيُكَفَّنُ الْمَيِّتُ كَفَنَ مِثْلِهِ وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى ثِيَابِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ لِخُرُوجِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فَذَلِكَ كَفَنُ مِثْلِهِ وَتُحَسَّنُ الْأَكْفَانُ لِلْحَدِيثِ «حَسِّنُوا أَكْفَانَ الْمَوْتَى؛ لِأَنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَتَفَاخَرُونَ بِحُسْنِ أَكْفَانِهِمْ» اهـ.

(قَوْلُهُ وَكِفَايَةً: إزَارٌ وَلِفَافَةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ» وَاخْتُلِفَ فِيهِمَا فَقِيلَ قَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ وَصَحَّحَ الشَّارِحُ مَا فِي الْكِتَابِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ وَيَنْبَغِي عَدَمُ التَّخْصِيصِ بِالْإِزَارِ وَاللِّفَافَةِ؛ لِأَنَّ كَفَنَ الْكِفَايَةِ مُعْتَبَرٌ بِأَدْنَى مَا يَلْبَسُهُ الرَّجُلُ فِي حَيَاتِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ ثَوْبَانِ كَمَا عُلِّلَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ قَالُوا: وَيُكْرَهُ أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ فِي حَالِ حَيَاتِهِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَقَالُوا إذَا كَانَ بِالْمَالِ قِلَّةٌ وَبِالْوَرَثَةِ كَثْرَةٌ فَكَفَنُ الْكِفَايَةِ أَوْلَى، وَعَلَى الْقَلْبِ كَفَنُ السُّنَّةِ أَوْلَى وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَنْ يُبَاعَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِلدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ حَتَّى تُرِكَ لِلْوَرَثَةِ عِنْدَ كَثْرَتِهِمْ فَالدَّيْنُ أَوْلَى

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَإِنْ صَحَّتْ وَجَبَ تَرْجِيحُ أَنَّهَا لِلْحَدَثِ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ الْفَرْعَيْنِ يُخَالِفُهُ، فَإِنْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ وَجَبَ تَأْوِيلُهَا، وَهُوَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ أَيْ بِالْحَدَثِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْحَدِيثِ، وَهُوَ جَنَابَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْ لَا يَصِيرُ نَجِسًا بِالْجَنَابَةِ كَالنَّجَاسَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي يَنْبَغِي إبْعَادُهَا عَنْ الْمُحْتَرَمِ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا وَالْإِجْمَاعُ بِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِالنَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ إذَا أَصَابَتْهُ. اهـ.

لَكِنْ قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا، وَلَا مَيِّتًا» وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَيَتَرَجَّحُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ حَدَثٌ اهـ.

[تَكْفِين الْمَيِّت]

(قَوْلُهُ وَصَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى بِكَرَاهَتِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْمَذْكُورُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ فِي كَفَنِ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْخُنْثَى فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الثَّلَاثِ لِنَفْيِ كَوْنِ الْأَقَلِّ مَسْنُونًا (قَوْلُهُ كَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْمُرَادُ بِالثَّوْبَيْنِ فِي كَلَامِ الْبَدَائِعِ الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَدْنَى مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ وَلِأَنَّ أَدْنَى مَا يَلْبَسُهُ الْإِنْسَانُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ ثَوْبَانِ اهـ.

نَعَمْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْقَمِيصَ مَعَ الْإِزَارِ كِفَايَةٌ. اهـ.

قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ أَقُولُ: وَهُوَ الْمَطْلُوبُ لِإِشْعَارِهِ بِعَدَمِ التَّخْصِيصِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِمَا فِي كَلَامِهِ ذَلِكَ فَكَلَامُ الْبَحْرِ بِالنَّظَرِ إلَى التَّعْلِيلِ لَا الْمُعَلَّلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>