للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ زَنَأْت فِي الْجَبَلِ وَعَنَى الصُّعُودَ حُدَّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةً قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ

وَارْقَ إلَى الْخَيْرَاتِ زَنْئًا فِي الْجَبَلِ

وَذِكْرُ الْجَبَلِ يُقَرِّرُهُ مُرَادًا وَلَهُمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَاحِشَةِ مَهْمُوزًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَهْمِزُ الْمُلَيَّنَ كَمَا يُلَيِّنُ الْمَهْمُوزَ وَحَالَةُ الْغَضَبِ، وَالسِّبَابِ تُعَيِّنُ الْفَاحِشَةَ مُرَادًا بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ يَا زَانِي أَوْ قَالَ زَنَأْت وَذِكْرُ الْجَبَلِ إنَّمَا يُعَيِّنُ الصُّعُودَ مُرَادًا إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى إذْ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ قَيَّدَ بِفِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ زَنَأْتَ عَلَى الْجَبَلِ قِيلَ لَا يُحَدُّ وَقِيلَ يُحَدُّ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدِي إذَا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ، وَالسِّبَابِ يَجِبُ الْحَدُّ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى ذَلِكَ إذْ لَا يَكُونُ صُعُودُ الْجَبَلِ سَبًّا وَإِلَّا فَلَا لِلِاحْتِمَالِ، وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ بِالِاحْتِمَالِ. اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَوْجَهُ وُجُوبُ الْحَدِّ حَيْثُ كَانَ فِي الْغَضَبِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ زَنَأْت بِالْهَمْزِ إذْ لَوْ كَانَ بِالْيَاءِ وَجَبَ الْحَدُّ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِالْجَارِ، وَالْمَجْرُورِ إذْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ زَنَأْتَ يُحَدُّ اتِّفَاقًا كَمَا أَفَادَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُونَ بِأَنْ يَكُونَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ أَمَّا فِي حَالَةِ الرِّضَا فَلَا حَدَّ اتِّفَاقًا وَبِهَذَا تَرَجَّحَ قَوْلُهُمَا فَمَا فِي الْمُغْرِبِ مِنْ أَنَّ زَنَأَ فِي الْجَبَلِ بِمَعْنَى صَعِدَ فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ. اهـ.

لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَعَنَى الصُّعُودَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْنِ الصُّعُودَ يُحَدُّ اتِّفَاقًا.

[قَالَ يَا زَانِي وَعَكَسَ]

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ يَا زَانِي وَعَكَسَ حُدَّا) أَيْ الْمُبْتَدِئُ، وَالْمُجِيبُ بِقَوْلِهِ لَا بَلْ أَنْتَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ صَاحِبَهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا بَلْ أَنْتَ زَانٍ إذْ هِيَ كَلِمَةُ عَطْفٍ يُسْتَدْرَكُ بِهِ الْغَلَطُ فَيَصِيرُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَوَّلِ خَبَرًا لِمَا بَعْدَ بَلْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْتَقِيَا قِصَاصًا؛ لِأَنَّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ الْغَالِبَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَوْ جُعِلَ قِصَاصًا يَلْزَمُ إسْقَاطُ حَقِّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلِذَا لَمْ يَجُزْ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ، فَإِذَا طَالَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ وَأَثْبَتَهُ لَزِمَ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا يَتَمَكَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ إسْقَاطِهِ فَيُحَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِمَا وَلَوْ أَسْقَطَاهُ وَتَقَدَّمَ عَدَمُ صِحَّتِهِ وَأَنَّهُ غَلَطٌ فِي الْفَهْمِ، فَإِذَا أَسْقَطَاهُ بَعْدَ الثُّبُوتِ امْتَنَعَ الْإِمَامُ مِنْ إقَامَتِهِ لِعَدَمِ الطَّلَبِ لَا لِصِحَّةِ الْإِسْقَاطِ، فَإِذَا عَادَ أَوْ طَلَبَا أَقَامَهُ عَلَيْهِمَا وَقَيَّدَ بِحَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ يَا خَبِيثُ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ أَنْت تَكَافَآ وَلَا يُعَزِّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِلْآخَرِ فَتَسَاقَطَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقُنْيَةِ ضَرَبَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَضَرَبَهُ الْمَضْرُوبُ أَيْضًا أَنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ وَيَبْدَأُ بِإِقَامَةِ التَّعْزِيرِ بِالْبَادِئِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَظْلَمُ، وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِ أَسْبَقُ. اهـ.

فَعُلِمَ أَنَّ التَّعْزِيرَ بِالضَّرْبِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَأَنَّ التَّكَافُؤَ إنَّمَا هُوَ فِي الشَّتْمِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي قَالُوا: لَوْ تَشَاتَمَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي عَزَّرَهُمَا.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ وَعَكَسَتْ حُدَّتْ وَلَا لِعَانَ) ؛ لِأَنَّهُمَا قَاذِفَانِ وَقَذْفُهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ، وَقَذْفُهَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَفِي الْبِدَايَةِ بِالْحَدِّ إبْطَالُ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ وَلَا إبْطَالَ فِي عَكْسِهِ أَصْلًا فَيُحْتَالُ لِلدَّرْءِ إذْ اللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ بِنْتَ الزَّانِيَةِ فَخَاصَمَتْ الْأُمُّ أَوَّلًا فَحُدَّ الرَّجُلُ سَقَطَ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَتْ شَهَادَةُ الرَّجُلِ وَلَوْ خَاصَمَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا فَلَاعَنَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ثُمَّ خَاصَمَتْ الْأُمُّ يُحَدُّ الرَّجُلُ حَدَّ الْقَذْفِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَتْ زَنَيْت بِك بَطَلَا) أَيْ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ الزِّنَا قَبْلَ النِّكَاحِ فَيَجِبُ الْحَدُّ دُونَ اللِّعَانِ لِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ وَانْعِدَامِهِ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ زِنَايَ الَّذِي كَانَ مَعَك بَعْدَ النِّكَاحِ؛ لِأَنِّي مَا مَكَّنْت أَحَدًا غَيْرَك وَهُوَ الْمُرَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يَجِبُ الْحَدُّ دُونَ اللِّعَانِ لِوُجُودِ الْقَذْفِ مِنْهُ وَعَدَمِهِ مِنْهَا فَجَاءَ مَا قُلْنَاهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا بَدَأَتْ بِقَوْلِهَا زَنَيْت بِك ثُمَّ قَذَفَهَا أَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ أَجَابَتْ بِهِ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَاءِ وَكَلِمَةِ مَعَ كَزَنَيْت مَعَك لِلِاحْتِمَالِ السَّابِقِ

ــ

[منحة الخالق]

يُقَامُ بِغَيْرِ طَلَبٍ أَمْ لَا فَسَاكِتٌ عَنْهُ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا هُنَا حُكْمُهُ أَفَادَهُ فِي الْمِنَحِ وَبِهَذَا ظَهَرَ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ فِي كَلَامِ الْمَبْسُوطِ بِالْعَفْوِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا إذَا كَانَ عَلَى عِوَضٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ اقْتِضَاءِ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى عِوَضٍ وَكَانَ قَبْلَ الرَّفْعِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهَا بَعْضُهُمْ.

(قَوْلُهُ: قَالُوا لَوْ تَشَاتَمَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي عَزَّرَهُمَا) أَيْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إخْلَالًا بِالْأَدَبِ فِي مَجْلِسِ الشَّرْعِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَحْضَ حَقِّهِمَا حَتَّى يَتَكَافَآ فِيهِ.

[قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ وَعَكَسَتْ]

(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يَجِبُ الْحَدُّ دُونَ اللِّعَانِ) صَوَابُهُ اللِّعَانُ دُونَ الْحَدِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا.

وَقَوْلُهُ: فَجَاءَ مَا قُلْنَا أَيْ مِنْ بُطْلَانِ الْحَدِّ وَاللِّعَانِ لِوُقُوعِ الشَّكِّ، فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرٍ يَجِبُ الْحَدُّ دُونَ اللِّعَانِ وَعَلَى تَقْدِيرٍ يَجِبُ اللِّعَانُ دُونَ الْحَدِّ وَالْحُكْمُ بِتَعْيِينِ أَحَدِهِمَا مُتَعَذِّرٌ فَلَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ إلَخْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>