للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ لَكِنْ لَوْ قَرَأَ بِمَا وَرَدَ بِهِ الْآثَارُ أَحْيَانًا يَكُونُ حَسَنًا وَلَكِنْ لَا يُوَاظِبُ لِمَا ذَكَرْنَا اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ أَنَّهُمْ رَجَّحُوا جِهَةَ النَّفْلِيَّةِ فِيهِ احْتِيَاطًا فِي الْقِرَاءَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْضِيَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ كَمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ احْتِيَاطًا لِجِهَةِ النَّفْلِيَّةِ لِأَنَّ النَّفَلَ فِيهِ مَمْنُوعٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ التَّجْنِيسِ خِلَافَهُ وَفِيهِ: وَالْوِتْرُ بِمَنْزِلَةِ النَّفْلِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ إلَّا أَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَغْرِبَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَوْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا فِي الثَّالِثَةِ قَبْلَ الْقُعُودِ ثُمَّ تَذَكَّرَ لَا يَعُودُ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَفِي النَّفْلِ يَعُودُ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَا تَجِبُ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فِي الْوِتْرِ وَفِي الِامْتِحَانِ صَلَّى الْوِتْرَ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ لَا يَعُودُ وَإِنْ عَادَ لَا يُنْتَقَضُ رُكُوعُهُ اهـ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى وَاجِبَةٌ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْوِتْرُ ذُو شَبَهٍ لَهُمَا فَوَجَبَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْقُنُوتِ كَمَا يَرْفَعُهُمَا عِنْدَ الِافْتِتَاحِ وَفِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ الدُّعَاءُ أَرْبَعَةٌ دُعَاءُ رَغْبَةٍ وَدُعَاءُ رَهْبَةٍ وَدُعَاءُ تَضَرُّعٍ وَدُعَاءُ خُفْيَةٍ فَفِي دُعَاءِ الرَّغْبَةِ يَجْعَلُ بُطُونَ كَفَّيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَفِي دُعَاءِ الرَّهْبَةِ يَجْعَلُ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى وَجْهِهِ كَالْمُسْتَغِيثِ مِنْ الشَّيْءِ وَفِي دُعَاءِ التَّضَرُّعِ يَعْقِدُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرِ وَيُحَلِّقُ بِالْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ وَدُعَاءُ الْخُفْيَةِ مَا يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُنُوتِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ الْأَوْلَى الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْقُنُوتَ دُعَاءٌ وَالْأَوْلَى فِي الدُّعَاءِ أَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلًا عَلَيْهَا وَذَهَبَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَهَا وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْحَقُّ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ فِي حَدِيثِ الْقُنُوتِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَلِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ كُلُّ دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَفِي الْوَاقِعَاتِ

وَيُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ دُعَاءٍ أَنْ تَكُونَ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ اهـ.

وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي الْقُنُوتِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَهُوَ الْأَوْلَى وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي الْمُجْتَبَى لَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُنُوتِ لَا يُصَلِّي فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَكَذَا لَوْ صَلَّى عَلَيْهِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى سَهْوًا لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَلَا يُصَلِّي فِي الْقُنُوتِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَقْنُتُ فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْنُتْ فِي الْفَجْرِ قَطُّ إلَّا شَهْرًا وَاحِدًا لَمْ يُرَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ وَإِنَّمَا قَنَتَ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ يَدْعُو عَلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ» وَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْعَرَبِ ثُمَّ تَرَكَهُ» وَقَدْ أَطَالَ الْمُحَقِّقُ

ــ

[منحة الخالق]

إبْدَاءِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ لِاتِّحَادِهِمَا فِي الْحُكْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ فِي التَّجْنِيسِ (قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) أَيْ مَا فِي كَلَامِ الْمُجْتَبَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ نَفْيُ الْفَرْضِيَّةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَوْلَى) لَعَلَّ وَجْهَهُ كَوْنُهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ» إلَخْ لِمَا قِيلَ لَهُ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا أَفْضَلُ الصِّيَغِ وَبِهَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا.

[الْقُنُوت فِي غَيْرِ الْوِتْرِ]

(قَوْلُهُ وَقَدْ أَطَالَ الْمُحَقِّقُ إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ جُمْلَةً مِمَّا فِي الْفَتْحِ إلَى أَنْ قَالَ إنَّ جَمِيعَ مَا وَرَدَ مِنْ قُنُوتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُنُوتِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ قُنُوتُ النَّوَازِلِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ لِأَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» وَنَحْوُهُ مِمَّا عَنْ الصَّحَابَةِ يُثْبِتُهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَنَتَ عِنْدَ مُحَارَبَةِ مُسَيْلِمَةَ وَكَذَلِكَ قَنَتَ عُمَرُ وَكَذَا عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ عِنْدَ تَحَارُبِهِمَا وَحَدِيثُ أَبِي حَنِيفَةَ وَنَحْوِهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَنَتَ شَهْرًا ثُمَّ لَمْ يَقْنُتْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ» يَنْفِيهِ فَوَجَبَ كَوْنُ بَقَاءِ الْقُنُوتِ فِي النَّوَازِلِ أَمْرًا مُجْتَهَدًا فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ لَا قُنُوتَ فِي نَازِلَةٍ بَعْدَ هَذِهِ بَلْ مُجَرَّدُ الْعَدَمِ بَعْدَهَا فَيُتَّجَهُ الِاجْتِهَادُ بِأَنْ يُظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِرَفْعِ شَرْعِيَّتِهِ وَنَسْخِهِ نَظَرًا إلَى سَبَبِ تَرْكِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: ١٢٨] وَأَنَّهُ لِعَدَمِ وُقُوعِ نَازِلَةٍ تَسْتَدْعِي الْقُنُوتَ بَعْدَهَا فَتَكُونُ شَرْعِيَّتُهُ مُسْتَمِرَّةً وَهُوَ مَحْمَلُ قُنُوتِ مَنْ قَنَتَ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ إنَّمَا لَا يَقْنُتُ عِنْدَنَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ بَلِيَّةٍ فَإِذَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ أَوْ بَلِيَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا الْقُنُوتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا عِنْدَ النَّوَازِلِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا الشَّافِعِيُّ وَكَأَنَّهُمْ حَمَلُوا مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَنَتَ فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ وَأَنَّهُ قَنَتَ فِي الْمَغْرِبِ أَيْضًا عَلَى مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَلَى النَّسْخِ لِعَدَمِ وُرُودِ الْمُوَاظَبَةِ وَالتَّكْرَارِ الْوَارِدَيْنِ فِي الْفَجْرِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اهـ.

وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْقُنُوتَ لِنَازِلَةٍ خَاصٌّ بِالْفَجْرِ وَيُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مُعَزِّيًا إلَى الْغَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ وَلَعَلَّهُ مُحَرَّفٌ عَنْ الْفَجْرِ وَقَدْ وَجَدْته بِهَذَا اللَّفْظِ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ وَكَذَا فِي الْأَشْبَاهِ وَكَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ لَكِنَّهُ عَزَاهُ إلَى غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ أَجِدْ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا فَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ غَايَةُ السُّرُوجِيِّ بِغَايَةِ الْبَيَانِ لَكِنْ نَقَلَ عَنْ الْبِنَايَةِ مَا نَصُّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>