للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَكَامَلُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ لِكَوْنِهِ لَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ الْقِرَاءَةِ أَصْلًا وَفِي الْمَقِيسِ لَيْسَ نَقْضُهُ لَا كَمَالُهُ لِأَنَّهُ لَا قُنُوتَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَالرُّكُوعُ مُعْتَبَرٌ بِدُونِهِ فَلَوْ نُقِضَ لَكَانَ نَقْضُ الْفَرْضِ لِلْوَاجِبِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ عَادَ إلَى الْقِيَامِ وَقَنَتَ وَلَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ رُكُوعَهُ قَائِمٌ لَمْ يُرْتَفَضْ بِخِلَافِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ لِأَنَّ بِعَوْدِهِ صَارَتْ قِرَاءَةُ الْكُلِّ فَرْضًا وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ فَرْضٌ فَارْتُفِضَ رُكُوعُهُ فَلَوْ لَمْ يَرْكَعْ بَطَلَتْ فَلَوْ رَكَعَ وَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي كَانَ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يُشْرَعْ الْقُنُوتُ فِي الرُّكُوعِ مِثْلَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ إذَا تَذَكَّرَهَا فِي حَالِ الرُّكُوعِ حَيْثُ يُكَبِّرُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي مَحْضِ الْقِيَامِ غَيْرِ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَلَا يَتَعَدَّى إلَى مَا هُوَ قِيَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ الرُّكُوعُ وَأَمَّا تَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ فَلَمْ تَخْتَصَّ بِمَحْضِ الْقِيَامِ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ يُؤْتَى بِهَا فِي حَالِ الِانْحِطَاطِ وَهِيَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ

فَإِذَا جَازَ أَدَاءُ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي غَيْرِ مَحْضِ الْقِيَامِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ جَازَ أَدَاءُ الْبَاقِي مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ بِالْأُولَى وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْقُنُوتَ بِالْمُخَافَتَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ اسْتَحْسَنُوا الْجَهْرَ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ لِلْإِمَامِ لِيَتَعَلَّمُوا كَمَا جَهَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالثَّنَاءِ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ الْعِرَاقِ وَنَصَّ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ الْمُخَافَتَةُ وَفِي الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَفِي الْبَدَائِعِ وَاخْتَارَ مَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ الْإِخْفَاءَ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ جَمِيعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: ٥٥] وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ الدُّعَاءِ الْخَفِيُّ» وَهُوَ مَرْوِيٌّ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ لَا يَعْلَمُونَهُ فَالْأَفْضَلُ لِلْأُمِّ الْجَهْرُ لِيَتَعَلَّمُوا وَإِلَّا فَالْإِخْفَاءُ أَفْضَلُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَمَنْ اخْتَارَ الْجَهْرَ بِهِ أَنْ يَكُونَ دُونَ جَهْرِ الْقِرَاءَةِ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي.

(قَوْلُهُ وَقَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً) بَيَانٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْفَرَائِضِ فَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُ حَتْمًا وَنَقَلَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي التَّجْنِيسِ لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ.

أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ نَفْلٌ وَفِي النَّفْلِ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي الْكُلِّ وَكَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْوِتْرَ عِنْدَهُ وَاجِبٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَفْلٌ وَلَكِنْ يَتَرَجَّحُ جِهَةُ الْفَرْضِيَّةِ بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ وُجُوبُ الْقِرَاءَةِ فِي الْكُلِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: ١] وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] وَفِي الثَّالِثَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] » فَالْحَاصِلُ أَنَّ قِرَاءَةَ آيَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُ فَرْضٌ وَتَعْيِينَ الْفَاتِحَةِ مَعَ قِرَاءَةِ ثَلَاثِ آيَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاجِبٌ وَالسُّوَرُ الثَّلَاثُ فِيهِ سُنَّةٌ لَكِنْ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً مُتَعَيِّنَةً عَلَى الدَّوَامِ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ مُطْلَقُ الْقِرَاءَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠] وَالتَّعْيِينُ عَلَى الدَّوَامِ يُفْضِي إلَى أَنْ يَعْتَقِدَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ أَصْلًا) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ بِدُونِ الْقِرَاءَةِ لَا لِقَوْلِهِ لَا يُعْتَبَرُ أَيْ أَنَّهُ إذَا فُقِدَتْ الْقِرَاءَةُ أَصْلًا لَا يُعْتَبَرُ وَقَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ مِنْ الْقِرَاءَةِ آيَةٌ وَاحِدَةٌ يَكُونُ الرُّكُوعُ بَعْدَهَا مُعْتَبَرًا (قَوْلُهُ لَكَانَ نَقْضُ الْفَرْضِ لِلْوَاجِبِ) قَدْ يُقَالُ هُوَ كَذَلِكَ فِيمَا لَوْ عَادَ لِقِرَاءَةِ السُّورَةِ فَإِنْ أُجِيبَ بِمَا يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّهُ بِعَوْدِهِ صَارَتْ قِرَاءَةُ الْكُلِّ فَرْضًا يُقَالُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ فَرْضًا إلَّا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَأَمَّا قَبْلَهَا فَهُوَ وَاجِبٌ فَإِذَا رَفَضَ الرُّكُوعَ يَكُونُ رَفَضَ الْفَرْضَ لِلْوَاجِبِ فَيَكُونُ كَرَفْضِهِ لِلْقُنُوتِ إلَّا أَنْ يُقَالَ فَرْقٌ بَيْنَ مَا هُوَ وَاجِبٌ حَالًا وَمَآلًا وَمَا هُوَ وَاجِبٌ حَالًا فَرْضٌ مَآلًا فَرَفْضُ الرُّكُوعِ لَا يَكُونُ فَرْضًا وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَاجِبًا لَيْسَ كَرَفْضِهِ إلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ (قَوْلُهُ حَيْثُ يُكَبِّرُ فِيهِ) كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ مِنْ بَابِ الْعِيدِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ أَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ فَيُكَبِّرُ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقُنُوتِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ مُشْكِلٌ حَيْثُ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَهَا وَهُوَ فِي الرُّكُوعِ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَافِي وَكَذَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ

وَصَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِهِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّهُ يَجُوزُ رَفْضُ رُكْنٍ لَمْ يَتِمَّ لِأَجْلِ وَاجِبٍ لَمْ يَفُتْ مَحَلُّهُ فَعَلَى هَذَا جَازَ رَفْضُ الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالرَّفْعِ لِأَجْلِ تَكْبِيرِ الْعِيدِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ لَمْ يَفُتْ مَحَلُّهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ الرَّاكِعَ قَائِمٌ حُكْمًا فَيُقَالُ الْقُنُوتُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِلْفَرْقِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ كَوْنُ تَكْبِيرِ الْعِيدِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ دُونَ الْقُنُوتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى وَيُخَالِفُ هَذَا كُلُّهُ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الْقِيَامِ فَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى رَكَعَ لَا يُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ وَلَا يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ لِيُكَبِّرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي بَابِ الْعِيدِ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُكَبِّرُ وَيَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَهُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ وَيُكَبِّرُ وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ وَلَا يُعِيدُ فِي الْفَصْلَيْنِ الْقِرَاءَةَ اهـ.

وَعَلَى هَذَا الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا حَاجَةَ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>