للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَهُ، فَأَقْوَاهُمَا الْمَنْعُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ إلَى آخِرِهِ إلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: ٢٠٤] وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِمَا فِيهَا لِمَا فِيهَا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَحَاصِلُ الْآيَةِ: أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهَا أَمْرَانِ: الِاسْتِمَاعُ وَالسُّكُوتُ فَيُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَالْأَوَّلُ يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ وَالثَّانِي لَا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فَيَجِبُ السُّكُوتُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا، وَلَمَّا كَانَ الْعِبْرَةُ إنَّمَا هُوَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَجَبَ الِاسْتِمَاعُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ يَكْتُبُ الْفِقْهَ وَبِجَنْبِهِ رَجُلٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ فَالْإِثْمُ عَلَى الْقَارِئِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَرَأَ عَلَى السَّطْحِ فِي اللَّيْلِ جَهْرًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ يَأْثَمُ، وَفِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا: الصَّبِيُّ إذَا كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَأَهْلُهُ يَشْتَغِلُونَ بِالْأَعْمَالِ وَلَا يَسْتَمِعُونَ إنْ كَانَ شَرَعُوا فِي الْعَمَلِ قَبْلَ قِرَاءَتِهِ لَا يَأْثَمُونَ وَإِلَّا أَثِمُوا

وَقَوْلُهُ " وَإِنْ " لِلْوَصْلِ، وَآيَةُ التَّرْغِيبِ هِيَ مَا كَانَ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ أَوْ الرَّحْمَةِ، وَآيَةُ التَّرْهِيبِ مَا كَانَ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ، وَالتَّرْهِيبُ التَّخْوِيفُ، وَفِي عِبَارَتِهِ رِعَايَةُ الْأَدَبِ حَيْثُ قَالَ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَسْأَلُ الْجَنَّةَ وَلَا يَتَعَوَّذُ النَّارَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْأَلْ وَيَتَعَوَّذْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِفَرْضِ الِاسْتِمَاعِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَهُ بِالرَّحْمَةِ إذَا اسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ وَوَعْدُهُ حَتْمٌ وَإِجَابَةُ الدُّعَاءِ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهِ خُصُوصًا الْمُتَشَاغِلُ عَنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ بِالدُّعَاءِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ قَرَأَ رَاجِعٌ إلَى الْإِمَامِ، وَكَذَا فِي خَطَبَ وَصَلَّى وَحِينَئِذٍ فَلَفْظُ الْمُؤْتَمِّ حَقِيقَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْخَلَلِ فِي عِبَارَةِ الْمُخْتَصَرِ وَاسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى مَا إذَا ذَكَرَ الْخَطِيبُ آيَةَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ} [الأحزاب: ٥٦] فَإِنَّ السَّامِعَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ سِرًّا ائْتِمَارًا لِلْأَمْرِ وَجَعْلُ الْبَعِيدِ كَالْقَرِيبِ لِلْخَطِيبِ فِي أَنَّهُ يَسْكُتُ هُوَ الِاحْتِيَاطُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

(بَابُ الْإِمَامَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ شَرَائِطِ صِحَّتِهَا. الثَّانِي فِي بَيَانِ شَرَائِطِ كَمَالِهَا. الثَّالِثُ فِي بَيَانِ مَنْ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ. الرَّابِعُ فِي بَيَانِ صِفَتِهَا. الْخَامِسُ فِي بَيَانِ أَقَلِّهَا. السَّادِسُ فِي بَيَانِ مَنْ تَجِبُ لَهُ. السَّابِعُ فِي بَيَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ. الثَّامِنُ فِي حِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّتِهَا.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَحَاصِلُهُ مُجْمَلًا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ تَضْمِينُ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ وَالشَّيْءُ إنَّمَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ وَلَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا مُفَصَّلًا فِي قَوْلِهِ

ــ

[منحة الخالق]

الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ مِنْ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي سِيَاقِ النَّفْي وَمَا هُنَا كَذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَادَ صَاحِبِ الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إلَخْ) وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ خَطَبَ إلَخْ ظَاهِرُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَرَأَ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فَلَا يَسْتَقِيمُ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْصَاتُ وَاجِبًا قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْصَاتُ فِيهَا، وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ أَوْ التَّرْهِيبِ أَوْ خَطَبَ وَأَيْضًا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاقِعَيْنِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يُنْصِتُوا إذَا خَطَبَ، وَإِنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.

قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَجَابَ الْعَيْنِيُّ بِأَنَّ فَاعِلَ قَرَأَ هُوَ الْإِمَامُ وَخَطَبَ هُوَ الْخَطِيبُ، وَهُوَ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ غَيْرُ الْإِمَامِ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ وَلَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ، وَأَجَابَ مُنْلَا خُسْرو بِأَنَّ الْمُؤْتَمَّ بِمَعْنَى مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَأْتَمَّ وَقَوْلُهُ أَوْ خَطَبَ عَطْفٌ عَلَى قَرَأَ الْمَحْذُوفِ وَالْمَعْنَى لَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ إذَا قَرَأَ إمَامُهُ بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ، وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ، وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ إذَا خَطَبَ إمَامُهُ أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ، وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى التَّجَوُّزِ فِي الْمُؤْتَمِّ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ خُسْرو التَّجَوُّزُ فِي الْإِمَامِ أَيْضًا وَتَقْيِيدُ مَنْعِ الْمُؤْتَمِّ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِمَا إذَا خَطَبَ مَعَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِمُجَرَّدِ خُرُوجِهِ لِلْخُطْبَةِ اهـ كَلَامُ النَّهْرِ.

وَأَجَابَ ابْنُ كَمَالْ بَاشَا عَنْ اعْتِرَاضِ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْخُطْبَةُ قَائِمَةً مَقَامَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ نَزَّلَ مَنْ حَضَرَهَا مَنْزِلَةَ الْمُؤْتَمِّ فَلَا دَلَالَةَ فِي أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِعَتَيْنِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَلَا اتِّجَاهَ لِمَا قِيلَ إنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْصَاتُ وَاجِبًا قَبْلَ الْخُطْبَةِ لِانْعِدَامِ التَّنْزِيلِ الْمَذْكُورِ فَتَدَبَّرْ اهـ.

(قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ إلَّا أَنَّ إطْلَاقَهُ يَقْتَضِي عَدَمَهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَرُدَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ حَالَةَ الْخُطْبَةِ كُرِهَ أَيْضًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي السِّرَاجِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِمَا يَفُوتُ بِهِ الِاسْتِمَاعُ فَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا

[بَابُ الْإِمَامَةِ]

[شَرَائِطِ صِحَّة الْإِمَامَة]

(بَابُ الْإِمَامَةِ) .

وَهِيَ صُغْرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>