للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّفَكُّرُ يَمْنَعُهُ عَنْ التَّسْبِيحِ أَمَّا إذَا كَانَ يُسَبِّحُ أَوْ يَقْرَأُ وَيَتَفَكَّرُ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ فَشَكَّ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَشَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ وُضُوئِهِ سَاعَةً ثُمَّ اسْتَيْقَنَ فَأَتَمَّ وُضُوءَهُ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ لِأَنَّهُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَ الشَّكُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الشَّكِّ فِي حَالَةِ الْأَدَاءِ وَإِذَا قَعَدَ فِي صَلَاتِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا حَتَّى شَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ التَّسْلِيمِ ثُمَّ اسْتَيْقَنَ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ اهـ.

فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُفَسِّرَ طُولَ التَّفْكِيرِ بِأَنْ يَشْغَلَهُ عَنْ مِقْدَارِ أَدَاءِ رُكْنٍ أَوْ وَاجِبٍ لِيَدْخُلَ السَّلَامُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قَيَّدَ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِتَرْكِ سُنَّةٍ كَالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ وَتَكْبِيرَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَتَسْبِيحَاتِهَا وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّأْمِينِ وَالتَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخُلَاصَةِ

وَجَزَمَ الشَّارِحُ بِوُجُوبِ السُّجُودِ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ مَصْدَرًا بِهِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَكَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَصَرَّحَ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ التَّسْمِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَتَبِعَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ وَكُلُّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ فَلَا يَجِبُ بِتَرْكِهَا شَيْءٌ وَلَوْ تَرَكَ فَرْضًا فَإِنَّهُ لَا يَنْجَبِرُ بِالسُّجُودِ بَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ أَصْلًا وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ الْمَتْرُوكَ سَاهِيًا هَلْ يُقْضَى أَوْ لَا فَنَقُولُ أَنَّهُ يُقْضَى إنْ أَمْكَنَهُ التَّدَارُكُ بِالْقَضَاءِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَفْعَالِ أَوْ الْأَذْكَارِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ فَرْضًا فَسَدَتْ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا لَا تَفْسُدُ وَلَكِنَّهُ يَنْقُصُ وَيَدْخُلُ فِي حَدِّ الْكَرَاهَةِ فَإِذَا تَرَكَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً مِنْ رَكْعَةٍ قَضَاهَا فِي آخِرِهَا إذَا تَذَكَّرَ وَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا بَعْدَهَا وَإِذَا كَانَا سَجْدَتَيْنِ قَضَاهُمَا وَيَبْدَأُ بِالْأُولَى ثُمَّ بِالثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى حَسْبِ الْأَدَاءِ وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ وَتَرَكَهَا مِنْ الْأُولَى وَالْأُخْرَى صُلْبِيَّةً تَرَكَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ يُرَاعِي التَّرْتِيبَ أَيْضًا فَيَبْدَأُ بِالتِّلَاوِيَّةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ رُكُوعًا فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَكَذَا إذَا تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِالسُّجُودِ قَبْلَ الرُّكُوعِ لِعَدَمِ مُصَادِفَتِهِ مَحِلَّهُ فَلَوْ قَرَأَ وَسَجَدَ وَلَمْ يَرْكَعْ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَهَذَا قَدْ صَلَّى رَكْعَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا الرُّكُوعُ قَضَاءً عَنْ الْأَوَّلِ وَكَذَا لَوْ قَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ ثُمَّ سَجَدَ فَهَذَا قَدْ صَلَّى رَكْعَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا السُّجُودُ قَضَاءً عَنْ الْأَوَّلِ وَكَذَا إذَا قَرَأَ وَرَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ لِكَوْنِهِ صَادَفَ مَحَلَّهُ فَوَقَعَ الثَّانِي مُكَرَّرًا وَكَذَا إذَا قَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً

وَأَمَّا الْأَذْكَارُ فَإِذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ قَضَاهَا فِي الْآخِرَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ تَرْكِ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِذَا تَرَكَ التَّشَهُّدَ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ ثُمَّ قَامَ فَتَذَكَّرَ عَادَ وَتَشَهَّدَ إذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالسَّجْدَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى كَمَا سَيَأْتِي مُفَصَّلًا.

الْخَامِسُ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ بِتَرْكِ

ــ

[منحة الخالق]

شُغْلَ قَلْبِهِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ جَوَارِحُهُ مَشْغُولَةً بِأَدَاءِ الْأَرْكَانِ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ الذَّخِيرَةِ الْآتِيَةَ وَغَيْرَهَا ثُمَّ قَالَ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَهَا كَصَاحِبِ عُمْدَةَ الْمُفْتِي فَقَالَ وَلَوْ شَكَّ فِي رُكُوعِهِ أَوْ فِي سُجُودِ وَطَالَ تَفَكُّرُهُ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا بِخُصُوصِ الْقِيَامِ كَصَاحِبِ جَامِعِ الْفَتَاوَى وَهُوَ فِي الْقُنْيَةِ بِعَلَامَةِ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ فَقَالَ فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَتَذَكَّرَ سَاعَةً سَاكِنًا أَيْ سُورَةً يَقْرَأُ مِقْدَارَ رُكْنٍ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَهُ بِالطُّولِ وَعَدَمِهِ وَأَطْلَقَ آخِرًا كَصَاحِبِ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى فَقَالَ تَفَكَّرَ فِي الصَّلَاةِ إنْ طَالَ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ وَإِلَّا فَلَا وَالْفَاصِلُ أَنَّهُ إذَا شَغَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَإِنْ قَلَّ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَ الْمَشْغُولَ عَنْهُ كَصَاحِبِ الْخُلَاصَةِ فَقَالَ وَإِنَّمَا يَجِبُ لَوْ طَالَ تَفَكُّرُهُ حَتَّى شَغَلَهُ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سَجْدَةٍ

وَالظَّاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَوَّلًا لِظُهُورِ وَجْهِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّمْسُ فِي بَيَانِهِ آخِرًا وَإِطْلَاقُهُمْ وُجُوبُ السُّجُودِ بِتَأْخِيرِ الرُّكْنِ فِيمَا مَرَّ يُرَجِّحُ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا اهـ. كَلَامُهُ.

وَقَدْ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ الصَّفَّارِ اهـ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ خَالَفَهُ وَذَكَرَ عِبَارَتَهُ السَّابِقَةَ وَذَكَرَ أَنَّ قَوْلَ الْبَدَائِعِ وَإِنْ كَانَ تَفَكُّرُهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصَّلَاةِ إلَخْ جَعَلَهُ فِي الْمُحِيطِ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ وَذَكَرَ عِبَارَتَهُ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا تَرْجِيحٌ لِخِلَافِ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَكُلُّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ قَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ السَّمْدِيسِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَقَدْ حَكَى الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ كَالْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ وَالْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الْكَاشَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا الْخِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا فِي السُّنِّيَّةِ لَا فِي الْوُجُوبِ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْبَسْمَلَةِ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الرِّوَايَةِ وَمَا نُسِبَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْوُجُوبِ فَهُوَ مِنْ طُغْيَانِ الْيَرَاعِ وَمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ فَلَيْسَ بِمَشْهُورِ الِاخْتِيَارِ.

[تَرَكَ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ سَاهِيًا]

(قَوْلُهُ الْخَامِسُ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ) أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي بَيَّنَهَا الْمُصَنِّفُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْقَوْلِ بِبَيَانِ الْأَحْكَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>