وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَلِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي بَابِ الْحَيْضِ أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّتِهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا فَكَانَ أَكْثَرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرُّوحَ لَا تَدْخُلُ فِي الْوَلَدِ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَتَجْتَمِعُ الدِّمَاءُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا دَخَلَ الرُّوحُ صَارَ الدَّمُ غِذَاءً لِلْوَلَدِ فَإِذَا خَرَجَ الْوَلَدُ خَرَجَ مَا كَانَ مُحْتَسِبًا مِنْ الدِّمَاءِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشْرَةُ أَيَّامٍ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَمُرَادُهُ الْمُبْتَدَأَةُ، وَأَمَّا صَاحِبَةُ الْعَادَةِ إذَا زَادَ دَمُهَا عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا، وَقَدْ ذَكَرَهُ مِنْ قَبْلَ هَذَا، كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يُجَوِّزُ خَتْمَ عَادَتِهَا بِالطُّهْرِ وَمُحَمَّدٌ يَمْنَعُهُ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ: وَنِفَاسُ التَّوْأَمَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ) وَهُمَا الْوَلَدَانِ اللَّذَانِ بَيْنَ وِلَادَتَيْهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ ظَهَرَ انْفِتَاحُ الرَّحِمِ فَكَانَ الْمَرْئِيُّ عَقِبَهُ نِفَاسًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ نِفَاسُهَا مِنْ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ اسْتِحَاضَةٌ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ مَا تَرَاهُ عَقِبَ الثَّانِي إنْ كَانَ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ فَهُوَ نِفَاسُ الْأَوَّلُ لِتَمَامِهَا وَاسْتِحَاضَةٌ بَعْدَ تَمَامِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي كَمَا وَضَعَتْ الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَمِنْ فَوَائِدِ الِاخْتِلَافِ إذَا كَانَ عَادَتُهَا عِشْرِينَ فَرَأَتْ بَعْدَ الْأَوَّلِ عِشْرِينَ وَبَعْدَ الثَّانِي أَحَدًا وَعِشْرِينَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْعِشْرُونَ الْأُولَى نِفَاسٌ وَمَا بَعْدَ الثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ الْعِشْرُونَ الْأُولَى اسْتِحَاضَةٌ تَصُومُ وَتُصَلِّي مَعَهَا وَمَا بَعْدَ الثَّانِي نِفَاسٌ وَلَوْ رَأَتْ بَعْدَ الْأَوَّلِ عِشْرِينَ وَبَعْدَ الثَّانِي عِشْرِينَ وَعَادَتُهَا عِشْرُونَ فَاَلَّذِي بَعْدَ الثَّانِي نِفَاسٌ إجْمَاعًا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ نِفَاسٌ أَيْضًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَقَيَّدَ بِالتَّوْأَمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَهُمَا حَمْلَانِ وَنِفَاسَانِ، وَلَوْ وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَذَا بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَلَكِنْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُجْعَلُ حَمْلًا وَاحِدًا. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(بَابُ الْأَنْجَاسِ) لِمَا فَرَغَ مِنْ الْحُكْمِيَّةِ وَتَطْهِيرِهَا شَرَعَ فِي الْحَقِيقِيَّةِ وَإِزَالَتِهَا وَقَدَّمَ الْحُكْمِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى لِكَوْنِ قَلِيلِهَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ اتِّفَاقًا وَلَا يَسْقُطُ وُجُوبُ إزَالَتِهَا بِعُذْرٍ مَا إمَّا أَصْلًا أَوْ خَلَفًا بِخِلَافِ الْحَقِيقَةِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَأَمَّا مَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ إذَا وَجَدَ مَاءً يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَقَطْ إنَّمَا وَجَبَ صَرْفُهُ إلَى النَّجَاسَةِ لَا الْحَدَثِ لِيَتَيَمَّمَ بَعْدَهُ فَيَكُونَ مُحَصِّلًا لِلطَّهَارَتَيْنِ لَا لِأَنَّهَا أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَنْجَاسُ جَمْعُ نَجَسٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ اسْمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: ٢٨] وَكَمَا أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ يُطْلَقُ عَلَى الْحُكْمِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ بَيَانَ الْحُكْمِيِّ أُمِنَ اللَّبْسُ فَأَطْلَقَهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي الْكَافِي الْخَبَثُ يُطْلَقُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَالْحَدَثُ عَلَى الْحُكْمِيِّ وَالنَّجَسُ عَلَيْهِمَا اهـ.
ــ
[منحة الخالق]
ثُمَّ ثَلَاثٌ حَيْضٌ كُلُّ حَيْضَةٍ خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَطُهْرَانِ بَيْنَ الْحَيْضَيْنِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ وَوَجْهُ التَّخْرِيجِ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنْ نَقُولَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ نِفَاسٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ فَذَلِكَ أَرْبَعُونَ وَثَلَاثٌ حَيْضٌ ثَلَاثُونَ يَوْمًا كُلُّ حَيْضَةٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَطُهْرَانِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَذَلِكَ كُلُّهُ مِائَةُ يَوْمٍ
وَإِنَّمَا أَخَذَ لَهَا بِأَكْثَرَ الْحَيْضِ لِأَنَّهُ أَخْذٌ لَهَا بِأَقَلِّ الطُّهْرِ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ أَخْذٌ لَهَا فِي الْحَيْضِ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ الْوَسَطُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُصَدَّقُ فِي خَمْسٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النِّفَاسَ عِنْدَهُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ فَذَلِكَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ، ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ تِسْعَةُ أَيَّامٍ وَطُهْرَانِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُصَدَّقُ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَسَاعَةٍ وَوَجْهُهُ أَنْ نَقُولَ أَقَلُّ النِّفَاسِ سَاعَةٌ، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرٌ، ثُمَّ ثَلَاثٌ حَيْضٌ تِسْعَةُ أَيَّامٍ، ثُمَّ طُهْرَانِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَسَاعَةٌ وَقَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ
أَدْنَى زَمَانٍ عِنْدَهُ تُصَدَّقُ ... فِيهِ الَّتِي بَعْدَ الْوِلَادِ تَطْلُقُ
هِيَ الثَّمَانُونَ بِخَمْسٍ تُقْرَنُ ... وَمِائَةٍ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ
وَالْخَمْسُ وَالسِّتُّونَ عِنْدَ الثَّانِي ... وَحَطَّ إحْدَى عَشْرَةَ الشَّيْبَانِيُّ. اهـ.
وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحُرَّةِ النُّفَسَاءِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ وَغَيْرُ النُّفَسَاءِ فَقَدْ بَسَطَ فِيهِ الْكَلَامَ وَسَيَأْتِي فِي الْعِدَّةِ مُسْتَوْفًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ اسْمٌ لِمَا نَقَصَ عَنْ الثَّلَاثَةِ أَوْ زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ أَوْ عَلَى أَكْثَرِ النِّفَاسِ أَوْ عَلَى عَادَةٍ عُرِفَتْ لَهَا وَجَاوَزَتْ أَكْثَرَهَا. اهـ.
وَيُزَادُ أَيْضًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ مَا تَرَاهُ الْحَامِلُ وَمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ قَبْلَ تَمَامِ الطُّهْرِ وَمَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ عَلَى مَا فِيهِ، وَكَذَا مَا تَرَاهُ الْآيِسَةُ.
[بَابُ الْأَنْجَاسِ]
(قَوْلُهُ وَلَا يَسْقُطُ وُجُوبُ إزَالَتِهَا بِعُذْرٍ مَا) قَدَّمْنَا أَوَّلَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ مَا تَعَقَّبَ بِهِ فِي النَّهْرِ ذَلِكَ الْوَجْهَ مِنْ قَوْلِهِمْ فِيمَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ وَرَجُلَاهُ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَكَانَ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ أَنَّهُ يُصَلِّي بِلَا وُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِذَا اتَّصَفَ بِهَذَا الْوَصْفِ بَعْدَمَا دَخَلَ الْوَقْتُ سَقَطَتْ عَنْهُ الطَّهَارَةُ بِهَذَا الْعُذْرِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ اسْمٌ لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ وَبِكَسْرِهَا لِمَا لَا يَكُونُ طَاهِرًا فَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْحُكْمِيِّ أَيْضًا لَيْسَ إلَّا لُغَةً