للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَطْعِ يَدِهِ الْيُسْرَى فِي الثَّالِثَةِ، وَالرِّجْلِ الْيُمْنَى فِي الرَّابِعَةِ فَقَدْ طَعَنَ الطَّحَاوِيُّ أَوْ نَحْمِلُهُ عَلَى السِّيَاسَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْأُصُولِ مَنْ بَحَثَ الْأَمْرَ وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ سِيَاسَةً كَذَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ ضَرْبَهُ مَعَ الْحَبْسِ وَأَثْبَتَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَلَمْ يَذْكُرُوا مَتَى تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَتَظْهَرُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى النَّافِعِ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ تَظْهَرَ عَلَيْهِ سِيَّمَا رَجُلٍ صَالِحٍ.

(قَوْلُهُ كَمَنْ سَرَقَ وَإِبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةٌ أَوْ شَلَّاءُ أَوْ أُصْبُعَانِ مِنْهَا سِوَاهَا أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةٌ) يَعْنِي لَا يُقْطَعُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا أَوْ مَشْيًا وَكَذَا إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ لِمَا قُلْنَا وَقِوَامُ الْبَطْشِ بِالْإِبْهَامِ قُيِّدَ بِالْإِبْهَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْطُوعُ أُصْبُعًا غَيْرَ الْإِبْهَامِ أَوْ أَشَلَّ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ فَوْتَهَا لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْبَطْشِ ظَاهِرًا وَقَيَّدَ بِالْيَدِ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ تُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالنَّصِّ قَطْعُ الْيُمْنَى وَاسْتِيفَاءُ النَّاقِصِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْكَامِلِ جَائِزٌ وَقَيَّدَ بِقَطْعِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةَ الْأَصَابِعِ، فَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ، وَالْمَشْيَ عَلَيْهَا قُطِعَتْ يَدُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ، وَالْمَشْيَ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الْكَافِي، وَإِذَا حُبِسَ السَّارِقُ لِيَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ الْيُمْنَى عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَقَدْ بَطَلَ الْحَدُّ عَنْ السَّارِقِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى، وَإِنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْمَرَ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ بِقَطْعِ الْيُسْرَى مَنْ أَمَرَ بِخِلَافِهِ) أَيْ إذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلْجَلَّادِ اقْطَعْ يَمِينَ هَذَا فِي سَرِقَةٍ سَرَقَهَا فَقَطَعَ يَسَارَهُ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ وَيَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ وَقَالَ فِي زُفَرَ يَضْمَنُ فِي الْخَطَأِ أَيْضًا وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالْمُرَادُ هُوَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ، وَالْيَسَارِ وَلَا يُجْعَلُ عَفْوًا وَقِيلَ يُجْعَلُ عُذْرًا أَيْضًا لَهُ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَاهُ مَعْصُومَةً، وَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَيَضْمَنُهَا قُلْنَا: إنَّهُ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ إذْ لَيْسَ فِي النَّصِّ تَعْيِينُ الْيَمِينِ، وَالْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ مَوْضُوعٌ وَلَهُمَا أَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الظُّلْمَ فَلَا يُعْفَى، وَإِنْ كَانَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا كَمَنْ شَهِدَ عَلَى غَيْرِهِ بِبَيْعِ مَالِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَطَعَهُ غَيْرُ الْجَلَّادِ لَا يَضْمَنُ أَيْضًا هُوَ الصَّحِيحُ قَيَّدَ بِالْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَهُ أَحَدٌ قَبْلَ الْأَمْرِ، وَالْقَضَاءِ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ، وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ اتِّفَاقًا وَسَقَطَ الْقَطْعُ عَنْ السَّارِقِ؛ لِأَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ حَدًّا، وَقَضَاءُ الْقَاضِي بِالْحَدِّ كَالْأَمْرِ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ أَطْلَقَ وَقَالَ: اقْطَعْ يَدَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيُمْنَى فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاطِعِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ إذْ الْيَدُ تُطْلَقُ عَلَيْهِمَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ يَدَهُ فَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي؛ لِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِأَمْرِهِ وَقَيَّدَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ يُعَزَّرُ إذَا كَانَ عَمْدًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَذَا الْقَطْعَ وَقَعَ حَدًّا أَوْ لَا قَالُوا فَعَلَى طَرِيقَةِ أَنَّهُ وَقَعَ حَدًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى السَّارِقِ لَوْ كَانَ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ سِيَاسَةً) أَيْ إنْ سَرَقَ بَعْدَ الْقَطْعِ مَرَّتَيْنِ لَا ابْتِدَاءً كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَكَلَامُهُ فِي النَّهْرِ يُفِيدُ أَنَّ جَوَازَ قَتْلِهِ سِيَاسَةً مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا سَرَقَ فِي الْخَامِسَةِ حَيْثُ قَالَ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْخَامِسَةِ، «فَإِنْ عَادَ فَاقْتُلُوهُ» فَسِيَاقُ كَلَامِهِ يُفِيدُ أَنَّ قَتْلَهُ سِيَاسَةً قَبْلَ الْخَامِسَةِ لَا يَجُوزُ لَكِنْ رَأَيْت بِخَطِّ الْحَمَوِيِّ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ مَا نَصُّهُ إذَا سَرَقَ ثَالِثًا وَرَابِعًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ سِيَاسَةً لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ. اهـ.

قَالَ فَمَا يَقَعُ مِنْ حُكَّامِ زَمَانِنَا مِنْ قَتْلِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ زَاعِمِينَ أَنَّ ذَلِكَ سَيَاسَةً جَوْرٌ وَظُلْمٌ وَجَهْلٌ وَالسِّيَاسَةُ الشَّرْعِيَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ شَرْعٍ مُغَلَّظٍ كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَلَى مِسْكِينٍ قُلْت لَا يَخْفَى أَنَّهُمْ حَيْثُ أَجَابُوا بِالْحَمْلِ عَلَى السِّيَاسَةِ لَزِمَ أَنْ يَقُولُوا بِذَلِكَ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَإِلَّا فَالْإِيرَادُ بَاقٍ ثُمَّ رَأَيْته فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَذَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فَكَذَا يُحْمَلُ الْقَطْعُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ تَأَمَّلْ

[سَرَقَ وَإِبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةٌ أَوْ شَلَّاءُ أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةٌ]

(قَوْلُهُ: يَعْنِي لَا يُقْطَعُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إلَخْ) أَيْ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْعَيْنِيِّ حَيْثُ قَالَ لَا تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْيَدَ الْيُمْنَى تُقْطَعُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ مِنْهُ شَيْءٌ أَمَّا الْيَدُ الْيُسْرَى وَالرِّجْلُ الْيُمْنَى فَلِأَنَّهُمَا لَيْسَا مَحَلًّا لِلْقَطْعِ عِنْدَنَا وَأَمَّا مَا سِوَاهُمَا فَلِتَفْوِيتِ الْمَنْفَعَةِ إمَّا بَطْشًا أَوْ مَشْيًا كَمَا ذُكِرَ هُنَا (قَوْلُهُ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ) أَيْ الْخَطَأِ فِي الْفِعْلِ لَا الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَذَا الْقَطْعَ وَقَعَ حَدًّا أَوْ لَا إلَخْ) فِي الزَّيْلَعِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْخَطَأِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ فِي الْعَمْدِ يَجِبُ ضَمَانِ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ عَلَى السَّارِقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>