للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ، وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَعَلَى طَرِيقَةِ عَدَمِ وُقُوعِهِ حَدًّا فَهُوَ ضَامِنٌ فِي الْعَمْدِ، وَالْخَطَأِ (قَوْلُهُ وَطَلَبُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ شَرْطُ الْقَطْعِ) أَيْ وَطَلَبُهُ الْمَالَ فَلَا قَطْعَ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَقَرَّ أَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ فَيَسْقُطُ الْقَطْعُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَالْقَطْعِ لِتَنْتَفِيَ تِلْكَ الشُّبْهَةُ وَبِمَا ذَكَرْنَا ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ مَعْزِيًّا إلَى الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ قُطِعَ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُنْتَظَرُ حُضُورُ الْغَائِبِ وَتَصْدِيقُهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ، فَإِنَّ عِبَارَتَهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ الدَّعْوَى فِي الْإِقْرَارِ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ السَّارِقُ أَنَّهُ سَرَقَ مَالَ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَمْ يُقْطَعْ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَيُخَاصِمُ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الدَّعْوَى فِي الْإِقْرَارِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ إلَى آخِرِهِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ قَالَ سَرَقْت هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَلَا أَدْرِي لِمَنْ هِيَ أَوْ قَالَ سَرَقْتهَا وَلَا أُخْبِرُك مَنْ صَاحِبُهَا لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَوْقَ غَيْبَتِهِ ثُمَّ الْغَيْبَةُ لَمَّا مَنَعَتْ الْقَطْعَ عَلَى أَصْلِهِ فَالْجَهَالَةُ أَوْلَى. اهـ.

وَلَمْ يُعَيِّنْ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ مَطْلُوبَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَاحْتَمَلَ شَيْئَيْنِ أَحَدَهُمَا: طَلَبُ الْمَالِ وَبِهِ جَزَمَ الشَّارِحُ ثَانِيهِمَا: طَلَبُ الْقَطْعِ وَأَشَارَ الشُّمُنِّيُّ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الطَّلَبَيْنِ وَأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَكْفِي لَكِنْ ذَكَرَهُ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ قُبَيْلَ بَحْثِ الْأَمْرِ أَنَّ وُجُوبَ الْقَطْعِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ وَلِهَذَا لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْمِثْلِ وَمَا يَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ يَتَقَيَّدُ بِهِ مَالًا كَانَ أَوْ عُقُوبَةً كَالْغَصْبِ، وَالْقِصَاصِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ الْخُصُومَةَ بِدَعْوَى الْحَدِّ وَإِثْبَاتِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ. اهـ.

فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ طَلَبَ الْقَطْعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَا يَمْلِكُ طَلَبَ الْقَطْعِ مُجَرَّدًا عَنْ طَلَبِ الْمَالِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا هُوَ طَلَبُ الْمَالِ وَيُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ عِنْدَ الْقَطْعِ لَا طَلَبُهُ الْقَطْعَ إذْ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُودِعًا أَوْ غَاصِبًا أَوْ صَاحِبَ الرِّبَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَمَنْ لَا فَلَا فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُخَاصِمَ السَّارِقَ إذَا سَرَقَ مِنْهُ وَكَذَا الْمُودَعُ بِفَتْحِ الدَّالِ، وَالْمُسْتَعِيرُ، وَالْمُضَارِبُ، وَالْمُبْضِعُ، وَالْغَاصِبُ، وَالْقَابِضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَالْمُرْتَهِنُ وَمُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ، وَالْأَبُ، وَالْوَصِيُّ فَتُعْتَبَرُ خُصُومَتُهُمْ فِي ثُبُوتِ وِلَايَةِ الِاسْتِرْدَادِ وَفِي حَقِّ الْقَطْعِ وَأَرَادَ بِصَاحِبِ الرِّبَا أَنْ يَبِيعَ عَشَرَةً بِعِشْرِينَ وَقَبَضَ الْعِشْرِينَ فَسُرِقَ مِنْهُ الْعِشْرُونَ فَيُقْطَعُ السَّارِقُ بِخُصُومَتِهِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ إذْ الشِّرَاءُ فَاسِدٌ بِمَنْزِلَتِهِ، وَأَمَّا الْعَاقِدُ الْآخَرُ مِنْ عَاقِدَيْ الرِّبَا، فَإِنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِلْكٌ وَلَا يَدٌ فَلَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ.

وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ اللُّقَطَةِ رَجُلٌ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَضَاعَتْ مِنْهُ فَوَجَدَهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّ فِي الْوَدِيعَةِ يَكُونُ الْمُودِعُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّ فِي اللُّقَطَةِ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ وَفِي وِلَايَةِ أَخْذِ اللُّقَطَةِ وَلَيْسَ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ فِي وِلَايَةِ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى الْوَدِيعَةِ. اهـ.

فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ بِطَلَبِ الْمُلْتَقِطِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَيُقْطَعُ بِطَلَبِ الْمَالِكِ لَوْ سَرَقَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ إنَّمَا شُرِطَتْ لِيُعْلَمَ أَنَّ

ــ

[منحة الخالق]

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حَدًّا وَسُقُوطُ الضَّمَانِ عَنْهُ فِي ضِمْنِ وُقُوعِهِ حَدًّا وَكَذَا عِنْدَهُمَا بَلْ أَوْلَى وَفِي الْخَطَأِ كَذَلِكَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي اُعْتُبِرَ فِيهَا أَنَّ الْقَاطِعَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ وَلَمْ يَقَعْ حَدًّا وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي اُعْتُبِرَ فِيهَا أَنَّ الْقَاطِعَ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ إذْ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ بِطَلَبِ الْمُلْتَقِطِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ مُخَاصَمَةِ الْمُلْتَقِطِ الْأَوَّلِ لِلثَّانِي إنَّمَا هُوَ لِزَوَالِ الْأَوَّلِ بِإِثْبَاتِ يَدٍ مِثْلِ يَدِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الثَّانِيَ كَالْأَوَّلِ فِي وِلَايَةِ أَخْذِ اللُّقَطَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ ضَيَاعِهَا مِنْهُ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ أَحَدٌ مِنْ أَخْذِهَا مِنْهُ وَلَوْ وَصَفَ أَحَدَ عَلَامَتِهَا وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُلْتَقِطُ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا إلَيْهِ، وَلَوْ دَفَعَهَا إلَى أَحَدٍ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ يَدًا صَحِيحَةً فَلَهُ مُخَاصَمَةُ مَنْ سَرَقَهَا مِنْهُ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الشُّمُنِّيِّ اتِّفَاقًا مِنْ أَنَّهُ لَا خُصُومَةَ لِمُعْطِي الرِّبَا ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ مَا نَصُّهُ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَيْ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ أَنَّهُ يَقْطَعُ بِخُصُومَةِ مُعْطِي الرِّبَا دُونَ صَاحِبِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ كَمَا مَرَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْخُصُومَةُ إلَّا أَنَّ الْمَسْطُورَ فِي السِّرَاجِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ صَاحِبِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ وَلَا يَدَ وَتَبِعَهُ الشُّمُنِّيُّ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ.

أَقُولُ: قَدْ صَرَّحَ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّ الرِّبَا لَا يُمْلَكُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ عَيْنِهِ مَا دَامَ قَائِمًا حَتَّى لَوْ أَبْرَأَهُ صَاحِبُهُ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ رَدَّ عَيْنِهِ الْقَائِمَةِ حَقُّ الشَّرْعِ وَعَلَى هَذَا فَلِصَاحِبِهِ مِلْكٌ قَائِمٌ فِيهِ وَلِلْآخَرِ يَدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ بِرِضَا صَاحِبِهِ صَارَ كَالْمُودِعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>