الْمَسْرُوقَ مِلْكُ غَيْرِ السَّارِقِ وَهَذَا يَحْصُلُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الرَّاهِنَ، وَالْمُرْتَهِنَ لِلِاخْتِلَافِ فَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِطَلَبِ الرَّاهِنِ فِي غَيْبَةِ الْمُرْتَهِنِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَضْرَتِهِ وَصَرَّحَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ حَضَرَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ وَغَابَ الْغَاصِبُ.
(قَوْلُهُ لَا بِطَلَبِ الْمَالِكِ أَوْ السَّارِقِ لَوْ سَرَقَ مِنْ سَارِقٍ بَعْدَ الْقَطْعِ) يَعْنِي لَوْ قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ فَسُرِقَتْ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِمَالِكِ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ السَّارِقِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ فَلَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةً فِي نَفْسِهَا وَلِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ لِحَاجَتِهِ إذْ الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ الْأَوَّلُ أَوْ بَعْدَمَا دُرِئَ الْقَطْعُ بِشُبْهَةٍ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ ضَرُورَةُ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَطْلَقَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ عَدَمَ قَطْعِ السَّارِقِ مِنْ السَّارِقِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ أَمَانَةٍ وَلَا مِلْكَ فَكَانَ ضَائِعًا وَلَا قَطْعَ فِي أَخْذِ مَالٍ ضَائِعًا قُلْنَا: بَقِيَ أَنْ يَكُونَ يَدَ غَصْبٍ، وَالسَّارِقُ مِنْهُ يُقْطَعُ فَالْحَقُّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ وَاخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي مَسْأَلَةِ وِلَايَةِ الِاسْتِرْدَادِ أَنَّ الْوَجْهَ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ هَذَا الْحَالُ لِلْقَاضِي لَا يَرُدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا إلَى الثَّانِي إذَا رَدَّهُ لِظُهُورِ خِيَانَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَلْ يَرُدُّهُ مِنْ يَدِ الثَّانِي إلَى الْمَالِكِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَإِلَّا حَفِظَهُ كَمَا يَحْفَظُ أَمْوَالَ الْغُيَّبِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا وَرَدَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَى مَالِكِهِ أَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ النِّصَابِ لَمْ يُقْطَعْ) بَيَانٌ لِأَرْبَعِ مَسَائِلَ لَا قَطْعَ فِيهَا الْأُولَى: لَوْ سَرَقَ شَيْئًا وَرَدَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَى مَالِكِهِ فَلَا قَطْعَ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا جُعِلَتْ حُجَّةً ضَرُورَةَ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ قَيَّدَ بِالرَّدِّ بِمَا قَبْلَ الْخُصُومَةِ أَيْ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرَدَ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي قُطِعَ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهَا فَتَبْقَى تَقْدِيرًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا رَدَّهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ وَمَا إذَا رَدَّهُ بَعْدَمَا شَهِدَ الشُّهُودُ وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِمَا هُوَ حُجَّةٌ بِنَاءً عَلَى خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ فَالْمُرَادُ بِالْخُصُومَةِ الدَّعْوَى، وَالشَّهَادَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ فَلَوْ ادَّعَى وَلَمْ يُثْبِتْ ثُمَّ رَدَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا قَطْعَ لِعَدَمِ ظُهُورِهَا عِنْدَ الْقَاضِي فَهِيَ رُبَاعِيَّةٌ.
لِأَنَّ الرَّدَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ التَّرَافُعِ إلَى الْقَاضِي قَبْلَ الدَّعْوَى أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ الثُّبُوتِ أَوْ بَعْدَهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ فَلَا قَطْعَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَيُقْطَعُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَأَطْلَقَ فِي الرَّدِّ فَشَمِلَ الرَّدَّ حَقِيقَةً، وَالرَّدَّ حُكْمًا كَمَا إذَا رَدَّهُ إلَى أُصُولِهِ، وَإِنْ عَلَا كَوَالِدِهِ وَجَدِّهِ وَوَالِدَتِهِ وَجَدَّتِهِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي عِيَالِ الْمَالِكِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ شُبْهَةَ الْمِلْكِ فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الرَّدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ إلَى عِيَالِ أُصُولِهِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَمِنْ الرَّدِّ الْحُكْمِيِّ إلَيْهِ الرَّدُّ إلَى فَرْعِهِ وَكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي عِيَالِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِرَدٍّ وَمِنْهُ الرَّدُّ إلَى مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ وَمِنْهُ الرَّدُّ إلَى مَوْلَاهُ لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ مَالَهُ لَهُ رَقَبَةٌ وَمِنْهُ إذَا سَرَقَ مِنْ الْعِيَالِ وَرَدَّ إلَى مَنْ يَعُولُهُمْ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِمْ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فِي مَالِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ فَلِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالِاسْتِيفَاءِ إذْ الْقَضَاءُ لِلْإِظْهَارِ، وَالْقَطْعُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهَا مِنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْبَيْعَ، وَالْهِبَةَ لَكِنْ بِشَرْطِ الْقَبْضِ فِيهَا لِيَحْصُلَ الْمِلْكُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِلْكُهُ بَعْدَمَا ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ فَلَا قَطْعَ سَوَاءٌ أَقَامَ بَيِّنَةً أَوْ لَمْ يُقِمْ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ فَتَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى بِدَلِيلِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ. الرَّابِعَةُ: إذَا سَرَقَ
ــ
[منحة الخالق]
لَا كَالْغَاصِبِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ الْخُصُومَةُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْمَتْنِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ مُودِعًا أَوْ غَاصِبًا أَوْ صَاحِبَ رِبًا، فَإِنَّ التَّعْبِيرَ بِلَوْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَالِكَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْمَتْنُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَيُقْطَعُ بِطَلَبِ الْمَالِكِ لَوْ سَرَقَ مِنْهُمْ فَهَذَا يُعَارِضُ قَوْلَ السِّرَاجِ وَالشُّمُنِّيِّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَلِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ) هَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالرِّوَايَةُ لَيْسَ لَهُ وَسَيَأْتِي بَحْثُ الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ بِشَرْطِ الْقَبْضِ فِيهَا إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ رَدُّ الْمَسْرُوقِ إلَى الْمَالِكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute