لِلْعَامِلِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ إنْ شَاءَ قَلَعَ مَعَهُ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الدَّافِعِ قِيلَ: بِأُجْرَةٍ مِثْلِ عَمَلِهِ كَمَا لَوْ دَفَعَ نَحْلًا مُعَامَلَةً، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ فَلَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الْمُزَارَعَةَ هَلْ يَصِحُّ قَالُوا: إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْأَرْضِ لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَرِدْ عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَحِقِّ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ تَصِحُّ إجَارَتُهُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ، وَبَعْدَهَا فَلَا تَصِحُّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَنَفَقَةُ الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ حُقُوقِهِمَا كَأُجْرَةِ الْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ) تَجِبُ عَلَيْهِمَا نَفَقَةُ الزَّرْعِ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا أُجْرَةُ الْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدِّيَاسَةِ وَالتَّذْرِيَةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ أَمَّا نَفَقَةُ الزَّرْعِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَلِمَا بَيَّنَّا وَأَمَّا وُجُوبُ الْحَصَادِ وَمَا ذُكِرَ فَلِأَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ يُوجِبُ عَلَى الْعَامِلِ عَمَلًا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَى انْتِهَاءِ الزَّرْعِ لِيَزْدَادَ الزَّرْعُ بِذَلِكَ فَيَبْقَى ذَلِكَ بِاشْتِرَاكٍ بَيْنَهُمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ شَرَطَاهُ عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ) يَعْنِي شَرَطَا الْعَمَلَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ انْتِهَاءِ الزَّرْعِ كَالْحَصَادِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى الْعَامِلِ، أَوْ النَّفَقَةِ فَسَدَتْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي عَمَلَ الْمُزَارِعِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ الْمُزَارَعَةِ فَكَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَيَكُونُ شَرْطُهَا مُفْسِدًا كَشَرْطِ الْحَمْلِ وَالطَّحْنِ عَلَى الْعَامِلِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ، وَمَشَايِخُ بَلْخٍ كَانُوا يُفْتُونَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَيَزِيدُونَ عَلَى هَذَا وَيَقُولُونَ: وَيَجُوزُ شَرْطُ التَّنْقِيَةِ وَالْحَمْلِ إلَى مَنْزِلِهِ عَلَى الْعَامِلِ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ مُتَعَامَلَةٌ بَيْنَ النَّاسِ وَيَجُوزُ تَرْكُ الْقِيَاسِ بِالتَّعَامُلِ، أَوْ اخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ: هُوَ الْأَصَحُّ فِي دِيَارِنَا وَلَوْ شُرِطَ الْجَذَاذُ عَلَى الْعَامِلِ وَالْحَصَادُ عَلَى غَيْرِ الْعَامِلِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ التَّعَامُلِ لَوْ أَرَادَ فَصْلَ الْفَصِيلِ أَوْ جَدَّ التَّمْرِ بُسْرًا، أَوْ الْتِقَاطَهُ الرُّطَبَ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَيْهِمَا وَفِي الْأَصْلِ، وَإِذَا أَدْرَكَ الْبَاذِنْجَانُ، أَوْ الْبِطِّيخُ فَالْتِقَاطُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا وَالْحَمْلُ وَالْبَيْعُ عَلَيْهِمَا وَكَذَا الْحَصَادُ عَلَيْهِمَا. اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَكُلُّ عَمَلٍ يَزِيدُ فِي الزَّرْعِ وَلَا بُدَّ لِلْمُزَارِعِ مِنْهُ يَجِبُ عَلَى الْمُزَارِعِ شُرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَالسَّفَرِ وَغَيْرِهِ. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]
(كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ) قَالَ: فِي غَايَةِ الْبَيَانِ كَانَ مِنْ حَقِّ الْوَضْعِ أَنْ يُقَدَّمَ كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ عَلَى كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَلِهَذَا قَدَّمَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ كِتَابَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ إلَّا أَنَّ الْمُزَارَعَةَ لَمَّا كَانَتْ كَثِيرَةَ الْوُقُوعِ فِي عَامَّةِ الْبِلَادِ كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَاقَاةِ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْمُسَاقَاةِ اهـ.
وَلَك أَنْ تَقُولَ: وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا دَفْعًا إلَّا أَنَّ فِي الْمُزَارَعَةِ دَفْعَ الْأَرْضِ وَهِيَ الْأَصْلُ وَفِي الْمُسَاقَاةِ الْمَقْصُودُ دَفْعُ الْأَشْجَارِ وَهِيَ فَرْعٌ فَقُدِّمَ الْأَصْلُ وَهُوَ دَفْعُ الْأَرْضِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مُفَاعَلَةٌ مِنْ السَّقْيِ وَسَبَبُ جَوَازِهَا حَاجَةُ النَّاسِ إلَيْهَا، وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالِارْتِبَاطُ، وَدَلِيلُهَا مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُزَارَعَةِ، وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْعَاقِدِ وَالسَّاقِي مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ، وَشَرْطُ صِحَّتِهَا كَوْنُ الثَّمَرَةِ تَزِيدُ بِالْعَمَلِ، وَصِفَتُهَا أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا سَنَذْكُرُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هِيَ مُعَاقَدَةُ دَفْعِ الْأَشْجَارِ إلَى مَنْ يَعْمَلُ فِيهَا عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَهُمَا) فَقَوْلُهُ " مُعَاقَدَةُ " جِنْسٌ وَقَوْلُهُ " دَفْعِ الْأَشْجَارِ " أَخْرَجَ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكِ الْعَيْنِ لَا دَفْعِهَا، وَقَوْلُهُ " إلَى مَنْ يَعْمَلُ فِيهَا " أَخْرَجَ الْإِجَارَةَ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِيهَا دَفْعٌ لِلِانْتِفَاعِ لَا لِيَعْمَلَ فِيهَا، وَقَوْلُهُ " عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَهُمَا " أَخْرَجَ الْمُزَارَعَةَ وَأَطْلَقَ مَنْ يَعْمَلُ فَشَمِلَ الشَّرِيكَ وَغَيْرَهُ وَلَوْ زَادَ الْأَجْنَبِيَّ لِيَعْمَلَ فِيهَا إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ وَهُمَا مَالِكَانِ لَا يَصِحُّ قَالَ فِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ إذَا كَانَ النَّخْلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَدَفَعَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ وَيَسْقِيَهُ وَمَا خَرَجَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ لِلدَّافِعِ وَثُلُثَاهُ لِلْعَامِلِ فَهَذِهِ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةٌ وَلَوْ كَانَ مَكَانَهَا مُزَارَعَةٌ بِأَنْ كَانَتْ أَرْضٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَدَفَعَهَا أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مُزَارَعَةً عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ ثُلُثُهُ لِلدَّافِعِ وَثُلُثَاهُ لِلْعَامِلِ جَازَ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَهِيَ كَالْمُزَارَعَةِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا، وَشَرْطُهَا عِنْدَهُمَا شُرُوطُ الْمُزَارَعَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءِ أَحَدُهَا إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُضِيِّ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ الثَّانِي إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ تُتْرَكُ بِلَا أُجْرَةٍ عَلَى مَا تَبَيَّنَ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ الثَّالِثُ إذَا اُسْتُحِقَّ النَّخْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute