للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَرْجِعُ الْعَامِلُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَالزَّارِعُ بِقِيمَةِ الزَّرْعِ وَالرَّابِعُ فِي بَيَانِ الْمُدَّةِ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ فِيهَا فَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ التَّيَقُّنَ وَقْتَ إدْرَاكِ الثَّمَرَةِ مَعْلُومٌ وَقَلَّ مَا يَتَفَاوَتُ فِيهِ فَيَدْخُلُ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ، وَإِدْرَاكُ الْبَذْرِ فِي أُصُولِ الرُّطَبَةِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ الثِّمَارِ لِأَنَّ لَهَا نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا بَيَانُ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ يَخْتَلِفُ، وَالِانْتِهَاءَ يَنْبَنِي عَلَيْهِ فَتَدْخُلُهُ الْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ غَرْسًا قَدْ نَبَتَ وَلَمْ يُثْمِرْ بَعْدُ مُعَامَلَةً حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِقُوَّةِ الْأَرْضِ وَضَعْفِهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا فَلَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى أَوَّلِ ثَمَرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ نَخْلًا، أَوْ أُصُولَ رُطَبَةٍ عَلَى أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا حَتَّى يَذْهَبَ أُصُولُهَا وَنَبْتُهَا لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَتَى يَنْقَطِعُ النَّخْلُ.

أَوْ الرُّطَبُ لِأَنَّ الرُّطَبَ ثَمَرٌ مَا دَامَتْ أُصُولُهَا فَتَكُونُ مَجْهُولَةً فَتَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ فِي الرُّطَبَةِ وَلَمْ يُرِدْ فِي قَوْلِهِ حَتَّى يَذْهَبَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ فِي النَّخْلِ حَيْثُ يَجُوزُ وَيَنْصَرِفُ إلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ مِنْهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ لِإِدْرَاكِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَلَا يُعْرَفُ فِي الرُّطَبَةِ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْهُ حَتَّى لَوْ عُرِفَ جَازَ لِعَدَمِ الْجَهَالَةِ وَلَوْ أَطْلَقَ فِي النَّخْلِ وَلَمْ يُثْمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ انْقَطَعَتْ الْمُعَامَلَةُ فِيهَا لِانْتِهَاءِ مُدَّتِهَا فَإِنْ سَمَّى فِيهَا مُدَّةً يَعْلَمُ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَا تَخْرُجُ فِي الْمُدَّةِ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الثِّمَارِ، وَإِنْ ذَكَرَا مُدَّةً يُحْتَمَلُ الطُّلُوعُ فِيهَا جَازَتْ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ، ثُمَّ إنْ خَرَجَ فِي الْوَقْتِ الْمُسَمَّى فَهُوَ عَلَى الشَّرِكَةِ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِي الْمُدَّةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ أَصْلًا لِأَنَّ الذَّهَابَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ كَانَ فَاسِدًا فَبَقِيَ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَلَا شَيْءَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَإِنْ ذَكَرَا مُدَّةً قَدْ يَخْرُجُ وَقَدْ لَا يَخْرُجُ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ إنْ أَخْرَجَتْ فِي الْمُدَّةِ صَحَّتْ، وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ فَسَدَتْ وَهَذَا إذَا خَرَجَتْ فِي الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ مَا يُرْغَبُ فِي مِثْلِهِ فَإِنْ أَخْرَجَتْ فِي شَيْءٍ لَا يُرْغَبُ فِي مِثْلِهِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ. اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ رُطَبَةً ثَابِتَةً فِي الْأَرْضِ وَقَدْ انْتَهَى جَوَازُهَا لَكِنْ بَذْرُهَا لَمْ يَخْرُجْ لِيُقَوَّمَ لِيَخْرُجَ الْبَذْرُ عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَمْ يُسَمِّيَا وَقْتًا جَازَ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأُجْرَةَ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ وَلَوْ شَرَطَا أَنَّ الرُّطَبَةَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَمْ تَجُزْ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِبَعْضِ مَا أُوجِدَ قَبْلَ عَمَلِهِ مَقْصُودًا، وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَلَوْ دَفَعَ أَرْضًا مُعَامَلَةً خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ سَنَةٍ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يَجُزْ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتَصِحُّ فِي الْكَرْمِ وَالشَّجَرِ وَالرُّطَبِ وَأُصُولِ الْبَاذِنْجَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فِي الْجَدِيدِ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ» وَهَذَا مُطْلَقٌ فَلَا يَجُوزُ قَصْرُهُ عَلَى بَعْضِ الْأَشْجَارِ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ فَلَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ دَفَعَ كَرْمًا مُعَامَلَةً وَفِيهِ أَشْجَارٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ سِوَى الْحِفْظِ فَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ لَمْ تُحْفَظْ يَذْهَبُ ثَمَرُهَا قَبْلَ الْإِدْرَاكِ لَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ فِي تِلْكَ الْأَشْجَارِ وَلَا نَصِيبَ لِلْعَامِلِ فِيهَا، وَفِي التَّجْرِيدِ: رَجُلٌ دَفَعَ نَخْلًا إلَى رَجُلَيْنِ مُعَامَلَةً عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمْ السُّدُسَ وَلِلْآخَرِ النِّصْفَ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثَ فَهِيَ جَائِزَةٌ وَلَوْ شَرَطُوا لِصَاحِبِ النَّخْلِ الثُّلُثَ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَيْنِ وَلِلثَّالِثِ أَجْرَ مِائَةٍ عَلَى الْعَامِلِ فَهَذَا فَاسِدٌ وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِرَبِّ النَّخْلِ وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ الَّذِي شُرِطَ لَهُ الثُّلُثَانِ عَلَى رَبِّ النَّخْلِ وَلِرَبِّ النَّخْلِ الثُّلُثَانِ وَلِلثَّالِثِ الثُّلُثُ فَهِيَ جَائِزَةٌ، وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلَيْنِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا دَفَعَ أَرْضَهُ مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يَغْرِسَ الْعَامِلُ فِيهَا أَغْرَاسًا وَالْغِرَاسُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا فَهَذَا يَجُوزُ فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِقَلْعِ الْأَشْجَارِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِغَيْرِ رِضَا الْمُسْتَأْجِرِ إذَا لَمْ يَضُرَّ الْقَلْعُ بِالْأَرْضِ فَإِنْ كَانَ يَضُرُّهَا ضَرَرًا فَاحِشًا فَلَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِغَيْرِ رِضَاهُ وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ: إذَا دَفَعَ أَرْضَهُ لِلْغِرَاسِ عَلَى أَنَّ الْغِرَاسَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْغِرَاسُ مِنْ جَانِبِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَغَرْسُ الْغِرَاسِ كُلِّهِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَامِلِ وَقَالَ لَهُ اغْرِسْهَا فَالْغِرَاسُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلِلْعَامِلِ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا. اهـ.

وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ لَوْ غَرَسَ حَافَّتَيْ نَهْرٍ فَقَالَ رَجُلٌ: غَرَسْت لِي لِأَنَّك كُنْت خَادِمِي، وَفِي عِيَالِي وَقَالَ الْغَارِسُ لِنَفْسِي فَإِنْ عُرِفَ أَنَّ الْغَارِسَ كَانَ وَقْتَ الْغِرَاسِ فِي عِيَالِهِ يَعْمَلُ لَهُ مِثْلَ هَذَا الْعَمَلِ فَالشَّجَرُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ فَلِلْغَارِسِ ذَلِكَ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ دَفَعَ نَخْلًا فِيهِ ثَمَرٌ مُسَاقَاةً وَالثَّمَرُ يَزِيدُ بِالْعَمَلِ صَحَّتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>