للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَلِمَةً دَالَّةً عَلَى ظَفَرِهِمْ بِالْعَدُوِّ بِطَرِيقِ التُّفُولِ وَيُكْرَهُ لِلْغُزَاةِ اتِّخَاذُ الْأَجْرَاسِ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَمَّا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بَأْسَ بِهَذِهِ الطُّبُولِ الَّتِي تُضْرَبُ فِي الْحَرْبِ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ وَاسْتِعْدَادِهِمْ لِلْقِتَالِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطَبْلَةِ لَهْوٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَمِيرُ الْجَيْشِ بَصِيرًا بِأَمْرِ الْحَرْبِ حَسَنَ التَّدْبِيرِ لِذَلِكَ لَيْسَ مِمَّنْ يَقْتَحِمُ بِهِمْ الْمَهَالِكَ وَلَا مِمَّا يَمْنَعُهُمْ عَنْ الْفُرْصَةِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الصُّفُوفَ وَيَطُوفَ عَلَيْهِمْ يَحُضُّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَيُبَشِّرُهُمْ بِالْفَتْحِ إنْ صَدَقُوا أَوْ صَبَرُوا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُخْتَصَرًا

(قَوْلُهُ: فَإِنْ حَاصَرْنَاهُمْ نَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ) أَيْ ضَيَّقْنَا بِالْكُفَّارِ وَأَحَطْنَا بِهِمْ يُقَالُ حَاصَرَهُ الْعَدُوُّ مُحَاصَرَةً وَحِصَارًا إذَا ضَيَّقُوا عَلَيْهِ وَأَحَاطُوا بِهِ فَطَلَبَ مِنْهُمْ الدُّخُولَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «مَا قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمًا قَطُّ إلَّا دَعَاهُمْ» .

وَفِي الصَّحِيحِ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»

[مَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا]

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا وَهُوَ نَوْعَانِ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَالْكُفَّارُ أَقْسَامٌ: قِسْمٌ يَجْحَدُونَ الْبَارِيَ جَلَّ وَعَلَا وَإِسْلَامُهُمْ إقْرَارُهُمْ بِوُجُودِهِ، وَقِسْمٌ يُقِرُّونَ بِهِ وَلَكِنْ يُنْكِرُونَ وَحْدَانِيَّتَهُ وَإِسْلَامُهُمْ إقْرَارُهُمْ بِوَحْدَانِيِّتِهِ، وَقِسْمٌ أَقَرُّوا بِوَحْدَانِيِّتِهِ وَجَحَدُوا رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِسْلَامَهُمْ إقْرَارُهُمْ بِرِسَالَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَقَرَّ بِخِلَافِ مَا كَانَ مَعْلُومًا مِنْ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْكِتَابِيِّ أَمَّا الْيَهُودِيُّ، وَالنَّصْرَانِيُّ فَكَانَ إسْلَامُهُمْ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالشَّهَادَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ رِسَالَةَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَّا الْيَوْمَ بِبِلَادِ الْعِرَاقِ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِهِمَا مَا لَمْ يَقُلْ تَبَرَّأْت عَنْ دِينِي وَدَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ أُرْسِلَ إلَى الْعَرَبِ، وَالْعَجَمِ لَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ كَذَا صَرَّحَ بِهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنَّمَا شُرِطَ مَعَ التَّبَرِّي إقْرَارُهُمْ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَرَّأَ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَيَدْخُلُ فِي النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ فِي الْمَجُوسِيَّةِ وَلَوْ قِيلَ لِنَصْرَانِيٍّ: أَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ حَقٌّ؟ فَقَالَ نَعَمْ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ قَالَ رَسُولٌ إلَى الْعَرَبِ، وَالْعَجَمِ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: هُوَ رَسُولٌ إلَى الْعَرَبِ، وَالْعَجَمِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبِعْ بَعْدُ، فَإِنْ قِيلَ يَجِبُ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِإِسْلَامِ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ، وَإِنْ أَقَرَّ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَبَرَّأَ عَنْ دِينِهِ وَدَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ مَا لَمْ يُؤْمِنْ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَيُقِرُّ بِالْبَعْثِ وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَرَائِطِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قُلْنَا الْإِقْرَارُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَصًّا فَقَدْ وُجِدَ دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِدُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ فَقَدْ الْتَزَمَ جَمِيعَ مَا كَانَ شُرِطَ صِحَّتُهُ وَلَوْ قَالَ الْكِتَابِيُّ أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ أَسْلَمْت لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنْفُسِهِمْ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا عَلَى دِينِ الْحَنِيفِيَّةِ وَلَوْ قَالَ الذِّمِّيُّ لِمُسْلِمٍ أَنَا مُسْلِمٌ مِثْلُك يَصِيرُ مُسْلِمًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَالْفَتَاوَى.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكِتَابِيَّ الْيَوْمَ إذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ سُئِلَ إذَا قَالَ الذِّمِّيُّ أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا مُسْلِمٌ ثُمَّ فَعَلَهُ أَوْ تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا غَيْرُ هَلْ يَصِيرُ مُسْلِمًا أَجَابَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَذَا أَفْتَى عُلَمَاؤُنَا وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ إذَا تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّأْ عَنْ دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِهِمَا صَارَ عَلَامَةً عَلَى الْإِسْلَامِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَإِذَا رَجَعَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى الْإِسْلَامِ فَيُتْرَكَ. اهـ.

وَهَذَا يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فِي دِيَارِ مِصْرَ بِالْقَاهِرَةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَهَذَا يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ إلَخْ) رَأَيْت لِلْعَلَّامَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي رِسَالَةً حَافِلَةً فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُؤَلِّفِ مُشْتَمِلَةً عَلَى نَقْلِ عِبَارَاتِ عُلَمَاءِ مَذْهَبِنَا الصَّرِيحَةِ فِيمَا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّبَرِّي وَأَطَالَ لِسَانَهُ عَلَى الْمُؤَلِّفِ فِيمَا قَالَهُ هُنَا تَبَعًا لِسِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ النُّصُوصَ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي مِصْرَ لَا يُقِرُّونَ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرِّسَالَةِ بَلْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مِصْرَ أَيْضًا وَصَارَ التَّلَفُّظُ بِالشَّهَادَتَيْنِ عَلَمًا عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِذَا يَمْتَنِعُونَ مِنْهَا غَايَةَ الِامْتِنَاعِ وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عُلَمَاؤُنَا فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِهِمْ وَفِي بِلَادِهِمْ وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى تَغَيُّرِ الْعُرْفِ وَالزَّمَانِ وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا قَالَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ كَمَا قَالُوا فِي أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِنْ أَنَّهُ صَارَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الزَّمَنِ الْمُتَأَخِّرِ الطَّلَاقَ.

وَأَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ بِدُونِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَكَمْ لَهُ مِنْ نَظِيرِ مَا قَالَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا يُنَوِّهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْعُرْفِ وَالزَّمَانِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَكْتَفِي مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ بِالتَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَقَطْ بَلْ بِقَوْلِ الْقَائِلِ صَبَأْت، وَإِنَّمَا اشْتَرَطُوا التَّبَرِّي فِي زَمَانِهِمْ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ صَارُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولٌ إلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ لَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ كَمَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَمَّا الْيَوْمَ بِبِلَادِ الْعِرَاقِ إلَى آخِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>