للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَيْدِيهِمْ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْحَرْبِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَالذَّرَارِيِّ مَا لَمْ يَبْلُغُوا حُصُونَهُمْ وَجُدُرَهُمْ وَيَسَعُهُمْ أَنْ لَا يَتْبَعُوهُمْ فِي حَقِّ الْمَالِ وَذَرَارِيُّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَمْوَالُهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ ذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ. اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ سُبِيَتْ بِالْمَشْرِقِ وَجَبَ عَلَى أَهْل الْمَغْرِبِ تَخْلِيصُهَا مِنْ الْأَسْرِ مَا لَمْ تَدْخُلْ دَارَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ. اهـ.

وَمُقْتَضَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يَجِبُ تَخْلِيصُهَا مَا لَمْ تَدْخُلْ حُصُونَهُمْ وَجُدُرَهُمْ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَيَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنْفِرُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ يُشْتَهَرُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَالِ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي مُنَادِي السُّلْطَانِ يُقْبَلُ خَبَرُهُ عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ الْجُعْلُ إنْ وُجِدَ فَيْءٌ وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ فَلَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَجْرَ وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَوِّيَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْأَعْلَى بِإِلْحَاقِ الْأَدْنَى يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخَذَ دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُغْزِي الْأَعْزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ وَيُعْطِي الشَّاخِصَ فَرَسَ الْقَاعِدِ، وَالْجُعْلُ بِضَمِّ الْجِيمِ مَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا أَنْ يُكَلِّفَ الْإِمَامُ النَّاسَ بِأَنْ يُقَوِّيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْكُرَاعِ، وَالسِّلَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّفَقَةِ، وَالزَّادِ، وَالْفَيْءُ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ قِتَالٍ كَالْخَرَاجِ، وَالْجِزْيَةِ، وَأَمَّا الْمَأْخُوذُ بِقِتَالٍ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى غَنِيمَةً كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَيْءٌ وَكَانَ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْجُعْلُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِجَوَازِ الِاسْتِقْرَاضِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْفَيْءَ فِي الذَّخِيرَةِ، والولوالجية إنَّمَا ذَكَرَ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ الْحَقُّ وَفِي الذَّخِيرَةِ ثُمَّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجَاهِدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: ٧٨] وَحَقُّ الْجِهَادِ أَنْ يُجَاهِدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِهِ جُعْلًا وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْخُرُوجِ وَلَهُ مَالٌ يَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ غَيْرَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَالِهِ وَمَنْ قَدَرَ بِنَفْسِهِ وَلَا مَالَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ يُعْطِيهِ الْإِمَامُ كِفَايَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ كِفَايَتَهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِهِ جُعْلًا وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجُعْلَ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ: إذَا قَالَ الْقَاعِدُ لِلشَّاخِصِ خُذْ هَذَا الْمَالَ فَاغْزُ بِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِئْجَارٍ عَلَى الْجِهَادِ فَأَمَّا إذَا قَالَ خُذْهُ لِتَغْزُوَ بِهِ عَنِّي فَهَذَا اسْتِئْجَارٌ عَلَى الْجِهَادِ فَلَا يَجُوزُ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةُ الْحَجِّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِهِ جُعْلًا لِيَغْزُوَ بِهِ عَنْهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِ الْغَزْوِ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ قَالَ لَهُ اُغْزُ بِهَذَا الْمَالِ عَنِّي فَلَيْسَ لَهُ صَرْفُهُ فِي غَيْرِهِ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَنَفَقَةِ أَهْلِهِ كَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ مَالًا وَقَالَ حُجَّ بِهِ عَنِّي، وَإِنْ قَالَ اُغْزُ بِهِ فَلَهُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ كَمَنْ دَفَعَ مَالًا وَقَالَ حُجَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ الْمَالَ وَأَشَارَ إلَيْهِ إشَارَةً فَلَهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ بِإِشَارَتِهِ كَقَوْلِهِ هَذِهِ الدَّارُ لَك فَاسْكُنْهَا وَهَذَا الثَّوْبُ لَك فَالْبَسْهُ كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَسْكُنَهَا وَلَا يَلْبَسَهُ وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ أَنَّ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ الْجُعْلِ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْخُرُوجُ إلَّا بِهَذَا فَكَانَ مِنْ أَعْمَالِ الْجِهَادِ مَعْنًى وَتَفَرَّعَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مَا إذَا عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ لِيَغْزُوَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ إمْسَاكَ الْفَضْلِ لِرَبِّ الْمَالِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْإِمْسَاكَ لِنَفْسِهِ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَا مَلَّكَهُ بَلْ أَبَاحَ لَهُ الْإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْغَزْوِ وَفِي الثَّانِي يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَغْزُوَ أَصْلًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ مُخْتَصَرًا.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَلْوِيَةُ الْمُسْلِمِينَ بَيْضَاءَ، وَالرَّايَاتُ سَوْدَاءَ، وَاللِّوَاءُ لِلْإِمَامِ، وَالرَّايَاتُ لِلْقُوَّادِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَ لِكُلِّ قَوْمٍ شِعَارًا حَتَّى إذَا ضَلَّ رَجُلٌ عَنْ رَايَتِهِ نَادَى بِشِعَارِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ، وَالشِّعَارُ الْعَلَامَةُ، وَالْخِيَارُ إلَى إمَامِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْتَارَ

ــ

[منحة الخالق]

قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ فِي غَيْرِ الْغَزْوِ) ظَاهِرُهُ صِحَّةُ هَذَا الْعَقْدِ بِقَوْلِهِ اُغْزُ بِهِ عَنِّي مَعَ أَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>