للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ شَيْئًا مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى بِطَرِيقِهِ. اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي يَدِهِ جَارِيَةٌ يَقُولُ أَوْدَعَنِيهَا فُلَانٌ الْغَائِبُ وَبَرْهَنَ فَقَالَ الْمُدَّعِي بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا بَعْدَ الْإِيدَاعِ مِنْك عَلَيْهِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهَا أَوْ، وَهَبَهَا مِنْك. فِي يَدِهِ عَبْدٌ وَرِثَهُ مِنْ أُمِّهِ ادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ كَانَ أَوْدَعَهُ مِنْ أَبِيهِ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ. اهـ.

فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَتْ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ كَفَى وَسَقَطَتْ عَنْهُ وَعَلَى عَكْسِهِ لَا، وَلَا يُقْضَى بِنُكُولِهِ عَمَّا لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَالْبَتَاتُ بِمَعْنَى الْبَتِّ بِمَعْنَى الْقَطْعِ وَكَانَ الْيَمِينُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا قَطْعَ فِيهَا بِخِلَافِ الْأُخْرَى، وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ الْبَتُّ بَدَلُ الْبَتَاتِ، وَلَمْ أَرَ فِيمَا عِنْدِي مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّ الْبَتَاتَ بِمَعْنَى الْقَطْعِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّ الْبَتَّ بِمَعْنَى الْقَطْعِ، وَأَنَّ الْبَتَاتَ الزَّادُ وَالْجِهَازُ، وَمَتَاعُ الْبَيْتِ وَالْجَمْعُ أَبِتَّةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُغْرِبِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ افْتَدَى الْمُنْكِرُ يَمِينَهُ أَوْ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ صَحَّ، وَلَمْ يَحْلِفْ بَعْدَهُ) أَمَّا الْجَوَازُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَأَعْطَى شَيْئًا وَافْتَدَى بِيَمِينِهِ، وَلَمْ يَحْلِفْ وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ افْتَدَى بِيَمِينِهِ بِمَالٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ يَقَعُ فِي الْقِيلِ وَالْقَالِ فَإِنَّ النَّاسَ بَيْنَ مُصَدِّقٍ، وَمُكَذِّبٍ فَإِذَا افْتَدَى بِيَمِينِهِ فَقَدْ صَانَ عِرْضَهُ، وَهُوَ حَسَنٌ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ذُبُّوا عَنْ أَعْرَاضِكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ» وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ وَاجِبٌ. اهـ.

وَمُرَادُهُ ثَابِتٌ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْحَلِفِ صَادِقًا، وَإِنَّمَا لَا يَحْلِفُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ خُصُومَتَهُ بِأَخْذِ الْبَدَلِ عَنْهُ قَيَّدَ بِالْفِدَاءِ وَالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِيَمِينِهِ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ عَقْدُ تَمْلِيكِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِمَالٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَظَاهِرُ مَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ أَنَّ أَخْذَ الْمَالِ فِي الْفِدَاءِ وَالصُّلْحِ عَنْ الْيَمِينِ إنَّمَا يَحِلُّ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي مُحِقًّا لِيَكُونَ الْمَأْخُوذُ فِي حَقِّهِ بَدَلًا كَمَا فِي الصُّلْحِ عَنْ الْإِنْكَارِ فَلَوْ كَانَ مُبْطِلًا لَمْ يَحِلَّ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهَا عَائِدٌ إلَى يَمِينِهِ أَيْ بَدَلِهَا، وَفِي شَرْحِ مِسْكِينٍ ثُمَّ الِافْتِدَاءُ قَدْ يَكُونُ بِمَالٍ بِمِثْلِ الْمُدَّعَى، وَقَدْ يَكُونُ بِأَقَلَّ مِنْهُ، وَأَمَّا الصُّلْحُ فَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْهُ عَلَى مَالٍ هُوَ أَقَلُّ مِنْ الْمُدَّعَى غَالِبًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ. اهـ.

قَيَّدَ بِالْإِسْقَاطِ ضِمْنَ الِافْتِدَاءِ وَالصُّلْحِ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَهَا قَصْدًا غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا فِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ آخِرَ الرَّابِعَ عَشَرَ قَالَ الْمُدَّعِي بَرِئْتَ مِنْ الْحَلِفِ أَوْ تَرَكْتُ عَلَيْهِ الْحَلِفَ أَوْ وَهَبْتُ لَا يَصِحُّ، وَلَهُ التَّحْلِيفُ بِخِلَافِ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ لِلْحَاكِمِ. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ التَّحَالُفِ]

لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ يَمِينِ الْوَاحِدِ ذَكَرَ حُكْمَ يَمِينِ الِاثْنَيْنِ إذْ الِاثْنَانِ بَعْدَ الْوَاحِدِ وَالتَّحَالُفُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ تَحَالَفُوا تَعَاهَدُوا. اهـ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ الْحَلِيفُ الْمُعَاهِدُ، يُقَالُ مِنْهُ تَحَالَفَا إذَا تَعَاهَدَا أَوْ تَعَاقَدَا عَلَى أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُمَا وَاحِدًا فِي النُّصْرَةِ وَالْحِمَايَةِ. اهـ.

وَلَيْسَ بِمُرَادٍ هُنَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ حَلِفُ الْمُتَعَاقِدِينَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ (قَوْلُهُ: اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ قُضِيَ لِمَنْ بَرْهَنَ) أَيْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ أَحَدِهِمَا، وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُضِيَ لَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى، وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْهَا، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْبُرْهَانُ الْحُجَّةُ، وَإِيضَاحُهَا قِيلَ النُّونُ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ أَصْلِيَّةٌ وَحَكَى الْأَزْهَرِيُّ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ فِي بَابِ الثُّلَاثِيّ النُّونُ زَائِدَةٌ، وَقَوْلُهُ بَرْهَنَ فُلَانٌ مُوَلَّدٌ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ أَبْرَه إذَا جَاءَ بِالْبُرْهَانِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، وَقَالَ فِي بَابِ الرُّبَاعِيِّ بَرْهَنَ إذَا أَتَى بِحُجَّتِهِ. اهـ.

اعْلَمْ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الثَّمَنِ رَأْسُ الْمَالِ، وَفِي الْمَبِيعِ الْمُسْلَمُ فِيهِ، وَقَدَّمْنَا فِي بَابِهِ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَيَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ السَّلَمُ وَيَدْخُلُ أَيْضًا مَا فِي الْكَافِي عَبْدٌ قُطِعَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقَالَ الْبَائِعُ قَطَعَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْبَيْعِ، وَلِي عَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَكُلُّ الثَّمَنِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي قَطَعَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَلِي الْخِيَارُ بَيْنَ أَخْذِهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ أَوْ تَرْكِهِ، وَلَا بَيِّنَةَ تَحَالَفَا فَإِنْ حَلَفَا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي بِكُلِّ ثَمَنِهِ أَوْ تَرَكَ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِمُشْتَرِيهِ، وَإِنْ اتَّفَقَا أَنَّ قَاطِعَهُ بَائِعُهُ أَوْ مُشْتَرِيهِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ وَادَّعَاهُ الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِي بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ وَالْبَيِّنَةُ لِمُشْتَرِيهِ. اهـ.

وَيَدْخُلُ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْمَبِيعِ مَا فِي الْكَافِي ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِمِائَةِ دِينَارٍ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلَا يُقْضَى بِنُكُولِهِ عَمَّا لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَجِبُ الْيَمِينُ بَتًّا فَحَلَّفَ الْقَاضِي عَلَى الْعِلْمِ لَا يُعْتَبَرُ نُكُولُهُ، لَوْ وَجَبَ عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَّفَهُ بَتًّا سَقَطَ عَنْهُ الْحَلِفُ إذْ الْبَتُّ أَقْوَى وَلَوْ نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ، وَقِيلَ هَذَا الْفَرْعُ مُشْكِلٌ. اهـ.

أَقُولُ: وَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّهُ كَيْفَ يُقْضَى عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ إلَى الْبَتِّ فَنُكُولُهُ عَنْهُ لِعَدَمِ لُزُومِهِ لَهُ فَلَا يَكُونُ بَذْلًا وَلَا إقْرَارًا وَيَزُولُ الْإِشْكَالُ بِأَنَّهُ مُسْقِطٌ لِلْيَمِينِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ فَاعْتُبِرَ فَيَكُونُ قَضَاءً بَعْدَ نُكُولٍ عَنْ يَمِينٍ مُسْقِطٍ لِلْحَلِفِ عَنْهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ وَلِهَذَا يَحْلِفُ ثَانِيًا فِي صُورَةِ الْعَكْسِ لِعَدَمِ سُقُوطِ الْحَلِفِ عَنْهُ بِهَا فَنُكُولُهُ عَنْهُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَالِاجْتِزَاءِ بِهِ فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ تَأَمَّلْ

(بَابُ التَّحَالُفِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>