خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا ثَلَاثَةٌ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ أَوْ الشُّهُورَ يَقَعُ عَلَى الْعَشَرَةِ عِنْدَهُ، وَعَلَى الْأُسْبُوعِ وَالسَّنَةِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَهْدُ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْجِنْسِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ حَمْلَ الْجَمْعِ عَلَى الْجِنْسِ مَجَازًا وَعَلَى الْعَهْدِ أَوْ الِاسْتِغْرَاقِ حَقِيقَةً، وَلَا مُسَوِّغَ لِلْحَلِفِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَصْلِ وَعَلَى هَذَا تَنَصَّفَ الْمُوصَى بِهِ لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ كَالْوَصِيَّةِ لِزَيْدٍ وَفَقِيرٍ.
(قَوْلُهُ لَا إلَى ذِمِّيٍّ) أَيْ لَا تُدْفَعُ إلَى ذِمِّيٍّ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ «خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ» لَا لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الشَّيْءِ يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ بَلْ لِلْأَمْرِ بِرَدِّهَا إلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَالصَّرْفُ إلَى غَيْرِهِمْ تَرْكٌ لِلْأَمْرِ، وَحَدِيثُ مُعَاذٍ مَشْهُورٌ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَلَئِنْ كَانَ خَبَرَ وَاحِدٍ فَالْعَامُّ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ، وَهُوَ الْفَقِيرُ الْحَرْبِيُّ بِالْآيَةِ وَأُصُولُهُ وَفُرُوعُهُ بِالْإِجْمَاعِ فَيُخَصُّ الْبَاقِي بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (قَوْلُهُ وَصَحَّ غَيْرُهَا) أَيْ وَصَحَّ دَفْعُ غَيْرِ الزَّكَاةِ إلَى الذِّمِّيِّ وَاجِبًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْذُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: ٨] الْآيَةَ، وَخُصَّتْ الزَّكَاةُ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَهُ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا يُدْفَعُ إلَى ذِمِّيٍّ، وَالصَّرْفُ فِي الْكُلِّ إلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ، وَقُيِّدَ بِالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ وَاجِبَةً أَوَتَطَوُّعًا لَا تَجُوزُ لِلْحَرْبِيِّ اتِّفَاقًا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: ٩] وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُسْتَأْمَنَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ
(قَوْلُهُ وَبِنَاءِ مَسْجِدٍ وَتَكْفِينُ مَيِّتٍ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَشِرَاءِ قِنٍّ يُعْتَقُ) بِالْجَرِّ بِالْعَطْفِ عَلَى ذِمِّيٍّ، وَالضَّمِيرُ فِي دَيْنِهِ لِلْمَيِّتِ وَعَدَمُ الْجَوَازِ لِانْعِدَامِ التَّمْلِيكِ الَّذِي هُوَ الرُّكْنُ فِي الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَنَ عَلَى مِلْكِ الْمُتَبَرِّعِ حَتَّى لَوْ افْتَرَسَ الْمَيِّتَ السَّبُعُ كَانَ الْكَفَنُ لِلْمُتَبَرِّعِ لَا لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَقَضَاءُ دَيْنِ الْغَيْرِ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ الْحَيِّ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ ثُمَّ تَصَادَقَ الدَّائِنُ وَالْمَدْيُونُ عَلَى عَدَمِهِ رَجَعَ الْمُتَبَرِّعُ عَلَى الدَّائِنِ لَا عَلَى الْمَدْيُونِ، وَالْإِعْتَاقُ إسْقَاطٌ لَا تَمْلِيكٌ قُيِّدَ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَضَى دَيْنَ الْحَيِّ إنْ قَضَاهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ قَضَاهُ بِأَمْرِهِ جَازَ، وَيَكُونُ الْقَابِضُ كَالْوَكِيلِ لَهُ فِي قَبْضِ الصَّدَقَةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَدْيُونُ فَقِيرًا، وَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ رُجُوعَ الْمُتَبَرِّعِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَ التَّصَادُقِ عَلَى الدَّائِنِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَدْيُونِ أَمَّا إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ فَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْهُ فَلَا رُجُوعَ عِنْدَ التَّصَادُقِ بِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَى الدَّائِنِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ، وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ مَا لَوْ دَفَعَهُ نَاوِيًا الزَّكَاةَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا رُجُوعَ فِيهَا كَمَا بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَلْيُرَاجَعْ، وَالْحِيلَةُ فِي الْجَوَازِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِقْدَارِ زَكَاتِهِ عَلَى فَقِيرٍ ثُمَّ يَأْمُرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالصَّرْفِ إلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْمَالِ ثَوَابُ الزَّكَاةِ وَلِلْفَقِيرِ ثَوَابُ هَذِهِ الْقُرَبِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَ يَتِيمًا بِنِيَّتِهَا لَا يُجْزِئُهُ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ إلَّا إذَا دَفَعَ لَهُ الطَّعَامَ كَالْكِسْوَةِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ
ــ
[منحة الخالق]
أَقُولُ: تَقَدَّمَ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ إذَا وَصَلَ إلَى مَالِهِ وَبَقِيَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ الَّذِي أَخَذَهُ يَحِلُّ لَهُ كَمَا يَحِلُّ لِمَوْلَى الْمُكَاتَبِ الَّذِي عَجَزَ لَكِنْ لَا مُنَافَاةَ فَإِنَّ مَا هُنَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْرُ الْحَاجَةِ لَا أَكْثَرُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ قَدْ يَفْضُلُ مَعَهُ شَيْءٌ فَأَفَادَ مَا فِي الْمَجْمَعِ أَنَّ هَذَا الْفَاضِلَ يَحِلُّ لَهُ
[دُفَعُ الزَّكَاةُ إلَى ذِمِّيٍّ]
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ فِي جَوَازِ دَفْعِ غَيْرِ الزَّكَاةِ إلَيْهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَبِهِ نَأْخُذُ (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُسْتَأْمَنَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَيْ أَطْلَقَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْحَرْبِيَّ فَشَمِلَ الْمُسْتَأْمَنَ، وَدُخُولُهُ فِي الْحَرْبِيِّ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا الْإِذْنُ خَصَّهُ بِوَصْفٍ لَا يَمْنَعُ إطْلَاقَ الْحَرْبِيِّ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ
[بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَتَكْفِينِ مَيِّتٍ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَشِرَاءِ قِنٍّ مِنْ الزَّكَاةِ]
(قَوْلُهُ: رَجَعَ الْمُتَبَرِّعُ عَلَى الدَّائِنِ لَا عَلَى الْمَدْيُونِ) الْأَظْهَرُ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَهِيَ يَسْتَرِدُّهُ الدَّافِعُ، وَلَيْسَ لِلْمَدْيُونِ أَخْذُهُ فَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْمَدْيُونِ أَخْذُهُ هُوَ ثَمَرَةُ قَوْلِهِ قَضَاءُ دَيْنِ الْغَيْرِ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَضَى تَمْلِيكَهُ مِنْ الْمَدْيُونِ كَانَ حَقُّ الْأَخْذِ عِنْدَ الْمُصَادِقَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْمَدْيُونِ لَا لِلدَّائِنِ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ رُجُوعَ الْمُتَبَرِّعِ إلَخْ) أَقُولُ: لَفْظُ الْمُتَبَرِّعِ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَدْيُونِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى الدَّائِنِ مُتَعَلِّقٌ بِرُجُوعِ، وَقَوْلُهُ: فَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمَدْيُونِ أَيْ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقَرْضِ مِنْهُ وَالدَّائِنُ نَائِبٌ عَنْ الْمَدْيُونِ فِي الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْآمِرِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ فِي الصَّحِيحِ وَلِذَا قَالَ: وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ (قَوْلُهُ: كَمَا بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ إلَخْ) وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ وَقَعَ الْمِلْكُ لِلْفَقِيرِ بِالتَّمْلِيكِ وَقَبَضَ النَّائِبُ عَنْ الْفَقِيرِ وَعَدَمُ الدَّيْنِ فِي الْوَاقِعِ إنَّمَا يَبْطُلُ بِهِ صَيْرُورَتُهُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ نِيَابَةً لَا التَّمْلِيكُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ مَلَكَ فَقِيرًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مَدْيُونٌ، وَظُهُورُ عَدَمِهِ لَا يُؤَثِّرُ عَدَمَ الْمِلْكِ بَعْدَ وُقُوعِهِ لِلَّهِ - تَعَالَى - إلَخْ وَمَا وَقَعَ فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute