بِمَا زِدْنَاهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ قَوْلِنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا أَمَةً لَهُ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ فِيمَا لَوْ كَانَتْ مَرْهُونَةً أَوْ مَأْذُونَةً مَدْيُونَةً فَلَمْ يَرِدْ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَجْمَعِ مِنْ الْإِقْرَارِ قَالَ وَلَوْ أَقَرَّ حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ بِأَخْذِ مَالٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بِإِتْلَافِ خَمْرٍ بَعْدَهُ أَوْ مُسْلِمٌ بِمَالِ حَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِقَطْعِ يَدِ مُعْتَقَةٍ قَبْلَ الْعِتْقِ فَكَذَّبُوهُ فِي الْإِسْلَامِ أُفْتِي بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي الْكُلِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ وَقَالَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ قَدْ يُجَامِعُهَا الضَّمَانُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَبْرَأُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ صَبَّ دُهْنًا لِإِنْسَانٍ عِنْدَ الشُّهُودِ فَادَّعَى مَالِكُهُ ضَمَانَهُ فَقَالَ كَانَتْ نَجِسَةً لِوُقُوعِ فَأْرَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْمُصَابِ لِإِنْكَارِهِ الضَّمَانَ وَالشُّهُودُ يَشْهَدُونَ عَلَى الصَّبِّ لَا عَلَى عَدَمِ النَّجَاسَةِ وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ لَحْمَ طَوَّافٍ فَطُولِبَ بِالضَّمَانِ فَقَالَ كَانَتْ مَيْتَةً فَأَتْلَفْتهَا لَا يُصَدَّقُ وَلِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ لَحْمٌ ذَكِيٌّ بِحُكْمِ الْحَالِ وَقَالَ الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِمَسْأَلَةِ كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا قَالَ كَانَ ارْتَدَّ أَوْ قَتَلَ أَبِي فَقَتَلْته قِصَاصًا أَوْ لِلرِّدَّةِ لَا يُسْمَعُ فَأَجَابَ وَقَالَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُبِلَ لَأَدَّى إلَى فَتْحِ بَابِ الْعُدْوَانِ فَإِنَّهُ يَقْتُلُ وَيَقُولُ كَانَ الْقَتْلُ لِذَلِكَ وَأَمْرُ الدَّمِ عَظِيمٌ فَلَا يُهْمَلُ بِخِلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّمِ أَهْوَنُ حَتَّى حُكِمَ فِي الْمَالِ بِالنُّكُولِ وَفِي الدَّمِ حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ وَاكْتَفَى بِالْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ فِي الْمَالِ وَبِخَمْسِينَ يَمِينًا فِي الدَّمِ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(كِتَابُ الشَّهَادَاتِ) .
أَخَّرَهَا عَنْ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا كَالْوَسِيلَةِ لَهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَهِيَ سَبَبُهُ الْكَلَامُ فِيهَا فِي مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً وَشَرِيعَةً وَاصْطِلَاحًا فَالْأَوَّلُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ خَبَرٌ قَاطِعٌ تَقُولُ مِنْهُ شَهِدَ الرَّجُلُ عَلَى كَذَا وَرُبَّمَا قَالُوا شَهِدَ الرَّجُلُ بِسُكُونِ الْهَاءِ لِلتَّخْفِيفِ وَقَوْلُهُمْ أَشْهَدُ بِكَذَا أَيْ أَحْلِفُ وَالْمُشَاهَدَةُ الْمُعَايَنَةُ وَشَهِدَهُ شُهُودًا أَيْ حَضَرَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ وَقَوْمٌ شُهُودٌ أَيْ حُضُورٌ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ وَشُهَّدٌ أَيْضًا مِثْلُ رَاكِعٍ وَرُكَّعٍ وَشَهِدَ لَهُ بِكَذَا شَهَادَةً أَيْ أَدَّى مَا عِنْدَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ وَالْجَمْعُ شَهْدٌ كَصَاحِبٍ وَصَحْبٍ وَسَافِرٍ وَسَفْرٍ وَبَعْضُهُمْ يُنَكِّرُهُ وَجَمْعُ الشَّهْدِ شُهُودٌ وَأَشْهَادٌ وَالشَّهِيدُ الشَّاهِدُ وَالْجَمْعُ الشُّهَدَاءُ اهـ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ فَائِدَةٌ جَرَى عَلَى أَلْسِنَةِ الْأُمَّةِ سَلَفِهَا وَخَلَفِهَا فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَشْهَدُ مُقْتَصِرِينَ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْقِيقِ الشَّيْءِ نَحْوُ أَعْلَمُ وَأَتَيَقَّنُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِأَلْفَاظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَيْضًا فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى تَعْيِينِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَلَا يَخْلُو عَنْ مَعْنَى التَّعَبُّدِ إذْ لَمْ يُنْقَلْ غَيْرُهُ وَلَعَلَّ السِّرَّ فِيهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ اسْمٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ وَهِيَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الشَّيْءِ عِيَانًا فَاشْتُرِطَ فِي الْأَدَاءِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْمُشَاهَدَةِ وَاخْتُصَّتْ بِشَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَا اُشْتُقَّ مِنْ اللَّفْظِ وَهُوَ أَشْهَدُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ وَلَا يَجُوزُ شَهِدْت؛ لِأَنَّ الْمَاضِيَ مَوْضُوعٌ لِلْإِخْبَارِ عَمَّا وَقَعَ نَحْوُ قُمْت أَيْ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ فَلَوْ قَالَ شَهِدْت احْتَمَلَ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمَاضِي فَيَكُونُ غَيْرَ مُخْبِرٍ بِهِ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: ٨١] ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا عِنْدَ أَبِيهِمْ أَوَّلًا بِسَرِقَتِهِ حِينَ قَالُوا إنَّ ابْنَك سَرَقَ فَلَمَّا اتَّهَمَهُمْ اعْتَذَرُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا صُنْعَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا وَمَا شَهِدْنَا عِنْدَك سَابِقًا بِقَوْلِنَا إنَّ ابْنَك سَرَقَ إلَّا بِمَا عَايَنَّاهُ مِنْ إخْرَاجِ الصُّوَاعِ مِنْ رَحْلِهِ وَالْمُضَارِعُ مَوْضُوعٌ لِلْإِخْبَارِ فِي الْحَالِ فَإِذَا قَالَ أَشْهَدُ فَقَدْ أَخْبَرَ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: ١] أَيْ نَحْنُ الْآنَ شَاهِدُونَ بِذَلِكَ وَأَيْضًا فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ أَشْهَدُ فِي الْقَسَمِ نَحْوُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا أَيْ أُقْسِمُ فَتَضَمَّنَ لَفْظُ أَشْهَدُ مَعْنَى الْمُشَاهَدَةِ وَالْقَسَمِ وَالْإِخْبَارِ فِي الْحَالِ فَكَأَنَّ الشَّاهِدَ قَالَ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَقَدْ اطَّلَعْت عَلَى ذَلِكَ وَأَنَا الْآنَ أُخْبِرُ بِهِ وَهَذِهِ الْمَعَانِي مَفْقُودَةٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَلِذَا اقْتَصَرَ احْتِيَاطًا وَاتِّبَاعًا لِلْمَأْثُورِ وَقَوْلُهُمْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تَعَدَّى بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى أَعْلَمُ. اهـ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ (قَوْلُهُ هِيَ إخْبَارٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ لَا عَنْ تَخْمِينٍ وَحِسْبَانٍ) أَيْ الشَّهَادَةِ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِأَنَّ هَذَا مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيُّ أَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُصَابِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي كَوْنِهِ مُتَنَجِّسًا وَأَمَّا الضَّمَانُ فَلَا فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ مُتَنَجِّسًا قَالَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ الْغَزِّيِّ وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ عَلَى الْأَشْبَاهِ أَبُو السُّعُودِ وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ لِإِنْكَارِهِ الضَّمَانَ مَعْنَاهُ ضَمَانُ الْمِثْلِ.
[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute